مقتدى الصدر وسائرون كذبة كبيرة

                                                              

                                  عوني القلمجي

مقتدى الصدر وسائرون كذبة كبيرة

مقتدى الصدر ايها الناس كذبة كبرى بامتياز، فهو ليس كما يدعي ضد العملية السياسية ولا ضد الطائفية، ولا ضد الفساد والمفسدين، ولا ضد تدخلات ايران السافرة في العراق، وانما هو جزء لا يتجزا منها، بل واكثر حرصا من غيره على حمايتها من السقوط، ويقف بالمرصاد ضد اي خطر تتعرض لها، او يمس ركنا من اركانها، وخاصة نظام المحاصصة الطائفية والعرقية، فالسيد عاش في ظلها وتمتع بخيراتها ونال نصيبه منها سواء في السلطة او حصته من الغنيمة. وقد نجد نموذجا صارخا عنه في حمايته للعملية السياسية، عندما سرق انتفاضة الشعب العراقي، بطرق خبيثة وحرمانها من مواصلة طريقها لاسقاط العملية السياسية بعد اقتحام ابنائها المنطقة الخضراء وهروب عتاولتها كالجردان المسعورة.
اما سائرون، التي اتخذ السيد منها اسما لقائمته الانتخابية، فهي ليست سوى احزاب مجهرية لا وجود لها اصلا ، مهمتها تلوين عمامته السوداء بلون العلمانية، بسبب نقمة العراقيين على العمائم السوداء والبيضاء واحزابها التي افتضح امر عمالتها للاجنبي وفسادها وسرقتها لاموالهم وثرواتهم وتدميرها للبلاد والعباد. ولا يغير من حقيقة ضحالة سائرون وجود الحزب الشيوعي فيها، فهذا الحزب هو الاخر لم يعد له وجود في الشارع العراقي، بسبب مباركته للاحتلال الامريكي، واحتفاله بمقدم قواته العسكرية الى العاصمة العراقية بغداد، ودخول امينه العام مجيد موسى الى مجلس الحكم، الذي اسسه بول بريمر الحاكم المدني في العراق، بصفته شيعي وليس بصفته كممثل للحزب، لينتهي الى حزب لا هم له سوى الفوز ولو بمقعد او مقعدين، ليبقى الحزب على قيد الحياة بعد وفاته سريريا.
نجاح الانتخابات بالنسبة للسيد كانت مهمته المركزية، كونها تمثل اكسير الحياة لهذه العملية السياسية المشينة وتحميها من السقوط، خاصة بعد الشعور بالخوف الشديد الذي انتاب اطرافها من توجه الناس لمقاطعتها، جراء القناعة التي تولدت لديهم بعدم جدواها. فليس غريبا والحالة هذه اندفاع السيد وتابعه الذليل الحزب الشيوعي، وبكل ما ملكوا من امكانات للترويج لهذه الانتخابات، وتزويق صورتها القبيحة وتعداد مناقبها وما سنيتج عنها، هذه المرة، من مكاسب لا يحلم بها المواطن العراقي، والوقوف في نفس الوقت وبصلافة ضد الداعين لمقاطعتها وتوجيه الاتهامات الرخيصة لهم ووصفهم بالعملاء او المعادين للعملية الديمقراطية في العراق، او يخدمون اجندات اقليمية او دولية. واذا كان للسيد وتياره موقف مشرف ومشهود ازاء الاحتلال عندما خاض معارك عنيفة ضد قواته العسكرية، فهذه فقدت قيمتها بعد تخليه عن السلاح ودخوله "الانتخابات التشريعية" الاولى سنة 2005 تحت عباءة المجلس الاسلامي الاعلى، ليستقل فيما بعد بتياره المعروف بالتيار الصدري ومليشيته المسلحة المسماة بجيش المهدي، سيء الصيت والسمعة، الامرالذي اضطر السيد لتحويل اسمه لاحقا الى سرايا السلام.
اما الكذبة الكبرى والاكثر مدعاة للسخرية والاستهزاء ، فهي البرنامج الانتخابي لسائرون، الذي تضمن 45 فقرة تجعل من العراق جمهورية تفوق في مثاليتها وعدالتها وحكمتها ونزاهتها جمهورية افلاطون،التي وضع التاريخ ملفها في صفحاته المنسية، وهذه الكذبة تتضمن عناوين رنانه ووعود وردية في حال الفوز بالانتخابات من قبيل، بناء عملية سياسية وطنية مستقلة، لا امريكية ولا ايرانية، وتشكيل حكومة عابرة للطائفية، اطلق عليها مرة "ابوية" ومرة "حكومة تكنوقراط " واخرى حكومة "تسبح في الفضاء الوطني"، وتنظيف العراق من الفساد والفاسدين والحرامية واحالتهم الى المحاكم العادلة!!! لكن سرعان ما وضع السيد هذه الادعاءات والوعود تحت قدميه، واقام بعد فوز قائمته في الانتخابات تحالفا من اجل تشكيل الحكومة مع كتلة هادي العامري، الذي يعتبر رمز الطائفية في العراق، ورجل ايران المعتمد الداعي الى اقامة عراق على غرار ايران يؤمن بولاية الفقيه. وكان السيد قد اقام قبلها تحالفا اخرا مع رمز الفساد والمفسدين الاول في العراق عمار الحكيم، الذي اطلق عليه العراقيون بالصوت والصورة لقب زعيم النشالة، ومع عراب الاحتلال اياد علاوي الذي تباهى بالصوت والصورة، وفي عدة مناسبات، بانه ليس عميلا لامريكا وحدها، وانما هو عميل الى 15 جهاز مخابرات في العالم، وهذا يعني بكل تاكيد بان السيد سيكون عضوا فعالا في الحكومة القادمة التي سيقودها السفير الامريكي في بغداد والجنرال الايراني قاسم سليماني. بالتالي تصبح كل ادعاءات السيد واتباعه سائرون حول تحقيق الاصلاح ومحاربة الفساد وبناء عملية سياسية وطنية او ابوية، لا ايرانية ولا امريكية، ضربا من الدجل والنفاق.
دعونا من اكاذيب مقتدى الصدر وسائرون، لنعود الى عموم الناس الذين خدعوا بمقتدى والشيوعيين والعلمانيين والمدنيين ونتبين الخيط الابيض من الخيط الاسود من هذه الانتخابات والعملية السياسية برمتها، وكيف جرى توظيفها في خدمة مشروع الاحتلال وتكريسه لعقود طويلة من الزمن، وكيف ان هذه العملية السياسية لا يمكن اصلاحها من داخلها حتى لو فاز السيد بكل مقاعد البرلمان البالغ عددها 329.
اصل الحكاية التي جرى سردها من قبلنا منذ الانتخابات الاولى ولحد يومنا الحاضر، وبمناسبات مختلفة، لابد من التذكيربها، خاصة وان هناك محاولات تجري للتغطية على فضائح هذه الانتخابات وحجم التزوير الذي فاق نسبة سبعين في المئة، وحرق صناديق الاقتراع على امل تمريرها مرة اخرى كما كانوا يفعلون في السابق. هذه الحكاية تتمحور حول العملية السياسية وعلى الانتخابات باعتبارها ركنا مهما من اركان العملية السياسية التي صممها المحتل بطريقة لا يمكن اصلاحها من داخلها، لا عبر الانتخابات ولا بصعود شخصيات وطنية او نزيهة او كفوءة ولا بصعود احزاب تسعى لخدمة الوطن واهله. فنظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذي يمتد من راس الهرم الى قاعدته لا يمكن المساس به عبر الوسائل الديمقراطية ولا عبر البرلمان ولا غيره. فهذا النظام المقيت قد جرت حمايته من قبل الدستور بطرق ملتوية، ناهيك عن الفساد المالي والاداري الذي نتج عنه حيتان كبيرة مسلحة بمليشيات عديدة مهمتها الرئيسية حماية هذه العملية المقيتة. بالمقابل وهذا هو الاهم، فان امريكا على وجه الخصوص، التي لم تزل تحتل البلاد، هي الاكثر حرصا على بقاء هذه العملية السياسية بسبب فشلها في حكم البلاد عسكريا على يد الجنرال جي كارنر، وفشلها في حكمها مدنيا على يد السفير بول بريمر.
هذه العملية المفبركة، انطلقت مع بداية الاستفتاء على "الدستور الدائم" في 15/10 من سنة 2005، وتوضحت ابعادها بصورة جلية بعد "الانتخابات التشريعية"، التي جرت بعد شهرين بالتمام والكمال في 15/12 من نفس السنة، لتشكيل مؤسسات حكم اسموها بالدائمة. وقد اختزلت هذه العملية السياسية والنظام الديمقراطي بالانتخابات لما لهذه الكلمة من تاثير سحري على الناس جراء حرمانهم منها لعقود طويلة من الزمن، في حين تعتبر الانتخابات واحدة من اركان النظام الديمقراطي في اي بلد في العالم وليست النظام الديمقراطي كله.
ولكي يبقى سلاح الانتخابات ساري المفعول، وينتج عنه حكومات على مقاييس المحتل، وعملية سياسية طائفية، وضع لها الحاكم المدني للعراق بول بريمر قانونا لايزال معمولا به لحد الان، ينص على توزيع جميع المقاعد في البرلمان على الكيانات السياسية من خلال نظام للتمثيل النسبي، ونظام الدوائر على عدد المحافظات، وتوزيع المناصب على اسس طائفية وعرقية، وهذه الاسس الطائفية والعرقية محمية من قبل العديد من مواد الدستور التي لا مجال لشرحها هنا، ولا تغير من هذه الحقيقة التعديلات البائسة التي جرى اقرارها على هذا القانون في فترات متباعدة.
بالمقابل فما يشاع عن حكومة وطنية عمادها التكنوقراط، وتضم شخصيات مهنية متخصصة تساعد على خروج العراق من ظروفه الصعبة التي يمر بها حاليا، ليست سوى كذبة كبيرة لتمريرها بين الناس، وكسب التاييد لها ،فحكومة التكنوقراط الموعودة ليست وصفة سحرية، يكون التكنوقراطي فيها وطني ونزيه وشريف، والاهم من ذلك، قادر على اصلاح ما افسده الاحتلال وحكوماته المتعاقبة، فمجلس الحكم الذي كان مكونا من 25 عضو، والحكومات المتعاقبة الاخرى فيها من خير التكنوقراط الكثير، ومع ذلك وصفها شعبنا في جميع انتفاضاته المباركة بانها حكومات كاذبة وحرامية، فحكومة نوري المالكي وصفت باهزوجة تقول، "المالكي ونوابه حرامية وكذابة"، ووصفت العبادي وحكومته باهزوجة تقول "باسم الدين باكونا الحرامية". وليس في هذه الاتهامات اي تجن على احد منهم، بل على العكس من ذلك تماما، فهؤلاء استباحوا جميع المحرمات وارتكبوا كبائر الذنوب، كالقتل والتهجير وسرقة قوت الشعب والخيانة الوطنية العظمى، والقائمة بهذا الخصوص طويلة ومؤلمة.
دعونا نسترسل اكثر، فمن اهم شروط الاصلاح وجود دولة مدنية، او شبه مدنية، او على الاقل دولة تتوفر بها مؤسسات واجهزة امنية تحفظ امن المواطن وتحميه من التسلط السياسي والقهر الاجتماعي، وجيش قوي يحمي الحدود من الاعتداءات الخارجية ولا يسمح للقوى الاقليمية بالتدخل في شؤونه، اضافة الى الفصل بين الدين والدولة. وهذه الاسس لا وجود لواحدة منها على الاطلاق له علاقة بما يسمى بالدولة العراقية لتفسح المجال
امام الحكومة المنتظرة لانجاح "مشروعها الاصلاحي". فدولتنا العتيدة، دولة تحكمها المليشيات المسلحة، والمحاصصة الطائفية والعرقية، وفساد القضاء، وغياب القانون ودستور ملغوم يحمي كل هذه المصائب ولا يمكن الغاؤه او تعديله، او حتى المساس بمادة واحدة من مواده.
بمعنى اخر اكثر وضوحا، اذا لم يتم القضاء على السبب فلا امل في القضاء على نتائجه، فالتدهور الذي حصل في كل مرافق الحياة كان سببه الاحتلال وحكوماته المتعاقبة، واذا لم يتم القضاء على هذا السبب، فانه لا يمكن انهاء معاناة العراقيين في كل مجالات الحياة. واذا حدث تغيير فانه لن يتعدى بعض الاصلاحات الترقيعية، والتي هي اشبه بالمسكنات التي تخفف عن المريض الامه ولا تقضي عليها.
نعيد القول، ولا نمل من التكرار، ان الطريق الوحيد لاستعادة استقلال العراق وسيادته الوطنية، وتحقيق طموحات الشعب العراقي بالحرية والتقدم الاجتماعي والعيش الكريم، هو اسقاط العملية السياسية برمتها، واقامة حكومة وطنية مخلصة ونزيهة وكفوءة، وكل ذلك لن يتم الا من خلال العودة الى الانتفاضة الشعبية، واستخدام الحق المشروع في اللجوء الى كافة الوسائل السلمية والكفاحية، بما فيها حق الدفاع عن نفسها بقوة السلاح، واي مراهنة اخرى من قبيل اصلاح العملية السياسية من داخلها، او من خلال انتخابات جديدة، او عبر مظاهرات مطلبية او ممارسة ضغوط اقليمية، او تدويل القضية العراقية كما يروج البعض، مراهنة لا تستند الى دليل او منطق.
عوني القلمجي
9/6/2008

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2765 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع