بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... الثمانون
الحجـر المسـحور
حدثتنا جدتي تشكي حالة الفقراء الذين لن يسأل عنهم معين، تقول جدتي وعلامات الحزن ظاهرة على وجهها:
كان هناك ملك خرج في أحد الأيام يتفقد أوضاع أبناء المملكة، وصل إلى قرية شاهد سكانها يشربون من نهر ماءه عكر وغير صافي فأمر الحاشية أن يجلبون حُبُّ (الحُبُّ: وعاءُ الماء كالزِّير والجرَّة)، يضعون فيه الماء حتى يصفى الماء ويشربون منه أهل القرية، وعندما جلبوا الحُبُّ ، قال احد الموظفين: هذا الحُبُّ أموال عامة وعهدة حكومية، نحتاج حارس يقوم بحراسته، وكذلك نحتاج عامل يملئه بالماء وبهذه الحالة نحتاج سته حراس وست عمال يتناوبون خلال الأسبوع، بعد ذلك قال أحد افراد الحاشية: الحُبُّ يحتاج حبل وطاسة واذا صار بيه خلل نحتاج واحد يصلحه وهنا لازم نعيين فني، تدخل موظف خبير متعمق في شؤون الدولة : وبهذه الحالة نحتاج شعبة حسابات حتى يقدمون لهم رواتب، تدخل موظف أخر من الحاشية قائلا: ومن يضمن هؤلاء الموظفين يشتغلون بانتظام و بدون غيابات.
وعليه نحتاج واحد يتابعهم ويشرف على العمل.
اتفق الجميع على إنشاء شعبة لشؤون العاملين وفتح سجلات حضور وانصراف للعمال، أما أحد افراد الحاشية اقتراح فتح شعبة قانونية لمحاسبة المقصرين بعملهم، وعند تم تعين كل هؤلاء لأدراه املاء الحُبُّ بالماء، جاءهم موظف موفر محترم مستفسرا: من يرأس كل هؤلاء الموظفين. ثم أجاب هو: نحتاج لموظف بدرجة مدير عام يدير العمل.
بعد مرور سنة زار الملك القرية شاهد مبنى كبير وعليه يافطة كبيرة مكتوب عليها (الإدارة العامة لشؤون الحُبُّ)
دخل الملك إلى المبنى وشاهد غرف وقاعات اجتماعات، ومكاتب وغرفة للمدير العام يجلس خلف مكتبه ورجل مهيب شعر راسه ابيض وفوق المكتب يافطة صغيرة مكتوب عليها (الأستاذ مدير عام شئون الحُبُّ).
فتساءل الملك عن سر هذه المؤسسة الكبيرة وهذه الإدارة الغريبة التي لم يسمع جلالته بها. أجابه رئيس الحاشية الملكية: مولاي كل هؤلاء الموظفين يهتمون بشؤون الحُبُّ الذي أمرت بيه للناس بالعام الماضي.
قرر الملك زيارة الحُبُّ الذي قدم خدمة للقرية بحيث أصبح له كادر كبير يديره، وصل الملك إلى الحُبُّ وكانت المفاجأة
أن الملك وجد الحُبُّ فارغ ومكسور وبجانبه حارس وسقا نائمين وعليه يافطة مكتوب عليها: (تبرعوا لإصلاح الحُبُّ من اجل الفقراء مع تحيات الادارة العامة لشؤون الحِب).
تقدرون يا أولادي أن تقولوا لي ماذا قدمت هذه الحاشية للقرية من يوم امر الملك انشاء الحُبُّ والى الان. ابتسمنا جمعيا وكان جدي يسمع الحكاية تدخل وقال: اولادي احكي لكم سالفة قصيرة، من كذا سنة عندنا ولد ابني الصغير يعني خالكم، ذهبت إلى دائرة الأحوال المدنية لتسجيل اسمه واستحصال له بطاقة الأحوال المدنية، الموظف لم يعجبه اسم ابني طلب مني أن اغير الاسم، تعجبت من طلبه ورفضت أن اغير الاسم، اعتذر الموظف أن يكمل معاملة تسجيل الاسم، ورمى الأوراق بوجهي، دخلت إلى المدير العام اشتكي له، اعتذر وأيد كلام الموظف أن اغير الاسم، سألته عن السبب أجاب بكل برود: الموظف المختص لم يقتنع بهذا الاسم قدم طلب جديد باسم جديد يقتنع به الموظف. خرجت من الدائرة اشتم واسب من عين مديرا من أقرباء حاشية يدير دائرة الأحوال المدنية. انتظرت حتى تغير الموظف بعد الثورة التي قام بها الضباط الاحرار ونقله إلى دائرة أخرى موظف استعلامات، أما الموظف الجديد سجل الاسم بسجلات الأحوال المدنية.
قالت جدتي نعود لحكايتنا اليومية
كان في قديم الزمان، صياد سمك فقير الحال يتعب كثيراً طوال النهار، وبالكاد يصيد بعض السمكات الصغيرة ويعيل أسرته ويؤمن لهم قليلاً من الطعام. ونتيجة حظه السيء ويأسه من النتيجة امتنع أياماً عديدة لا يخرج إلى الصيد حتى هدّهم الجوع، فطلبت منه زوجته أن يخرج إلى البحر، ورجته أن يجرّب حظه هذه المرّة لعله يصيد بعض السمك، وتحت إلحاح زوجته أخذ شبكته ووضعها على كتفه، وخرج إلى مكانه المعتاد على البحر، رمى الشبكة وأخرجها بعد ساعة فوجدها فارغة، ورماها ثانية فكانت أيضا فارغة، ثم ثالثة ورابعة حتى قاربت الشمس على المغيب دون نتيجة، فعزم أن تكون هذه المرة الأخيرة فرمى الشبكة وبعد قليل سحبها فوجدها ثقيلة. فرح كثيراً وظن أنها مليئة بالأسماك فعالجها كثيراً حتى رفعها بصعوبة، وفوجئ بأنها فارغة إلاّ من حجر بقدر رأس الحصان، فحزن على هذا الحظ التعس، وغضب وحملها ليرميها في البحر، فسمع صوتاً يقول: يا صياد لا ترميني، أنفعك احتفظ بيَّ
لم يصدّق أذنيه وهمّ برميها ثانية، فسمع الصوت مرة أخرى، فعرف أن الحجر تكلّمه، وأن في الأمر سر كبير، فحملها وعاد إلى بيته. عندما رأته زوجته يعود بحجر دون سمك وطعام انزعجت ولامته وعنّفته كثيراً، فقال لها: اصبري حتى نرى آخر هذا الأمر وحدثها عن سر الحجر، فقالت: نصبر ونرى إن كانت هذه الحجر ستطعمنا أم سنموت من الجوع، ونامت ونام الأولاد جائعين وبقي الرجل ساهراً يراقب الحجر دون جدوى.
في الصباح وجد الرجل كيساً من المال على الحجر، فطار عقله من الفرح، وأخذه وأيقظ زوجته والأولاد وغنوا ورقصوا من البهجة والسرور، وأيقنوا أن الصبر مفتاح الفرج، ونزل الرجل إلى السوق فاشترى لحماً وسمناً وزيتاً وخضاراً وفاكهة، وعاد بها إلى البيت، فأكل الجميع حتى شبعوا ولبسوا ملابس جديدة وأمضوا اليوم في فرح وسرور.
في صباح اليوم التالي وجد كيساً آخر فطار من الفرح، وأصبح كل يوم يجد كيساً جديداً، فتحسّنت الأحوال وأصبح من الأغنياء، فبنى قصراً فخماً وفرشه بأحسن الفرش، وبقوا ساكتين لا يقولون شيئا عما جرى معهم بعد أن أوصاهم الحجر أن لا يفشوا سرّه لأحد وإلا خسروه إلى الأبد.
لاحظ الجيران تغيّر أحوال جيرانهم وهذا الغنى الكبير المفاجئ على جيرانهم الفقراء، فاستغرب الجميع هذا الأمر، وبدأوا يتساءلون ويتهامسون عن حقيقة السر العجيب، وأخذوا يتساءلون عن سبب هذا التغير، وبدأت الناس تزورهم وتتودّد إليهم وتجمعت النساء حول زوجة الصياد، وأخذوا يسألون الزوجة عن سر غناهم فلم تجبهم في البداية، لكنهم ألحّوا عليها ولا حقوها بالأسئلة، فعجزت المرأة عن المقاومة، وضاقت نفسها بالسر فباحت به لجاراتها، وأخبرتهم عن حقيقة الحجر المسحور، وصارت تفتخر بأحوالها وقصرها وغناها، وتتباهى بين النساء، وبسرعة فشى السر من واحد إلى آخر حتى شاع بين الناس، فعرف الجميع قصة الحجر المسحور وحسدوهم عليه. وجاءت اللصوص وسرقت الحجر.في الصباح استيقظ الجميع ووجدوا أن القصر قد اختفى ووجد الرجل والمرأة والأولاد أنفسهم في كوخهم القديم، وقد فقدوا القصر والأموال والعز والجاه، وبحثوا عن الحجر في كل مكان فلم يجدوه، وعادوا إلى حالهم القديم. كما كان.
2121 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع