بقلم / المهندس احمد فخري
الحياة في حقول البترول /الحلقة الرابعة عشرة زيارة متدربين
في صبيحة أحد الايام اتصل بي مديري عزيز الجبوري وطلب مني الذهاب الى مكتبه. وعندما وصلت مكتبه قال،
- هناك وفد من ثلاث متدربين جدد سيحضرون الى الحقل. سيكون واحد منهم من نصيبك.
- ماذا تقصد؟
- أحدهم سوف يأتي الى عندك كي تقوم بتدريبه على حواسيب الـ RTU.
- وكم شهراً سيدوم هذا التدريب؟
- لا، لا انهم سيمكثون اسبوعاً واحداً فقط.
- وكيف تريدهم أن يستوعبوا كل عملنا خلال هذه الفترة القصيرة؟ الا تعتقد أن اسبوعاً واحداً لا يكفي؟
- لا يا احمد، عليك أن تدربهم هؤلاء فحسب فهم مواطنو دولة الامارات.
- حسناً. ساقوم بالمهمة كما امرت. ولكن متى سوف يصلون؟
- يوم الاثنين القادم.
خرجت من مكتبه وانا اضرب اخماساً باسداس. ما نوع الدورة التي يجب علي اعدادها؟ وكم ساعة يجب أن أصرف معهم؟ وهل ستؤثر مهمة التدريب هذه على عملي اليومي؟
كل هذه التساؤلات بقيت تحوم حول رأسي كذباب الصيف وقت الفجر. هل سانجح بالمهمة؟ هل سيقوموا بكتابة تقرير عن ادائي؟ اعتقد اني ساترك الموضوع الآن حتى يحضروا وسنرى كيف ستسير الامور.
بيوم الاثنين المعهود وصل ثلاثة شبان تتراوح اعمارهم ما بين ال24 و28 عاماً. هبطوا من الطائرة المروحية في رحلة الـ11 صباحاً وبعد أن زاروا مكتب مدير الموقع هبطوا الى الطابق الرابع حيث التقيتهم هناك. توجهت نحوهم وبدأت الكلام،
- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
- وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
- اقدم لكم نفسي، أنا احمد فخري مشرف فرع الـ RTU في قسم TLS.
قام الثلاثة وبكل ادب بالتعريف عن اسمائهم. لا اذكر اسمائهم جميعاً لكني أذكر فقط علي المزروعي لانه كان الشخص الذي نسب الى قسمي.
سألتهم،
- ما هو برنامجكم؟ ومتى يبدأ التدريب؟
فاجابني احدهم،
- بالحقيقة نحن تعبانين من السفر فاعتقد أن علينا أن نرتاح أولاً.
- هذا صحيح، أنا آسف جداً. بامكانكم الاستراحة قليلاً وسنبدأ بعد أن تتناولوا الشاي أو القهوة.
- كنا نأمل أن نعطيها راحة اليوم ونبدأ التدريب غداً. هل هذا ممكن؟
- لا اعلم ماذا اقول لكم، سأسل مديري واعود لكم بالخبر اليقين.
صعدت الى مديري عزيز الجبوري وأخبرته بما حصل قال،
- دعهم يأخذون قسطاً من الراحة اليوم وسيبدأون التدريب غداً صباحاً.
- حسناً ساخبرهم بذلك.
رجعت الى الضيوف وأخبرتهم بما قال لي المدير فأعجبتهم الفكرة لكني وجهت الكلام لعلي المزروعي وقلت له،
- يجب عليك أن تكون بمكتبي تمام الساعة السادسة وعشرون دقيقاً من صباح الغد. هل هذا مفهوم؟
- أن شالله.
- اتعرف أين مكتبي؟
- لا
- إذاً دعني أخذك الى هناك الآن حتى تعرف المكان.
- طيب دعنا نذهب.
خرجت مع علي المزروعي من البارجة السكنية متوجهين نحو المجمع المركزي Central Compless حيث ترسي البارجة الثانية والتي اتخذنا فيها مكتباً. في مكتبي وبعد أن انتهينا من شرب الشاي قلت له،
- حسناً يا أخ علي أنت تعرف المكتب الآن. عليك أن تكون هنا الساعة السادسة وعشرون دقيقة. إذ اننا سننطلق من مكتبي هذا ونتوجه الى منصة الاقلاع مباشرة، يجب عليك إن تلتزم بالوقت.
- سأكون هنا بإذن الله ولا يهمك باش مهندس.
خرج علي متجهاً الى البارجة الرئيسية. أما انا فاتصلت بقسم المواصلات وطلبت منهم أن يحجزوا لي رحلة مكوكية على الطائرة لشخصين وذلك لزيارة اربعة منصات بحرية. أخترت المنصات التي فيها اعطال والمنصات التي تحتاج للصيانة الدورية كي يشاهد الزائر عملية تصليح وصيانة الحواسيب على المنصات. ثم قمت بإعداد الاجهزة والمعدات اللازمة التي سأحملها معي بالرحلة.
في اليوم التالي وصلت مكتبي تمام الساعة السادسة والربع وبدأت بجمع المعدات التي سنأخذها معنا والتي يبلغ وزنها حوالي 40 كغم. وجلست على مكتبي انتظر علي. انتظرته حتى صارت الساعة تشير الى السادسة و25 دقيقة، الا أن الزائر لم يأتي. أتصل بي مسؤول المواصلات (فيصل) وقال لي،
- وينك يا اخي أحمد ووين ضيفك؟
- لا اعلم بعد لكن لا تؤخر الرحلة من اجلنا. بامكانك تحرير الطائرة وسأقوم بحجز رحلة أخرى فيما بعد.
- طيب إخي أحمد لغيتها الآن.
لم اتمكن من مغادرة مكتبي للبحث عن علي المزروعي لان عندي مهمات اخري في المكتب. فعليّ أن ابعث فنيين من فريقي كي يتوجهوا الى عدة منصات لغرض الصيانة أو التصليح. وعلي أن اقوم بمهام مكتبية أخرى.
لم انعم بالهدوء الا بعد حوالي 5 ساعات حيث قررت أن أذهب الى البارجة الرئيسية وابحث عن علي، فهو مسؤوليتي واخاف أن يكون قد اصابه مكروه. ذهبت الى البارجة السكنية وتوجهت مباشرة الى الغرفة التي خصصت لعلي كي يسكنها طوال فترة زيارته. طرقت الباب وانتظرت قليلاً لكني لم اسمع الرد. طرقت الباب ثانية وانتظرت بعض الوقت فلم اسمع أي رد. ابتدأ القلق يدب في عروقي لاني اعلم أن الضيف مهم جداً وإذا ما اصابه مكروه فسأكون انا المسؤول وربما قد اعاقب او حتى أطرد من عملي. يا الهي ماذا اعمل؟
صعدت الى الاعلى متوجهاً الى الطابق الخامس كي اطرح الامر للسيد محمد بلعيد المسؤول الاداري في البارجة. لكني عندما مررت بالطابق الرابع وإذا بعلي المزروعي جالساً على البار يترشف القهوة مع زملائه الذين اتوا معه. ذهبت نحوه وقلت له،
- أين انت يا علي؟ لقد قلقت عليك؟ ماذا حل بك؟ ولماذا لم تأتي الى مكتبي الساعة 6.20 كما اتفقنا بالامس؟
- والله يا باش مهندس بصراحة البارحة سهرت انا والشباب إذ كنا نلعب البلياردو حتى وقت متأخر من صباح اليوم. لذلك لم اتمكن من أن استيقظ مبكراً. مش مشكلة بامكاننا أن نحجز رحلة أخرى غداً.
- هل بامكانك أن تأتي الى مكتبي عندما تسنح لك الظروف؟
- اكيد، سأتي بعد نصف ساعة، عدل؟
- عدل.
تركتهم وتوجهت مباشرة الى مديري عزيز الجبوري طرقت الباب حتى أذن لي بالدخول فدخلت وابتدأت الحديث،
- سوف لن تصدق ما جرى يا عزيز.
- اعرف كل شيء. فالضيوف لن يذهبوا الى الحقل.
- الا يزعجك هذا؟
- لا طبعاً. فهؤلاء مواطنون وهذا يعني انهم مدللون لذا دعهم وشأنهم ولا تعاتبهم، مفهوم؟
- لكن يا عزيـ...
- قلت لك دعهم وشأنهم، هم ليسوا موظفون في قسمنا، هم ضيوف فقط، لذا عاملهم كضيوف.
- حسناً.
رجعت الى مكتبي وانا استشيط غضباً واتحدث مع نفسي واقول، لو كانت رحلتهم غير مهمة فلماذا بعثوهم اصلاً ولماذا طلبوا مني أن اعمل لهم برنامجاً معمقاً ولماذا لا يعاقبوهم على التأخير؟
حالما وصلت مكتبي وجدت الهاتف يرن وعندما رفعت السماعة وإذا بالاخ فيصل مسؤول المواصلات يطلبني كي يعرف متى اريد حجز الرحلة لي وللضيف؟ اخبرته أن ينسى الموضوع الآن وساقوم انا بالاتصال به لاحقاً كي ارتب حجزاً جديداً.
ابتدأت بعملي الذي تراكم عليّ لكوني كنت مشغولاً بعض الشيئ بالضيف ومشاكله. وبعد ظهر نفس اليوم اتى علي الى مكتبي وحياني بادب. كنت قد هيأت محاضرة حادة وطويلة له لكن هذا الشخص كان يتحلى باخلاق جداً عالية لذلك قررت ان اخفف من حدة الكلام معه. عرضت عليه شاي سليماني لاني املك ادوات الشاي في مكتبي فوافق وبعد ان ابتدأ شرب الشاي قلت:
- انظر اخي علي، نحن هنا نعمل في شركة زادكو التي هي تابعة لشركة ادنوك الشركة الوطنية الام التابعة للدولة، وكل حركة نتحركها محسوبة علينا. اما الطائرات المروحية فهي مؤجرة من قبل شركتنا، لذا فإن شركة طيران ابوظبي تتقاضى 500 دولار على كل راكب لكل رحلة. وإذا ما حُجِزت رحلة على هذه الطائرات وتأخر الراكب فإن شركة طيران ابوظبي ستتقاضى نفس المبلغ أي 500 دولار من شركتنا سواء ركب المسافر او لم يركب. والتأخير عن موعد الرحلات يعتبر عمل مخالف لقانون الشركة وتترتب على من يخالف ذلك عقوبات كبيرة. اعلم اخي علي ان الذين يعملون بالحقل بشكل دائم اغلبهم بل أجمعهم من الاجانب، وانك لا تجد مواطناً واحداً يعمل هنا. انت تعلم ايضاً أن دوام الحال من المحال، وسوف يأتي اليوم الذي يبدأ الاجانب بالعودة الى ديارهم بالتدريج وستكون مسؤولية المواطنين أن يحلوا محلهم، وهنا يأتي دور اناس مثلك ممن جائوا الى الحقل وتابعوا سير العمل هنا كي يقوموا هم بدورهم الوطني. لذا فانا ارى أن مساهمتك بالرحلات معي او مع غيري تعتبر خطوة مهمة للغاية لمستقبل بلدك. اليس كذلك؟
- باش مهندس، حولت الموضوع الى مهمة وطنية وثورية. الموضوع ما يتطلب كل هذا الحجم. كلما هناك اني تأخرت عن الرحلة اليوم وبامكاني أن اذهب معك غداً. ثم ان هناك نقطة جداً مهمة، الا وهي اني لا يمكن باي شكل من الاشكل أن اعمل في البحر لان مكاني الطبيعي هو بالادارة بابوظبي. وساتدرج بسلم الوظائف كي اتبوء مركزاً ادارياً وليس تقنياً.
- لكنك اخبرتني بانك حصلت على شهادة الهندسة من امريكا، اليس كذلك؟
- هذا صحيح، لكن الشهادة ستؤمن لي الوظيفة الادارية وليس الوظيفة العملية، هناك فرق كبير. وإذا ما رحلت انت من بلدنا فسوف نأتي بعشرة مثلك من الهند أو الباكستان. اليس كذلك؟
بالرغم من مرارة كلمات هذا الشاب فقد كان على حق لان هذا هو الواقع المر الذي يتبع في البلد. لذلك اردت أن اغير الموضوع وابقي على علاقة طيبة معه فقمت بسؤاله،
- ما هي درجتك الوظيفية؟
- لقد تعينت قبل 3 اشهر وقد منحوني درجة 11 اي اني ظابط. لكنهم وعدوني انهم سيرفعونني قريباً جداً.
- لا تصدقهم يا علي. فانا اعمل بشركة زادكو منذ 7 سنوات ولازلت على نفس الدرجة التي منحوني اياها وهي درجة 11 مثل درجتك. بهذه اللحظة استأذن علي مني ورجع الى البارجة السكنية بعد ان سمعني وانا احجز لي وله على رحلة لليوم التالي كي نقوم بجولتنا التي اُجلت.
باليوم التالي وصل علي عندي الساعة السادسة والربع وركبنا الطائرة سوياً وقمنا بزيارة اربعة منصات وراقب عملية الصيانة. لكنه كان يسأل كثيراً على صيد السمك، وهل كنا نوفق في الصيد وما هي انواع السمك الذي كنا نصطاده.
بعد انتهاء السبعة ايام عاد الزوار الثلاثة الى ابوظبي ولم تتكرر زيارتهم للحقل. لكنني عندما قمت بالذهاب الى مكتب الشركة بابوظبي بعد حوالي سنة قابلت علي في احدى ممرات الشركة وقد رحب بي ترحيباً كبيراً وقد طلب مني أن اذهب معه الى مكتبه في الشركة فذهبت معه ونحن نترشف الشاي. وعندما سألته عن سير العمل معه، اخبرني بانه قد رُفّع الى درجة 13 ومن المتوقع ان يحصل على درجة 14 قريباً.
شكرته على حسن ضيافته وخرجت من مكتبه ابحث عن المكتب الذي جئت من اجله اساساً.
...يتبع
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/maqalat/34734-2018-03-26-10-48-34.html
1663 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع