نشبت في الاونة الاخيرة خلافات حادة حول غلق عدد من النوادي الاجتماعية ببغداد ومنها نادي اتحاد الادباء ، وسط اتهامات بالاعتداء على روادها ،
في حين اعلن احد المسؤولين الالتزام بالقانون وغلق النوادي دون اعتداء، وبين هذا وذاك لابد ان نجد من يصطاد في المياه العكرة ليؤلب ويزيد النار اشتعالا ، فالظاهر ان حرارة الطقس والغبار وانقطاع الكهرباء لا تشفي غليل الحاقدين على المواطن العراقي الذي يعاني ما لايطاق بسبب الضغوط العديدة التي تصب نيرانها فوق رأسه ليل نهار ، فلا يتمكن من العثور على مكان ( يفش فيه خلقه – كما يقول السوري ) . حتى النوادي الاجتماعية اصبحت متهمة بانها خمارات وملاهي خارجة عن تقاليد المجتمع .
ليس مستغربا ان تفتح العديد من الاماكن ابوابها تحت لافتة النوادي الاجتماعية او الفنادق او المطاعم لتصبح فيما بعد اماكن لهو سرية تبيع المتعة وتتعامل مع السوق السوداء من مخدرات ومشروبات كحولية وتجارة الجسد. ولكن مثل هذه الاماكن المشبوهة يجب ان تجد لها علاجا ضمن القانون والتفتيش الدوري من قبل دوائر السياحة والبلدية وامانة بغداد لكي تقيد بتعليمات وقوانين تضمن عدم خروجها عن اطار القانون والتقاليد واحالة القائمين عليها الى القضاء ليحسم امر معاقبتهم لا ارسال كتائب الشرطة العسكرية لمعالجة هذه الظاهرة ان وجدت .
كما لاينبغي اتخاذ مثل تلك الاماكن ذريعة للهجوم على النوادي والتجمعات الثقافية والاجتماعية وحرق الاخضر واليابس دون تمييز ، وكلنا نعرف انه يصعب على الشرطة العسكرية التعامل اللائق مع مثل هذه الحالات لعدم حصولها على تدريب خاص وانما ستتعامل معها كأي عملية عسكرية .
اضافة الى ذلك لاحظنا تدخل هيئات ورجال دين في توجيه الحكومة الى منع تناول الخمور ومنع دخول السافرات الى بعض الاماكن المقدسة ، وتوسيع المنع ليشمل المدن ، ان هذا التدخل سيؤدي الى شل الحكومة التي تدير شؤون المدينة الدنيونية لتحولها الى مؤسسة دينية تضع الحدود الشرعية هنا وهناك مما سيفتح الباب امام اجتهادات دينية مختلفة لشتى المذاهب والاديان التي يتألف منها المجتمع العراقي ، وفي ذلك خطر كبير على اسلوب ادارة الدولة التي ستصبح شيئا فشيئا قالب حلال وحرام مثلما اصبحت بكين القديمة في زمن الامبراطورية الصينية مدينة محرمة لايدخلها العامة .
السويد / النوادي ومحلات الخمور
تعد السويد من بين البلدان التي تتشدد في منح اجازات فتح النوادي التي يسمح فيها تناول الخمور ، لان اي ناد ثقافي او اجتماعي غير تجاري ( اي ليس حانة لبيع الخمور او مطعما مرخصا له بيع الخمور ) لايحق له بيع الخمور ، وانما يحق له التعامل مع ما يباع في الاسواق العامة من انواع المشروبات ، طبعا من ضمنها الجعة الخفيفة ، وليس الشراب والكحول .
ولا يحق لاحد فتح محل لبيع الخمور وانما تباع بمحلات تحت اشراف الدولة ، ولا يحق لها ان تبيع الكحول الا لمن بلغ عمره 21 سنة .
لذلك تجد النوادي الاجتماعية والثقافية لا تتعاطى بيع الخمور والسكائر وغير ذلك ، وانما الحانات التجارية التي تفتح باجازات خاصة وبشروط مشددة .
هذا مع التوعية المستمرة بخطر شرب الكحول ، ووجود الجمعيات والمراكز التي تعالج الادمان ، وبيان اضرار الكحول في برامج ثقافية وطبية ، ووجود برامج خاصة في المدارس تشرح اضرار استخدام الكحول والتدخين على الصحة العامة .
بغداد عاصمة الحلال والحرام
مذ وجدت بغداد وجد فيها الحلال والحرام ، ولا يمكن جعلها مدينة يوتوبيا خالية من المحرمات ، كذلك حال المدن والعواصم في العالم ، ويجب على الدولة التعامل مع هذه الطبيعة الدنيوية وفق احدث برامج ونظم ادارة المدن والمجتمعات بما لا يحدث خللا في الحياة العامة ولا تغليب التشدد الديني او البيوريتاني – الطهوري – على الحياة العامة التي لا تسير وفق ارادة الخير فقط ، مما يستوجب وضع هامش مقبول للمخالف من العادات والاخلاق والتقاليد ، لذلك تسمح المجتمعات المتقدمة باخذ الفئات الشاذة والمختلفة وغير الطبيعية مكانها في المجتمع مع تقديم التسهيلات لها لتعيش حياة كريمة و لا تسلب حقها في الوجود .
خلاصة
ان التشديد على المواطنين وملاحقتهم في اوقات الترفيه واللهو سوف يخلق مجتمعا متشددا ينوء بممارسة اللهو والتمتع بالمحرمات سرا ، وستكون عاقبة ذلك على المجتمع وخيمة فيصبح مزدوج السلوك ، يتظاهر بالطهر علنا ، ويمارس الرذيلة سرا ، وستنتشر الرذيلة اضعاف حجمها ان كان المجمتع مغلقا ، عكس ذلك سوف تتقلص ان كان المجتمع مفتوحا فيه هامش التعبير وممارسة اللهو في الاماكن المخصصة والمسموح بها تحت سمع وابصار المجتمع لا تحت الارض وبصمت لا احد يستطيع معرفة ما يدور داخله ، فضوء النهار هو العامل الذي يقلص دور اللصوص ، والظلام يسمح لهم بحرية مضاعفة ، لذلك تحرص المجتمعات على منح اللهو فسحة تحت ضوء الشمس لكي لا يتمدد دون علم رعاة المجتمع ودعاة الاصلاح .
916 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع