اضافة الى عرض كتاب اغلاق عقل المسلم

                                             

                          د. مؤيد عبد الستار

اطلعت على العرض الجاد و الوافي لكتاب اغلاق عقل المسلم للكاتب الامريكي روبرت رايلي ، الذي قدمه مشكورا الدكتور عبد الخالق حسين.

ولما لهذا الموضوع من اهمية واثر بعيد في الوضع الاجتماعي والعقائدي للمجتمعات الشرقية عامة والاسلامية خاصة ، لا يمكن لمن يطلع على المعروض منه النأي بنفسه عن الادلاء برأي لما يدور في خلده ، وقد رغبت في التعليق على مقال الدكتور عبد الخالق الا اني وجدت التعليق العابر لايفي بالغرض ، لذلك اود اعتبار هذا المقال ملاحظات اضافية على عرض الكتاب وليس اجتهادا في موضوعه .

اهم القضايا التي بنى عليها الكتاب اسباب اغلاق عقل المسلم ، هو اعتماد المفسرين على ما جاء به السلف من تفسير للنصوص ، واحكام فقهية ، والاخطر هو ما جاء به الغزالي من ان التفلسف في الدين محرم ، وان الوحي فوق العقل ، ويجب تعطيل العقل في مواجهة الدين ، لان اعمال العقل يوصل الى الكفر ، لذلك كتب الغزالي كتابه تهافت الفلسفة ، واطلق ابن تيمية قاعدته الذهبية : من تمنطق تزندق . في الوقت الذي يستدل فيه رجال الدين على وجود الله بالادلة العقلية ، كأن يجعلوا الخالق علة العلل ، وان لكل مخلوق خالق ، و البعرة تدل على البعير .. وكل تلك الامثلة تمتح من الادلة العقلية المحسوسة ، والتي يستدلون بها على واجب الوجود .. سبحانه وتعالى . ولكن حين تحتاج تصديق العقل في تفسير ما يطرحون من اراء ، يستنكرون ذلك ويطلبون تعطيل العقل ، لان اعمال العقل يوصل الى الكفر .

الحقيقة ان غلق باب الاجتهاد اصاب الفقهاء والمسملين بجمود فكري اطاح بطموح العلماء في التوصل الى الايمان الاسمى ، في الوقت الذي استطاع فيه الجهلاء من الفقهاء والمفسرين تحقيق اقصى غايات المنفعة بكافة اشكالها ، من خلال التحالف مع السلطة ، في تجهيل الناس واغراقهم في الخرافة ولعبة القضاء والقدر وان الانسان مسير وليس مخيرا

في اعماله وقد كتب الله مصيره على جبينه ، وعلى الاخص في رزقه ، وهو دافع اقتصادي واضح ، يجعل الانسان خاضعا للحاكم والقاضي ورجل الدين ، الذين تعاونوا على خنقه بهذه الشرنقة الفكرية كي لا يثور على واقعه المزري ، عكس ما اراد ابو ذر الغفاري في قوله : عجبت لمن لا يجد قوت يومه ، كيف لا يخرج على الناس شاهرا سيفه .

ان غلق باب الاجتهاد والاقتصار على اجتهاد السلف الصالح ليس السبب الوحيد الذي ادى الى غلق عقل المسلم ، فاذا قارنا ذلك بالمذهب الشيعي الذي اتاح الاجتهاد في تفسير الاحكام نجد انه لم يساهم في اختلاف كبير بين اتباعه واتباع المذاهب التي منعت الاجتهاد ، فعموم المسلمين في جميع اصقاع المعمورة يعانون من الجمود الفكري الذي لم يسمح لهم بمواكبة التطور العلمي او الاجتماعي الذي عم العديد من البلدان والمجتمعات منذ عصر النهضة الاوربية ، رغم محاولات اوربا استنهاض همم بعض شعوب الشرق ، في مصر على سبيل المثال ابان حملة نابليون ، والاحتلال البريطاني للعراق اوائل القرن الماضي ، الا ان التخلف ظل مخيما والعقول ظلت مغلقة .

كما لم تساهم الثروة النفطية التي هبطت على شعوب المنطقة في تغيير واقعها تغييرا جذريا مثلما حدث في ماليزيا وكوريا واليابان على سبيل المثال . لقد ظلت الشعوب العربية محكومة بتقاليد تعود لقرون خلت ، واصعب ما تمسكت به هو عزل المرأة عن المجتمع وسجنها في البيت والحجاب وفرض الجهل عليها بتحريم تعليمها وعدم السماح لها بالعمل ، بينما نجت من ذلك المرأة في المجتمعات الزراعية ، التي ظلت تُـستغل في الفلاحة والزراعة ولكن دون السماح لها بالتمتع بامتيازات العمل ، استخدمت كالعبيد و الاقنان .

الامر الاهم الذي ساهم في جمود العقل الاسلامي هو متاهة اللغة المستخدمة ، فاللغة العربية بنحوها وصرفها وشعرها استنزفت المجهود الفكري العربي – الذي اصبح حجر الزاوية في العقل الاسلامي – واصبحت اللغة العربية غاية وليست وسيلة ، كما اصبحت مقدسة على اساس انها لغة القران الكريم ، لذلك اصبحت عصية على التطور ، فتجمدت بقوالبها القديمة وساهمت في تجميد العقل العربي ايضا ، اضافة الى نقل التراث العربي البدوي الى المجتمعات المفتوحة ، وقصر الثقافة المسموح بها على الدراسات الاسلامية والفقهية ومنع العلماء من ممارسة علومهم بدعوى مخالفتها للشريعة الاسلامية مثل تحريم التشريح ، فعلى سبيل المثال انحسر علم الطب الذي كان مزدهرا في القرن الثالث الهجري ،

والذي اعتمد على مجموعة من علماء الامصار مثل حنين الكلداني وولده اسحاق وحيد عصره في الطب والترجمة عن اليونانية ، وابن سينا المولود في بخارى و توفي في همدان في القرن الخامس الهجري، كما انحسر علم الفلك الذي كان مزدهرا في الهند وفارس ومن اعلامه البيروني وعمر الخيام واقتصر دوره على تحديد اوقات الاذان والصيام والاعياد والتنجيم ، وغير ذلك من علوم كبلها فقهاء الظلام كي لا يحصل المسلم على فرصة المعرفة فيتمرد على خزعبلاتهم التي نراها اليوم على شاشات التلفاز في مختلف الفتاوي المضحكة المبكية .

اما الفلسفة التي كانت ركيزة العلوم ومن جلبابها تخرج العديد من العلماء حتى في الغناء والموسيقى مثل الكندي والفارابي ، فقد اصبحت سـبة يخشى العلماء التلبس بشبهتها ، مما اضطر الاديب و المفكر اللامع ابن المقفع الى تأليف كتابه الفلسفي كليلة ودمنة على لسان الحيوانات ونـسبه الى فيلسوف هندي يدعى بيدبا . كذلك فعل اخوان الصفا وخلان الوفا ، نشروا مؤلفاتهم وانتظموا في منظمة سرية خوف التكفير والقتل على الشبهة .

اضف الى ذلك الفنون الجميلة ، اغتالوا الموسيقى والغناء والرسم والنحت بحجج واهية ، فهي تلهي القلوب عن ذكر الله ، وكأن الله لم يخلق البلبل الغريـد و الالوان الجميلة و الاجسام الرائعة .

يثير عرض الدكتور عبد الخالق حسين لهذا الكتاب الكثير من الافكار التي تحفز على البحث عن عوامل واسباب انغلاق العقل الاسلامي ونطمح الى ان يدلو علماء وكتاب التنوير بدلوهم في توسيع دائرة البحث والنقاش حول الموضوع عسى ان يخطو العقل الاسلامي خطوة الى امام ويتجاوز فقهاء الظلام ورموز الجهل الذين يطبقون على وسائل الاعلام ومفاتيح السياسة ودور النشر والثقافة في العالم العربي .

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

830 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع