د.سعد ناجي جواد
حول بيان المرجعية الدينية في النجف الأشرف بشأن الانتخابات العراقية
كعادتها التي اتبعتها المرجعية منذ بداية الاحتلال، أصدرت المرجعية الدينية رأيا تلاه ممثلها في مدينة كربلاء المقدسة في خطبة الجمعة. وهذه المرة بشأن الانتخابات القادمة في العراق. وكالعادة ايضا اختلفت الاّراء حول هذا الرأي والموقف. فهناك من مجّدٓ هذا الموقف واعتبره نموذجيا، وهناك من اعتبره، على الرغم من إيجابياته، لا ينسجم مع ما يجري على ارض الواقع. لا بل ان البعض اعتبره موجها الى شريحة معينة ولا علاقة بالمكونات الاخرى به. وفِي الحقيقة ان يصدر مثل هذا البيان من مرجعية يكن لها عدد غير قليل من العراقيين الاحترام والتقدير هو امر إيجابي. ولكن ومن اجل البناء على هذه الإيجابية ، ومن اجل مصلحة ومستقبل العراق الحبيب يجب مناقشة هذا الامر بموضوعية. وأتمنى ان تتسع الصدور لما ساقول.
ابتداءا لابد من القول ان على المرجعية ايضا تقع بعض المسؤولية عما وصلت البلاد اليه منذ 2003، فهي اولا سكتت عن الاحتلال ولم تصدر فتوى بمقاومته، كما فعلت المرجعبة قبل وأثناء ثورة 1920، و معها كل المراجع الكبار في الكاظمية وسامراء وبعقوبة. وهي ايضا استقبلت، ان لم نقل رعت بصورة مباشرة وغير مباشرة، أعدادا كبيرة من (السياسين) الذين أتوا مع الاحتلال. ولم تتوقف عن استقبالهم الا في وقت متاخر، وبعد ان اصبحتَ رائحة فساد وطائفية وعنصرية هؤلاء القادمون تزكم الأنوف. لا بل ظهر علينا من قال انتخبوا فلان لانه (ابن المرجعية) او من ادعى ان اخر قد استوزر لانه ابن ممثل المرجعية في احدى المحافظات. كما انها بَارَكْت الدستور الجديد، السيء والمًُقٓسِم للعراق، بعد ان كان في مقدورها ان تدفع باتجاه كتابة دستور أفضل وبيد العراقيين. فالكل يعلم كيف ان سيء الصيت بول بريمر، والذي كان مصمما على اعلان الدستور وبدون الرجوع للعراقيين، كيف انه ارتعب عندما أعلنت المرجعية بان الدستور الجديد يجب ان يكتب من قبل العراقيين فقط، واضطر الى ان يشكل وبسرعة لجنة من ( العراقيين) لكي يقول ان العراقيون هم من كتب الدستور. ولم تستمر المرجعية بمتابعة هذا الامر وتعديل مساره. وعندما خرج الدستور بصيغته السيئة لم تدعُ الى رفضه. كما ان المرجعية سكتت عن استخدام رموزها في الانتخابات الاولى بالتحديد، بل وحتى الثانية. وانها سكتت عن من رٓوّجٓ لأقوال مفادها ان (الشخص الذي لا يٓنتٓخِب تعتبر زوجته طالق)، الى غير ذلك من ( الفتاوى) التي ابتدعها الفاسدون والسيئون والذين ادعوا انها صادرة عن المرجعية.
وبالعودة الى البيان يجب ان نقول ابتداءا انه احتوى على نقاط إيجابية عديدة، وإثنتان بالتحديد تكتسبان أهمية عالية. الاولى هي ان البيان لم يحث المواطنين على المشاركة في الانتخابات، بل ترك ذلك لتقديرهم. والثانية، وهي الأهم، انه طالب بضرورة الاطلاع على المسيرة العملية للمرشحين ورؤساء القوائم، لاسيما من كان منهم في مواقع المسوولية في الدورات السابقة من الفاشلين و والفاسدين والمخادعين. كما أوضح بأن المرجعية تقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين والقوائم المشاركة. وعلى ضرورة ان يتم التنافس وفق برامج اقتصادية وتعليمية وخدمية واضحة وقابلة للتنفيذ. كما أعاد البيان تكرار عبارة المُجٓرٓب لا يجرب ولو بصورة غير مباشرة. وبصورة غير مباشرة ايضا انتقد قانون الانتخاب المعمول به حيث قال انه لا يقود الى النتائج المرجوة اذ يفترض فيه ان يكون عادلا و يرعى حرمة أصوات الناخبين ولا يسمح بالالتفاف عليها. وهذه كلها أمور جيدة و مطلوبة. وتختلف عن مواقف سابقة او بالأحرى سكوت سابق عن ما كان يجري. ولكن تبقى الملاحظات الاساسية على البيان واردة. فاولا جاء البيان والراي متاخرا بل ومتأخرا جدا، و ثانيا انه كان عاماً في اكثر جوانبه. فالكثير من الملاحظات التي وردت في البيان كان يجب ان تذكر قبل اول انتخابات او قبل التي تلتها. فالاعتراض على مسالة عدم الاعتماد على الدعم الخارجي كان يجب ان يصدر منذ ان تم الإعلان عن موعد الانتخابات الجديد، بل وحتى قبله. لقد وصل الامر ببعض ممثلي بعض القوائم ان يتحدثوا علنا عن مبالغ استلموها من الخارج لدعم حملتهم الانتخابية. والكل يعلم كيف ان غالبية المرشحين ( يحجون) الى عواصم مجاورة لكي تدعم ترشيحهم. وان هذه العواصم أعلنت صراحة دعمها لمرشحين معينين، وفِي الغالب فاسدين وطائفيين، وكذلك الامر في الحديث عن الابتعاد عن الشخصنة والشحن القومي والطائفي، حيث كان يجب التاكيد عليه منذ اول انتخابات عامة في 2005، هذا الشحن الذي مزق المجتمع العراقي وترك فيه اثارا سلبية كبيرة لا تزال نتائجها وممارساتها مستمرة لحد الان. ثم ان صيغة التعميم افقدت البيان بعض من أهميته، بدليل ان كل روؤساء القوائم، وهم جميعا متهمون بكل هذه السلبيات او بعض منها، سارعوا وبسرعة فائقة الى اعلان تأييدهم المطلق لهذا الموقف، وكانهم يقولون للناخبين بأنهم غير مشمولين بهذه السلبيات والملاحظات، والكل يعلم انهم هم المقصودون بها بصورة مباشرة لفسادهم وإثرائهم من السحت الحرام، او بتقاضيهم رواتب عالية جدا، او باعتمادهم على الشحن القومي والطائفي، هذا الشحن المستمر لحد هذه اللحظة.
ان خطورة الوضع العراقي تستوجب، بالاضافة الى التشخيص الدقيق ان يتم تسمية الأشياء بمسمياتها، وكذلك الأشخاص والقوائم التي اعتمدت ولا تزال تعتمد الشحن القومي والطائفي، وتتستر على الفاسدين بل وتحميهم. نعم يبقى الأمل قائما عن طريق تضافر جهود الغيارى، كما ورد في البيان، ولكن وبعد ان تم شراء الأصوات وسرقة إعداد كبيرة من البطاقات الانتخابية، واستغلال معاناة النازحين، والضحك على البسطاء من الناس، هل تنفع هذه النصائح؟ وهل سيستطيع الغيارى ان يفعلوا شيئا ولم يبق على موعد اجراء الانتخابات الا اياما قليلة؟ ومع وجود مفوضية للانتخابات غير مستقلة وغير محايدة؟ وفِي ظل الإمكانيات المادية الهائلة للفاسدين؟ و بدعم من وتدخل سافر لأطراف خارجية كثيرة يهمها ان يبقى العراق ممزقا وضعيفا؟ ان جميع الموشرات والدلائل تشير الى ان القوائم والوجوه (المُجٓرٓبٓة والفاشلة) نفسها، او في غالبيتها العظمى، ستعود لتصدر المشهد السياسي مرة ثانية، والسؤال هو اذا ما حصل ذلك وعاد المُجٓرٓبون الفاسدون والطائفيون والعنصريون والفاشلون الى الحكم ثانية هل ستقف المرجعية موقفا حازما منهم هذه المرة وتقول بأنها لن تسمح لهذه الوجوه بتشكيل الحكومة الجديدة ؟ او هل ستدفع باتجاه ان يأخذ القانون والقضاء العادل مجراه في محاسبة الفاسدين من اجل استرداد ما نهبوه طوال الخمس عشرة عاما السابقة؟ هذا ما هو مطلوب وهذا هو الامتحان الحقيقي لموقف المرجعية الدينية في النجف الأشرف بالذات، وكل المرجعيات الاخرى، دينية كانت ام علمانية.
2242 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع