د. فاضل البدراني
بغداد الرشيد أميرة حالمة
برغم ما يحصل لبغداد من ظلم وتجني على مر العصور، تبقى مبتسمة ،حتى وان كابدت وطأة التعدي، ذلك أن لبغداد رأي لا أحد يعرفه عنها، انه سرها الصعب الفهم، او ما يسمى ،فلسفة بغداد في الحياة، ويبدو ان غايتها ان تشغل أكبر عدد من الفلاسفة والكتاب والمثقفين والشعراء بالكتابة عنها انها الساحرة الجميلة، ولبغداد بما تملكه من كنوز العلم والمعرفة والثقافة والتراث والحضارات ،ومن زعامات وباشات وقيادات وحكام ومطربين، وشعراء وشقاوات ،امتياز ما يجعلها تتنفس من رئة تختلف عن نظيراتها جميعا، لكن لبغداد صولة في كل قرن او اكثر، فان بكت أهتز العالم من زلزال شهيقها وحزنها ،واذا أنشرح صدرها بالسعادة صدحت، فأهتز العالم بأسره طربا لدار السلام ، فبغداد أميرة الدنيا.
بغداد تتشابه مع شقيقتها القدس في الصفات كلها، تتعامل مع الظلم على انه قيام الساعة، إن تنازلت عن تحمله فانه المسوولية الكونية وهو الكبرياء، فمفهوم الغزو والاحتلال عندهما، فرصة ثمينة تتاح لمن يحب التوثيق والكتابة ،ويمارس مهارات التعبير بلغة انسانية، لذا فبغداد تعشق ان يكون اسمها معركة فكرية واسعة، تفجر جذوة الابداع عند الآخرين، وتدفع باتجاه احتدام الرأي والرأي الاخر، وهذه صفات الأميرة تقرأ بشغف لمن يكتب عنها، وتنصت لمن يتغزل بها، فهي ببساطة منذ الولادة بريئة ،لا تعرف ظلم الآخر، شعارها مظلومة، ولا ظالمة.
لكن لبغداد رأي في من حكم فيها من ابنائها، فتقول ان هارون الرشيد كان إبنا بارا لها، والمأمون ، أمين مكتبتها (دار الحكمة )، ففي عهده انتعشت حركة الشعر والفن والموسيقى والجمال ،واصبحت بغداد عاصمة الدنيا ،وحاضرة بني العباس، وفيها المكتبة الأسطورية (بيت الحكمة) لا يمكن لقاريء ،وطالب علم يستغني عنها ،وفي عصر الرشيد أصبحت مركزا تجاريا عالميا، بغداد قالت انا أم الديانات والمذاهب ،والاعراق، ولا ينتمي لي من يعزف للحن الكراهية والبغضاء. هذه بغداد عندما سئل أحد عشاقها من المفكرين، هل بغداد بمستوى لندن، قال لا، لكن لو، اجتمعت كل من لندن وباريس وبرلين ومدريد، وواشنطن، يمكن أن تساويها. وقالت فيروز عنها..
بغدادُ والشعراءُ والصور ذَهَبُ الزمان وضوعه العطِرُ يا ألف ليلةٍ يا مكملة الأعراس يغسلُ وجهك القمرُ.
884 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع