التراث الشعبي في حضارة العراق القديم

                                             

                        د.صلاح الصالحي

التراث الشعبي في حضارة العراق القديم

      

شفرة حادة من حجر الصوان استخدمت للحلاقة بكشط شعر الوجه أو الرأس في العصور الحجرية القديمة (اليمين)، شكل المقص: عثر على هذا المقص في بلاد الاناضول وهو من حيث الشكل متطور نسبيا عن مقص الحلاق في العصر البابلي والمصنوع من معدن النحاس وفيما بعد البرونز

1-دور الحلاق گلابو (ﭼـلابتين) في هروب العبيد
أطلق في وثائق دولة بابل القديمة على الرجل العبد أسم وردو (wardu) والأمة امتو (amtu) كما هو في اللغة العربية، ومصدر العبودية اما الحرب او الديون الثقيلة التي يصعب سدادها ولذلك يضطر الناس لبيع كل ما يملكون سدادا لديونهم أو رهن أطفالهم وأنفسهم لدى الدائن أو يخضعون للعبودية، وعند كتابة العبد واسمه تستخدم الرموز الكتابية بعلامة الدالة على البلاد الجبلية ربما مصدرهم من هناك، ولمنع هروب العبيد من سادتهم توضع علامة خاصة بهم وهي حلاقة نصف الرأس أو وضع الوشم في الجبهة، ويقوم بهذه المهمة الحلاق گلابو=ﭼـلابو (gallabu) (بالبغدادية ﭼـلابتين) لان وظيفة الحلاق قلع الاسنان وحلاقة الشعر ونقش الوشم على الجسم، وأطلق على الحلاق اسم الآلة التي تقلع الانسان، و يعتبر الحلاق مساعدا للطبيب ويمارس العمليات الجراحية البسيطة، والوشم علامة تبقى دائمة إلا إذا أزيلت من قبل الحلاق نفسه وبهذه الحالة يعرض نفسه لطائلة القانون (قانون حمورابي المواد 226-227)، ولا نعرف إذا كان العبيد لديهم تمردات قاموا بها أم لا؟ كما نستغرب عدم وجود حشود من العبيد كخدم في بلاطات الامراء والنبلاء مثل الرومان! وأيضا عدم تجنيدهم في الجيوش أو مشاركتهم بالحروب! مع هذا كثيرا ما يحاول العبيد الهروب كما وردت في قانون حمورابي (المادة 17) ومن يقبض على العبد الهارب في بلاد مفتوحة (بالأكدية inaşērim) فالجائزة (2) شيقل من الفضة، كذلك قانون أور-نمو (المادة 14) إعادة الأمة الهاربة جائزتها (2) شيقل من الفضة، أما في حالة الاحتفاظ بالعبد الهارب أو الأمة وتقديم المأوى لهم ولم يستجيب لصوت المنادي فصاحب البيت يعدم (قانون حمورابي المواد 16- 19)، ونتيجة لكثرة محاولات الهروب ولدت طبقة مستثمرة خاصة في المجتمع البابلي القديم متفرغة لاصطياد (عبيد الديون) وتأجيرهم للطبقات الغنية للعمل في حقول الانتاج المختلفة، وإذا تمكن العبد من الهروب فعلى صاحب العبد الهارب استئجار شخص ينادي باسم واوصاف العبد الهارب في الأزقة والشوارع، وهي طريقة معروفة وبقيت بالتداول حيث ينادي هذا الشخص عما فقده الناس من حاجات أو حيوانات أو أطفال، ومن شروط المنادي أن يكون صوته جهوري، وهو قريب الشبة بالمسحراتي في رمضان مع استخدام الطبل، وإلى عهد قريب في فترة العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي في بغداد، كانت دور العرض السينمائي تستخدم عربات تجرها الخيل وتحمل ملصقات الفلم وينادي في الشوارع على اسم الفلم ودار العرض، هذه المهنة انتهت حاليا كما انتهت العبودية أيضا، وآخر دولة منعت العبودية موريتانيا عام 1998 م.
2-الحمل عند المرأة مدته عشرة أشهر
من المعروف مدة الحمل عدة المرأة تسعة أشهر (المرأة الحامل بالأكدية (ابعلو) (abālu) أو (aritu)، وعملية الولادة سميت باسمها الحالي ولادو (walādu) أو(aladu ) والآم الولادة (hilū)، وعملية التلقيح ونشوء الحمل يقال: (ترك الإله انليل بزره في الرحم rēmu)، وعند البابليين تحسب فترة الحمل عند المرأة عشرة أشهر، ونحن لا نملك أدلة عن أي نوع من الأشهر قد استخدمت (قمري أم شمسي) في حساب حمل المرأة، واعتقد كاقتراح لتفسير مدة الحمل واحتسابه عشرة أشهر بأن التقويم مختلف عن التقويم القمري الحالي، كما وأن الطب القديم لم يكن دقيقا جدا في تحديد مدة الحمل، فالاحتمال بأن البابليين حسبوا عشرة أشهر حمل لأنهم حسبوا بداية شهر الحمل وشهر الولادة واعتبروهما شهر كامل، أما الاقتراح الآخر فحتما استعملوا الأشهر القمرية، ومن ثم مدة الحمل (40) أسبوعا = 280 يوما = 9 أشهر وبضعة أيام، كذلك استخدم البابليون الأشهر القمرية، وكانت أيام الشهر القمري عندهم (29) يوما أو (30) يوما مع إضافة أيام حتى يتساوى الشهر القمري مع الشهر الشمسي، في سلالة أور الثالثة كانت السنة ثلاثة عشر شهرا قمريا، أما الآشوريين فقد استعملوا التقويم البابلي منذ فترة حكم تجلاتبليزر الأول (1114-1076) ق.م وقد راعى الآشوريين عدم التطابق مع الأشهر البابلية فعمدوا على الأخذ بأحد الاحتمالين: أولا: أضاف الآشوريون أيام، ونحن لا نعرف ما هي الشهور التي أقحمت بسبب ندرة المعلومات. وثانيا: السنة الآشورية كانت اثني عشر شهرا قمريا مع مراعاة السنة الشمسية.
3-تلويث القدور العامة
في القرى الزراعية الأولى كانت هناك ساحة يتم استخدامها لمناسبات سكان القرية السعيدة والحزينة والدينية، واستخدام مستلزمات الطبخ الكبيرة التي هي ملك الجماعة، ولسنا متأكدين لكن من المحتمل أن نتخيل اجتماع سكان البلدة في مكان ما مثل ساحة أو فناء مخصص للمطبخ وإقامة الاحتفالات، وهكذا من حق الأسر في مناسبات خاصة استخدام المطبخ العام ومستلزمات إعداد الأكل، وفي العراق وعند بعض الأسر الميسورة أو الجوامع والحسينيات وقرب مراقد الأئمة (رض) أو عند بعض القبائل والعشائر قدور كبيرة وصواني واسعة ومغارف، توضع كوقف للاستخدام في المناسبات الدينية والزواج والعزاء وبدون مقابل مادي وعلى من يستخدمهم إعادتها وهي سليمة، ومثل هذا العمل له اجر كبير عند الله، وفي مثل هذه الحالة معروفة في اليونان حيث كان لدى الرجال مكان علني للاجتماع في كل بلدة وكأنه (نادي)، وأيضا البابليين كان عندهم مثل هذه الأماكن العمومية للاجتماع أطلق عليها بخرو(puḫru)، وكثيرا ما ذكرت في النصوص المسمارية عدم تلوث المستلزمات الطبخ العامة، ولكن ما هي طبيعة التلويث؟ يرى الباحث (Starke) بان التلويث يقصد به (التبول) في القدر!
4-الزوج يسكن في بيت اهل زوجته (كعيدي)
سكنى الزوج في بيت والد العروس (باللهجة العراقية يقال كعيدي) معروفة منذ القدم وغير مقبولة تماما في المجتمع العراقي عبر العصور، ففي الحالة المتعارف عليها ولها قبول واستحسان المجتمع أن تعيش الزوجة في (بيت زوجها) (بيت موتيشا)(bit mutiša)، وفي قانون حمورابي (المواد 148-149) إذا الزوجة سكنت في منزل زوجها، فمن حق الزوج أن يأخذ المهر بعد وفاتها (المهر بالبابلي شرقيتوم šeriktum، وعند الآشوريين شركو širku) وأيضا يأخذ هدية العروس، وبالتعبير البابلي يقال: (ša ištu bit abiša ublam) (أخذها من منزل أبيها)، وعلى ما يبدو بان مبلغ المهر كان غالبا أكبر من هدية العروس، فطالما الزوجة على قيد الحياة وتعيش مع زوجها في بيت واحد فهي تستمر بامتلاك المهر، وبموتها يأخذ الزوج الممتلكات (dai) (سوف يأخذ) محتمل وصاية الأطفال أيضا، أما في حالة سكن الزوج في بيت الزوجة (كعيدي) فلا يحق له أخذ مهرها أو هدية العرس اذا توفيت في دار ابيها فوالد العروس المتوفاة يأخذ كل شيء، يبقى السؤال لماذا يسكن الزوج في بيت والد الزوجة؟ هناك عدة تفسيرات ربما الأب لدية بنات وليس لدية ابن لذا يسعى في إقامة زوج ابنته في منزله ويعتبره بمنزلة الابن، وأيضا حالة أخرى وردت في النصوص عندما يكون والد العروس من طبقة العبيد والعريس من طبقة الاحرار فسوف يضمن الأب بان يصبح احفاده أحرارا ولا يخضعون للعبودية، حالة ثالثة وردت في النصوص هي السعي للحفاظ على ارث العائلة بيد الاب وابنته واحفاده من بعده.
5-خلط البذور مع بذور أخرى
يعتقد الباحثون هناك بعض الطقوس القديمة التي تمنع خلط البذور عند الزراعة الأرض، لأن البذرة تعتبر جسم الإله في اغلب الأحيان، وعندما تخلط البذور فأنه يوحي بخلط النكاح، وينطبق هذا على اغلب البذور وخاصة تلك التي تشمل بذره ذات فلقتين متشابهتين يعتبران أخ وأخت وخلطهما مع بذور أخرى معناها خلط الاضطجاع، وبذلك فهي حالة مرفوضة، وبالتالي فهو نكاح محرم، وفي اللهجة العراقية تلفظ كلمة البذور بتحوير بسيط إلى (بزر) وهي تعني عندنا (أطفال)، وابعد من ذلك يطلق على ماء الرجل (النطف) بزر وتعني أيضا (بذور النباتات)، ولهذا تستعمل الكلمة بشكل واسع حتى في عبارات السب والشتائم تلفظها النسوة في المناطق الشعبية كثيرا، ولأجل نجاح الموسم الزراعي من الضروري أن يظل الإله في مزاج مناسب ليحمي الأشجار المثمرة والحقول ويضمن خصوبتهم، ولذلك يخصص الفلاح جزء من أول انتاج الأرض قربان للإله، وهذه الطريقة معروفه عند العبريين ووردت في التوراة بأن أول أنتاج زراعي من الكروم وأشجار الفاكهة محجوزة كقربان (سفر التثنية: 20:6) فهي مقدسة عند الإله (يهوه)، وحتى في تراثنا الشعبي العراقي نجد صدى لهذه الفكرة في التراث العراقي القديم عندما تتناول العائلة فاكهة أو خضار في أول أنتاج لها ووجوده على مائدتهم يقرؤون سورة الفاتحة على أحد موتاهم هادفين الشكر الله أولا وتذكر آبائهم المتوفين، وأيضا أول طفل يولد للعائلة يفضل أن يحمل اسم أحد الآباء المتوفين أو تيمنا باسم الرسول أو الأئمة (رض).
6-الزوجة الزانية (أبو قرون)
نصت القوانين العراقية القديمة بمعاقبة الزوجة الخائنة بالموت، ولا يعاقب الزوج الخائن بالموت! لان من وضع القوانين العراقية القديمة هو الرجل! وفي حالة القاء القبض على الزوجة الخائنة ومعها عشيقها من حق الزوج ان يأمر بقتل زوجته والملك يأمر بقتل العشيق، ولكن إذا قال الزوج لا تقتلوا زوجتي، وعفى عنها فان العفو يشمل العشيق الزاني، كما وردت في القوانين العراقية القديمة بان على الزوج الذي عفى عن زوجته الزانية (SAG-DU-SÚ wa-aš-ši-e-ez-zi) ترجمتها يضع(علامة على رأسه)، وفي ترجمة أخرى (يغطي رأسه)، ربما يضع شيء ما على رأسه في حالة العفو عن زوجته الزانية، كما هو معروف في تراثنا الشعبي العراقي، وربما في العالم العربي عند وصف الزوج الذي تمارس زوجته الزنا، آو سكوته عن تصرفات زوجته الشائنة المعروفة بسوء سلوكها عند الناس بأنه (أبو قرون)، وعلى ما يبدو أنها ترمز إلى شيء ما كان يوضع على الرأس حتى يعرف الناس شخصية الزوج وزوجته، وبذلك يتجنبون مصاهرة أبنائه وبناته .

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1587 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع