د.وليد الراوي
كثيرا ما يوصف اليهود بالغدر وعدم الوفاء ولكن هذا الحال اصبح يلازم الكثير من اتباع الاديان السماوية الاخرى بل اصبح احد اهم سمات الجنس البشري في العصر الحاضر , لكن استوقفتني قصة حدثت في عام 2000 رواها لي احد ضباط الجيش العراقي الاصيل من الذين اسروا في حرب تشرين عام 1973 على الجبهة السورية" الجولان" هذه القصة تدل على مدى وفاء رجل يهودي وعمق تاثير البيئة والاخلاق العراقية فيه رغم طول السنين منذ ان اجبر على الهجرة من العراق بعد عام 1948 .
في صباح يوم من ايام شهر مايس عام 2000, اتصل بي الدكتور محمد مهدي الراوي وزير التجارة العراقية , هذا الرجل النزيه المحترم الذي خدم العراق بكل ما اوتي من جهد وعلم وكان من ثمرات ابداعه البطاقة التموينية والذي كوفئ في العراق "الديمقراطي" حيث امضى تسع سنوات في السجن من دون تهمة واطلق سراحه مؤخرا " اتمنى له الشفاء والعافية".
اتصل بي طالبا مساعدة احد اقاربه المعوق الاسير المقدم المتقاعد حروش الراوي حيث كان يسكن في دار عائدة لاحد معسكرات الجيش العراق وقد طلبت منه امرية المعسكر اخلاء الدار كونه متقاعد دون الاخذ بعين الاعتبار انه معوق حرب, وبعد ساعة من الزمن اتصلت بي استعلامات الدائرة معلنة وصوله وقد قمت باستقباله في مكتبي وبعد ان شرح مشكلته طلبت منه ان يكتب طلبا معنونا الى السيد وزير الدفاع الفريق اول الركن سلطان هاشم "الرجل العراقي الشهم الشجاع الاصيل الذي لايزال قابعا في سجون الحكومة العراقية"
يشرح فية مشكلته , وبعد ان اكمل الطلب دخلت على السيد الوزير واخبرته بالموضوع , فكتب على اصل الطلب " يبقى المقدم حروش الراوي في الدار العائدة الى المعسكر استثنائا من كل الضوابط كونه اسير ومعوق حرب.
خرجت من مكتب الوزير عائدا الى مكتبي مخبرا المقدم حروش بنص امر السيد الوزير , ففرح كثير وشكرني على مساعدته, ثم سالني " عقيد وليد" انت من اية عشيرة من عشائر الراويين فاجبته انا من" بيت الشيخ رجب" فقال هل السيد احمد باشا الراوي من اقاربك , اجبته طبعا انه من اعمامي, فقال سأروي لك قصة حدثت معي اثناء الأسر في اسرائيل.
حيث قال , كنت امر رعيل دبابات في اللواء المدرع 12 على جبهة الجولان واثناء قيامنا بالهجوم المقابل اصيبت دبابتي بصاروخ "تاو اسرائيلي" وكانت النتيجة ان دمرت الدبابة
واصبت اصابة بليغة في ساقي ,تم اسري ونقلت الى مستشفى عسكري للعلاج وبعد ان استقرت حالتي الصحية, قرر الطبيب المعالج بتر ساقي نتيجة الضرر الكبير الذي اصابها, وقد اسلمت امري الى الله عز وجل, وبعد يومين زارني الطبيب المعالج في المساء مع المترجم موضحا لي قرارهم اجراء العملية غدا و بتر الساق وطلب مني توقيع الموافقة على اجراء العملية, ثم سالني عبر المترجم من اية دولة انت حيث كان معنا اسرى من مختلف الجيوش العربية التي شاركت في حرب تشرين, فاجبته انا من العراق, ثم سال من اية مدينة من العراق فاجبته من الرمادي" لم يكن قد اطلق على الرمادي اسم محافظة الانبار" فازداد انتباها ثم قال من اية مدينة من مدن الرمادي فاجبته من مدينة" راوه " وعند ذلك سالني باللغة العربية واللهجة العراقية هل تعرف احمد باشا الراوي فاجبته انه من اعمامنا ومن شيوخنا ففرح كثيرا, ثم قال سوف لن ابتر رجلك وساعمل لك عملية لعلاجها وستكون انت من اوائل الاسرى الذي سيعودون الى بلدهم وفاء لموقف احمد باشا الراوي منا, عندما كان مديرا عاما للشرطة العراقية ابان احداث مايس عام 1941 وقد قام بحماية مناطق اليهود في بغداد من السطو و" الفرهود" الذي وقع بعد هروب رجال الحكومة الى ايران.
وفعلا نفذ ما وعد به, فياترى كم من قيم واخلاق العراقيين قد اثرت بهذا الطبيب الذي ضل يحمل الجميل في ذاكرته قرابة 29 عاما, انها المدرسة العراقية في الاخلاق والقيم, المدرسة التي تمتد عروقها الى الالاف السنين, المدرسة التي علمت الانسانية المبادئ والقيم, المدرسة التي كانت لاتفرق بين المواطنين على اساس الدين و الطائفة او القومية, المدرسة التي يعمل الدخلاء الذين لا عرق لهم في هذه الارض على تخريبها وتدمير مناهجها في المحبة والمسامحة والسلام.
الدكتور وليد الراوي
999 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع