مات وفي جيبه ربع دينار‏

                                                   

                               د.رعد العنبكي

                

        

اود لو سمحتم بذكر عبد الكريم قاسم رحمه الله حيث كان افقر رئيس دولة في العالم انذاك وافقر من الرئس الاوروغواي خوسيه موخيكا واليكم هذه الحقائق عن قصة حياته :

عبد الكريم قاسم كان عفيف اليد واللسان
كانت هنالك محلة تدعى ( الست هديه ) نسبتا الى زوجة احد الخلفاء العباسيين وقد كان لها ضريح بقبة قائما حتى اواسط الثلاثينيات من القرن الماضي فهدم عند انشاء( ساحة زبيدة ) الواقعه في شارع غازي ( الكفاح حاليا ) عند اتصاله بشارع الامين وكان مختار هذه المحله هو السيد ( عبد المجيد الصقار )وهي محلة قديمة واغلب سكانها من اسر عريقه وكان
ابناء عشيرة الصقاره ( ويرجعون سوامره ) يشكلون اكبر كتله سكانية فيها ولذلك يطلق عليها احيانا اسم  (محلة الصقارة ) وكان التسامح اصل المحله وترحيبهم بالغرباء ادى الى استيطان اعداد غير قليلة منهم فيها وكان بينهم الاكراد والتركمان واليهود وكانت عائلتي تسكن هذه المحلة العريقه وقد برز من بين السكان الاصليين عدد من الشخصيات البارزه بينهم بعض الضباط في الجيش العثماني مثل ( المقدم ناجي الصقار والعقيد احمد قاسم القيسي والعميد خليل ابراهيم الحداد والعميد علي قنبر والمقدم سلمان مروان والعقيد محمود فياض العلي ) وعلاوة على هؤلاء كان هناك من ابناء المحله شخصيات سياسية مثل جميل المدفعي ( الذي تولى رئاسة الوزراء عدة مرات ) والحاج محمود رامز السعدون  ( وهو زوج عمتي ) النائب المزمن وصاحب الصوت المدوي بالمعارضه في مجلس النواب وهو واحد من مؤسسي الجيش العراقي
والاستاذ حسن رضا  ( القاضي الكبير ورئيس محكمة التمييز ومنهم اللواء شاكر محمود رامز الذي شغل وظيفة مساعد لرئيس اركان الجيش العرا قي في العهد الملكي ثم عين مديرا عاما للطيران المدني وابنه ناطق الذي اصبح فريق ركن وقائد فيلق لاحقا
وكان من ابناء هذه المحله ( ابراهيم الحداد ) الذي كان رئيسا لصنف الحدادين في بغداد وبعدها تولى الرئاسة  ( وتسمى مشيخة ) قريبه وزوج ابنته  ( عبد الرحمان الجدة ) وهناك الحاج ( محمود البنية ) وكان رئيس صنف البقالين واسطه قنبر رئيس قسم البنائين وكان يسكنها عائلة يهودية وتدعى ( الساجي ) والذين كانوا جيران اهلي وكانوا يملكون  ( قاصة حديدية ) في البيت  وقد اودعت والدتي  (حجج البيوت ) لديهم وعند مغادرتهم بغداد عام  ( 1948 ) اخذوا معهم هذه الحجج والان هم يسكنون في ( بريطانية  لندن ) ولهم ابناء اثنين احدهما يدعى  ( مايكل ) وله كلري يدعى ( ساجي اند ساجي ) وهو اشهر كلري في العالم وانا عضو فيه ومن ضمن هذه المحله عددا غير قليل من الحدادين والبنائين والخياطين والبقالين وغيرهم من اصحاب المهن

         

وكان من سكانها  ( قاسم والد عبد الكريم) الذي كان  ( خراطا للخشب ) ويسمى له العامه ( جراخ ) وهي كلمة تركية تدل نفس المعنى وهو الذي يذهب قطعة الخشب ويصقلها ويحكم استدارتها فتصلح يدا للفاس والمطرقه كما يتولى زخرفة بعضها
كان قاسم عديلا لقصاب من اهل محلة  (المهدية ) المجاوره واسمه ( عباس البعنون ) وهو من عائلة اشتهرت بالقصابة شانها شان تلك المحلة الذين يرجعون في اصولهم الى عشيرة ( المهدية ) التي تقيم بجوار مدينة المقدادية في ديالى وكان له دكان في سوق الاغا عند تقاطع شارع الرشيد مع شارع الامين وقد انجب قاسم ولدين هما (حامد وعبد تالكريم ) وانجب عديله عباس البعنون  ( فاضل واولاد اخرين )
اما عبد الكريم فقد كان من الاذكياء والجادين الذين لايميلون الى الاختلاط   ودخل الكلية العسكرية وبرز فيها وعندما كان طالبا  (هذا ماقالت لي والدتي ) كان ياتي يوم الخميس عصرا اجازة الطلاب ويطرق باب اهلي لانه يعرف ان عمته تزورنا وكانت مشهورة في سرد القصص التي تطول لااسبوع اواكثر وكان يقف في الباب ويريد ان يكلمها وهي تعرف انه جاء لياءخذ بعض النقود منها  ( خرجيه ) لكي تكفيه مدة الاءجازه الاسبوعية وقد برز بعد تخرجه من الكلية العسكرية وتاءهل لدخول كلية الاركان وبدون اي سند او واسطه  ( اخذها باءذراعه ) وكانت هذه مزيه عرفها العراق منذ تاءسيس الحكم الوطني فيه سنة ( 1920 ) اي تقدم ابناء العامه الاكفاء بدون عائق

 
اما فاضل (ويلقب بالمهداوي ) وهو ابن خالة عبد الكريم فلم يوفق في دراسته وانتهى به المطاف الى التعيين في وظيفة  ( مراقب بلدية ) اي مفتش تابع للبلدية ولكن الفرصة سنحت له عام  (1937  ) للدخول في الكلية العسكرية عندما تولى الفريق ( بكر صدقي ) رئاسة الاركان اثر انقلابه حيث اراد توسيع الجيش فتساهل في شروط القبول لتلك الكلية ( من حيث اشتراط الشهادة الثانوية بمعدل عال ) فدخلها المهداوي كما ان عددا من المعلمين دخلوها...

     

وكان بينهم  احمد حسن البكر ( رئيس الجمهورية لاحقا ) وطاهر يحيى (رئيس الوزراء في عهد عبد الرحمان عارف ) ومجيد جليل ( مدير الامن العام في عهد قاسم ) وغيرهم كثير
يتضح مما تقدم ان عبد الكريم قاسم نشاء في بيئة عربية نقية وعاش فيها المثقفون الى جانب اصحاب الحرف اليدوية في وئام تام وتضامن وكاءنهم اسرة واحده ولذلك فلا غرابه ان نرى العميد عبد الكريم جده  ( وهوابن عبد الرحمان الجده شيخ الحدادين ) الذي صار امرا الانضباط العسكري في عهد قاسم فنراه يدافع بنفسه عن قاسم في مبنى وزارة الدفاع حتى النفس الاخير عندما داهمته احدى الدبابات فتقتله  كما لا غرابة ان نرى الضابط الشاب ( كنعان حداد ) الذي اعدم مع قاسم في دار الاءذاعة اذ هو ابن العميد خليل الحداد امر شرطة السياره في اواخر الثلاثينيات وهو ابن ابراهيم الحداد وخليل هذا هو خال عبد الكريم الجده...

                

في الحقيقة ان عبد الكريم قاسم احاط نفسه بضباط هم من صميم الشعب العراقي من ذلك مثلا  اللواء احمد صالح العبدي رئيس الاركان والحاكم العسكري وكان اخي المرحوم حمودي الستشار القانوني له فهو من محلة  ( حمام المالح ) والتي انا ولدت فيها ايضا ومساعده العميد سعدون عوني المدفعي وكان داره قريب من دارنا وعندما انتقل منها اجره وكنا نستلم ايجار داره شهريا وياءتي اخوه  اديب المدفعي ليائخذه
ويمكن تعميم هذه المقوله على كثيرين ممن استعان بهم عبد الكريم بمن فيهم ابن خالته ( فاضل عباس المهداوي ) الذي عينه رئيس لمحكمة الثورة فهو ابن قصاب وعمه قصاب ايضا
ان عبد الكريم قاسم عاش عفيف اليد واللسان وعاش طوال مدة حكمه عيشة الجندي في ثكنته اذ كان ينام حيث مكتب عمله في وزارة الدفاع ولا يذهب لتفقد بيته الا لماما وهو بيت متواضع وكان ايجاره  (15 ) دينارا شهريا ويوما جاء لزيارة بيته القديم  ( حيث اخته تعيش ) والواقع في دربونه ضيقه  في الزقاق المقابل لساحة زبيده وكان ذلك في ظهر يوم صيف شديد الحرارة وقد رايته يدخل وتجمعنا انا وثلاثة اولاد وكنا صغار العمر  وكنا نريد السلام عليه وكان ذلك الدار متواضع جدا  ووقف مرافقه وصفي طاهر امام الدربونه  وقال لنا:

(انتم تحبون الزعيم قلنا له نعم فقال ا ذا انتم فعلا تحبونه فاعطوه فرصه لكي ينام لفترة قصيرة لاءنه يحتاج ان ينام لانه لم ينم ليلة  امس وبذلك تركنا المكان لكي ينام الزعيم نومة هادئه)

  

في الحقيقه ان قاسم كان بعيدا جدا عن المنافع الماديه حيث انه اوكل الى العميد عبد الكريم جده ليقبض راتبه ( وهو راتب عسكري اذ رفض ان يمنح راتب رئيس الوزراء ) وتوزيعه على الفقراء الذي كان يمر بهم في جولاته التفتيشيه ويكفيه فخرا انه يوم قتله لم يكن فيجيبه سوى ربع دينار اما بالنسبة لعفة لسانه فيكفي القول باءنه تعرض من بعض الاجهزه الاعلاميه العربيه الى شتائم ياءبى الحياء التلفظ بها بل ناله من بعض الزعماء العرب الكثير من الطعون والاتهامات الباطله
اما هو فلم يسمح للسانه ان يذكر بالسؤ احدا ممن اساء له على الاطلاق وقد حرص قاسم على عدم التحيز لاي فئة معينه من فئات الشعب العراقي اذ لم يدع المجال لاي طائفة دينية ان تدعيه لنفسها وحدها كما لم يسمح لاي قومية ان تحوزه دون بقية القوميات...ومات وفي جيبه ربع دينار فقط!!!
رحم الله الزعيم عبد الكريم قاسم واسكنه فسيح جناته
ولكم مني فائق الود والاحترام
اخوكم المخلص
الدكتور/رعد العنبكي

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

756 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع