زيد الحلي
المغني .. والكتب !
هل اطلق عليه تسمية ( ظاهرة عراقية ) ؟ اؤكد بثقة : نعم يستحق هذه التسمية ، بل انه فعلاً ( ظاهرة انسانية ) نادرة الوجود ، وان وُجدت ، فهي من نوادر الماضي السحيق .. ولأبسط رؤاي فأقول انه شاب حصل على شهرة مبكرة ، فالعيون ترنو الى نجاحاته ، والأذان تترقب سماع صوته .. دعته معظم دول العالم .. غنى في مسارح هي حلم كل مطرب .. حصل عن جدارة على لقب ( سفير).. كل هذه الاغراءات والشهرة لم تثنه عن التوجه الى التأليف ، هادفاً الى تكريس ارث عراقي معروف ، من موقع باحث مقتدر ، موظفاً امكاناته ، كي يقدم للأجيال اللاحقة ، ضوعا رائقاً من ازاهير حديقة التراث الاصيل .. عن المقام العراقي ، في كتب رصينة ، تحدثت عن علم المقامات باعتبارها من العلوم الطبيعية المبنية على القواعد الرياضية، وهو ترتيب وتعاقب الأصوات المؤتلفة المتناسبة بحيث تتركب منها ألحان تستسيغها الأذن مبنية على موازين موسيقية متنوعة.. ما ابهاك صديق العمر حسين الاعظمي ، وانت تلج عالم التوثيق الذي سيخلد اسمك في سجل تاريخ الغناء العراقي ، الزاخر بكل صنوف الشجن والابداع ، فيما غيرك ، من المغنين والمطربين ، اغرتهم شهرة وقتية ، فلم يتركوا لنا مؤلفات رصينة تضيء طريق المستقبل .. لستُ اعتب على الكبير المرحوم محمد القبانجي ، الذي اضاف الى المقام العراقي لونا جديدا اصبح ، من المقامات التي يعتمدها السلم الموسيقي العربي ، ولا على حضيري ابو عزيز وناظم الغزالي ويوسف عمر وكاظم الساهر .. نعم ، اصواتهم رائعة ، لكنهم بقوا اسرى لشهرة وقتية ، ولم يكتبوا ما يفيد الاجيال الجديدة ، ربما السبب ، كان ضعف الامكانات الادبية لديهم ، والامر لم يقتصر على المطربين العراقيين ، فأين مؤلفات محمد عبد الوهاب وام كلثوم وفريد الاطرش وصباح فخري وغيرهم ..
منذ بداية العصر العباسي، قام العلماء والفلاسفة العرب والمسلمون بدراسة الموسيقى العربية واستندوا في ذلك الى النظرية الاغريقية القديمة التي اعتمدت في تحديدها للأبعاد الموسيقية على قياس أطوال الأوتار (وهي النظرية المعروفة باسم فيثاغورس). وأسهم في هذه الدراسة الكثيرون منهم الفارابي وابن سينا والكندي وصفي الدين الأرموي وقطب الدين الشيرازي، ثم عبد القادر المراغي في فترة لاحقة في القرن الرابع عشر وغيرهم.. لكن لم يلج كتابة البحوث إلا قلة نادرة من المطربين والمغنين ومنهم صديقنا العزيز حسين الاعظمي .. لقد ادهشني هذا الصديق بشغفه في تجذير المقام العراقي ، متتبعا خطوات علمية ، صعبة المراس ، وظفها بإصدارات كتب عن المقام العراقي ، منذ القدم وحتى اللحظة القائمة .. وحين سألته : لم تشغل نفسك ، بالبحث والكتابة .. الم تكفيك الشهرة المحلية والعربية والدولية ، اجابني بـ "لازمته" التي اعرفها مذ بدأت صداقتنا في العام 1975 ( صفّي نيتك .. اخويه زيد .. الشهرة والصوت والمال الى زوال .. اما الكتب، فباقية مع بقاء الانسان ).. صدقت ابا غسان ..
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
2127 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع