الدكتور مهند العزاوي*
الولايات المتحدة الأمريكية تدشن المسرح السادس للحرب
القت التحولات السياسية الدولية بضلالها على العالم لاسيما سياسة خصخصة الحرب 1992 التي سرحت نصف القوة المسلحة خارج اطار التمثيل العسكري ضمن القوات المسلحة للدول , وقد استثمرتهم الشركات الأمنية الخاصة ضمن مهامها الساندة للحروب والمهام الأمنية في الدول المضطربة , وكان هذا التحول الحربي بمثابة العنصر الأول في تنامي ظاهرة الحرب المركبة [1] .
ينشغل العالم اليوم بإطفاء حرائق الحرب المركبة(الهجينة) التي استمرت نحو عقد ونصف ولاتزال ملامحها شاخصة في دول التأثير العربي كالعراق واليمن وسوريا وليبيا , وقد خلفت هذه الحروب ضحايا تفوق الملاين من قتلى ومفقودين ومهجرين فضلا عن عمليات التغيير الديموغرافي والتلاعب بالهندسة الاجتماعية , وقد أرست مقومات ظاهرة " الدول الفاشلة" التي يمكن تصنيفها ضمن مدار العالم الرابع , وهي الدول المتخمة بالنزاعات والحروب والفساد وغياب القانون واندثار قيم الدولة وشياع ظواهر القتل خارج القانون مع اتساع ظاهرة المليشيات والكيانات الموازية للدولة ضمن سياسة التأثير الخارجي , لاسيما ان الجماعات الفاعلة الغير نظامية هي بمثابة عنصر تأثير خارجي يمس السيادة الوطنية ومقومات الامن الوطني وتسهم في فشل الدولة وترويع المجتمعات , وفي ظل هذه المشاهد القروسطية يبرز اتجاه حربي سادس في غاية الأهمية وهو عسكرة الفضاء الذي اصبح المسرح المحوري لكافة الفعاليات المدنية والمؤسساتية والحربية منها .
المسرح السادس من الحرب
تصنف الولايات المتحدة بانها القوة الأفضل والاكبر عالميا من حيث التصنيف كما يطلق عليها "السوبر باور" ويتم تصنيف ذلك من خلال مقدرة البلد على مكننة الحرب , وتجزئة المتفجرات المنقولة جو ا اوبالمدافع , والحيازة والمقدرة النووية , والهيمنة الفضائية فضلا عن المعلومات والتطور التقني والالكتروني , وكما يبدوا ان سباق عسكرة الفضاء قد تم تفعيله بالضبط وفقا للمشروع الأمريكي 2020, حيث اعلن "مايك بنس" نائب الرئيس الأميركي أن الولايات المتحدة ستنشئ “قوة فضائية”[2] لضمان الهيمنة الأميركية في هذا المجال مع تزايد تهديد الصين وروسيا، حسب قوله.
قال بنس أمام عسكريين في البنتاغون إنه “حان الوقت لكتابة فصل جديد في تاريخ قواتنا المسلحة والاستعداد لساحة المعركة المقبلة حيث سيدعى الأميركيون، وهم الأفضل والأكثر شجاعة، إلى تجنب موجة جديدة من التهديدات لشعبنا وأمتنا والتغلب عليها”, وأضاف أنه حان الوقت لإنشاء قوة الولايات المتحدة للفضاء، مؤكدا دعوة الرئيس دونالد ترامب للكونغرس إلى استثمار ثمانية مليارات دولار إضافية في أنظمة الفضاء الأمنية الأميركية خلال السنوات الخمس المقبلة.
تمثل تصريحات بنس الخطوة الأولى لإنشاء فرع سادس للجيش الأميركي بحلول عام 2020، وكان الرئيس ترامب قد أبدى رغبته في إنشائها، بحيث تؤكد واشنطن عبر هذه الخطوة أنها “تسيطر على الفضاء”, علما ان عدد الجنود والضباط المتخصصين في مجال الفضاء في القوات الامريكية يبلغ عددهم ثلاثين الف وقد يزداد الى مائة الف .
مخاوف الصين
علقت الصين وعبر منصتها الإعلامية شينخوا[3] بان اعلان مشروع تشكيل قوة فضائية يذكر بخطة حرب النجوم التي طرحها الرئيس الأمريكي الأسبق "رونالد ريجان" فيعام 1983 , وبدت الصين تخوفها من التحول الى حرب النجوم في ظل الدور المحوري للفضاء واتساع التطور في التقنيات العسكرية التي تعتمد على شبكة من المجسات والاقمار الصناعية التي تسبح في مدار الأرض, فضلا عن تطوير الولايات المتحدة أسلحة يمكن ان تطلق من قواعد فضائية تستطيع من خلاله إصابة أي هدف على الكرة الأرضية في أي وقت وبقوة مماثلة للقنبلة النووية وقد اسمته roods from god , وتعتقد الصين ان خطط أطلاق قوة فضائية أمريكية تهدف لمواجهة الصين وروسيا تحت ذريعة توفير "الامن التام" للولايات المتحدة .
اطراف أخرى
يشكل الاتحاد الروسي احد عناصر القوة الخشنة في العالم حيث تمكنت روسيا من خوض حروب مركبة في اوراسيا والشرق الأوسط لسنوات طويلة, ولم تعلق روسيا عبر منصاتها الإعلامية او الرسمية الدبلوماسية على المشروع الأمريكي الفضائي بل اكتفت بنشر تحديث للأسلحة الجوية الفضائية والمناورات العسكرية , فضلا عن الاحتفاء بالنصر العسكري في سوريا حيث حققت سياسة العودة للشرق الأوسط وبالقوة , بلا شك ان روسيا تأخذ بنظر الاعتبار التطور الحربي المعاصر والتحول من حروب التماس المركب الى حروب التأثير الفضائي المركز والقوي , كما ولم يبرز رد فعل رسمي او شبه رسمي من قبل حلفاء الولايات المتحدة ذوي القدرة العسكرية المتطورة والإمكانيات الفضائية كفرنسا والمملكة المتحدة وأعضاء حلف الناتو , وكما يبدوا ان التحول الحربي او القرار الأمريكي بأنشاء قوة فضائية كان يرتقي للمباغتة والصدمة , لاسيما ان التأثيرات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة على دول متعددة قد ترك مساحات من الخلاف السياسي مع الحلفاء , الامر الذي برز على شكل تصريحات وتحولات بروتوكولية ضمن سياق النسق التحالفي
من زاوية عسكرية
يشكل القرار السياسي الحربي الأمريكي البارز في انشاء قوة عسكرية فضائية تحولا نوعيا في نمط الحروب المعاصرة , وتفعيل واقعي لعسكرة الفضاء لصالح الولايات المتحدة الامريكية , وتفوق على كافة الخصوم والمنافسين لاسيما ان اعداد قوة فضائية يتطلب الاستطاعة وتامين كادر نوعي وتشكيلات فاعلة ومعدات متطورة مكلفة نسبيا عن مثيلاتها الأرضية , ولعل من الملفت للنظر وجود 30 الف عسكري فضائي لدى الولايات المتحدة الامريكية قابل للزيادة نحو 100 الف , فضلا عن التحديد الزمني 2020 أي يعني الاستطاعة , وهو العامل الثاني بعد المقدرة الذي يمنح قرار التحول الحربي , لاسيما ان العنصر الثالث قد تحقق وهو القرار السياسي بعد الإعلان عن الخطط والمشروع لأنشاء قوة فضائية أمريكية , ان كل قرار تحول حربي ضمن صناعة القرار السياسي العسكري يتطلب العناصر الثلاث التي ذكرتها ( الحيازة – الاستطاعة او المقدرة – القرار) اذن نحن اما تحول حربي معاصر بعد الحرب المركبة وهو الحرب الفضائية التي ليس بالضرورة ان يكون مسرحها الفضاء بل سيكون الأرض حيث يتم حرمان الخصوم من التفوق الحربي الأرضي والجوي والبحري لصالح الهيمنة الفضائية القادمة , كما قال نائب الرئيس الأمريكي "مايك بنس " مؤخرا عند إزاحة الستار عن تفاصيل خطط واشنطن لإنشاء قوة فضائية يمكن أن تصبح الفرع السادس من الجيش الأمريكي "ان الوقت حان" للاستعداد "لساحة المعركة المقبلة".
*خبير عسكري
الأحد، 12 آب، 2018
[1] . انظر مهند العزاوي الحرب المركبة مقال منشور في موقع مركز صقر للدراسات والبحوث الاستراتيجية .
[2] . www.france24.com/ar/20180810-الولايات-المتحدة-إنشاء-جيش-أمريكي-قوة-الفضاء
[3] . https://www.youm7.com/story/2018/8/12/شينخوا-طموح-إنشاء-قوة-فضائية-أمريكية-سيحول-حرب-النجوم-إلى/3908530
682 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع