د. سعد ناجي جواد
التصعيد البريطاني – الامريكي – الأوروبي ضد روسيا: دلالاته وأهدافه.. وهل ستكون الضربة المقبلة في سورية ولبنان؟
أسئلة كثيرة تثار حول التصعيد البريطاني – الامريكي – الأوربي تجاه روسيا. أولها لماذا هذا التصعيد وهل هو موجه ضد روسيا بالذات ام عملية لتخويفها وتحجيم ردها على ما يجري الاستعداد له ضد حلفائها وخاصة في سوريا؟ والسؤال الثاني كيف سيكون رد الرئيس الروسي بعد ان هدد بان روسيا سوف لن تقف مكتوفة الايدي اذا ما تعرض اي من حلفائها الى اي عدوان؟ والسؤال الثالث لماذا يذكرنا ما يجري بأجواء ما قبل احتلال العراق؟ والسؤال الرابع ما هو دور اسرائيل فيما يتم الإعداد له، ولماذا تنتظر اسرائيل موافقة الناتو للمشاركة في اي عدوان قادم؟ والسؤال الخامس لماذا جرى تسريب الخبر الكاذب عن تصريحات السيد حسن نصر الله في هذا الوقت والتي كذبها حزب الله جملة وتفصيلا؟
ابتداءا لا بد وان يوحي من تصعيد ضد روسيا بالسيناريوهات التي سبقت العدوان على العراق. حيث استخدمت شتى انواع الاكاذيب والتلفيقات من اجل تبرير العدوان ثم الاحتلال وتمريرهما. وكل من كان يقول ان هذه الذرائع كانت كاذبة كان يُتهم بشتى انواع الاتهامات، وساهمت في ذلك حتى الصحف البريطانية والعالمية التي يفترض بها ان تكون رصينة، واليوم يحدث نفس الشيء، فكل من يطالب بانتظار تحقيق مهني ومتخصص بحادث تسميم الجاسوس الروسي السابق الذي يعيش في بريطانيا منذ عام 2010، يُتهم بالتواطؤ او التستر على (جريمة روسية واضحة) وحتى قبل ان تبدي اية جهة تحقيقية أمنية متخصصة رايها بما حدث. لا بل وصل الامر الى اتهام رئيس ثاني اكبر حزب بريطاني، حزب العمال، السيد جريمي كوربين بكونه (عميل الكرملين) في جريدة (الديلي ميل) واسعة الانتشار او دمية بوتين (جريدة الصن) الشعبية ، كما نشر عنه كاريكاتيرا اخر بهذا المعنى في جريدة الغارديان الرصينة. الامر الذي دفع الرجل لكتابة مقالة في نفس الجريدة يوضح فيه موقفه الداعي الى التريث وعدم التصعيد. مذكرا بان المعلومات الاستخبارية الكاذبة قادت الى كوارث سواء في الحرب على العراق في 2003 او ضد ليبيا فيما بعد. ولكن ذلك لم يمنع وزير الخارجية البريطانية من التصعيد اكثر بالقول ان روسيا تكدس الأسلحة الغازية السامة لاستخدامها مرات اخرى. وكل هذه مقدمات لفرض عقوبات اقتصادية جديدة وأكثر صرامة من التي فرضت سابقا. وبالطبع فان الولايات المتحدة وإسرائيل!!! كانتا اول من ايدا التصعيد البريطاني. ثم تبعت ذلك ألمانيا، وأخيرا وليس آخراً فلقد خرج رئيس فرنسا من موقفه الهاديء وانضم للجوقة المنددة، لا بل انه ذهب ابعد من ذلك عندما هدد سوريا مباشرة بضربات جوية، (اذا ما ثبت انها استخدمت الغازات السامة ضد معارضيها)، وهو امر آخر لم يتم اثباته من قبل لجان تحقيقية متخصصة ومحايدة. ويبدو ان هذا هو بيت القصيد حيث تعتقد الولايات المتحدة وحلفائها بأنهم يمكن ان يستخدموا هذه الذرائع لتوجيه ضربة جوية كبيرة الى سوريا ولبنان كعقوبة على استخدام الاولى، حسب ادعائهم، الغازات السامة وعلى وقوف حزب الله الى جانب الجيش السوري، ومن خلال هذه الضربات يعتقدون بأنهم يوجهون ضربة للنفوذ الإيراني في البلدين وتحجيمه، وهذا طبعا يضاف الى تهديد السيد ترامب بإلغاء الاتفاق النووي مع ايران في شهر مايو/ أيار القادم. وهم يعتقدون انهم بإجراءاتهم ضدها او التهديد بها ستقف روسيا موقف المتفرج.
وهنا لا بد ان يثار السؤال كيف سيكون رد الرئيس بوتين على ذلك، وهل ستقوده الأزمة مع بريطانيا الى الانكفاء والخوف من الرد الذي وعد به؟ لقد كان رده على إسقاط مقاتلة روسية في سوريا واضحا وقاطعا نتج عنه إسقاط الفانتوم الإسرائيلية المتطورة، وإصابة اخرى. فهل سيتصدى لهذا الهجوم المرتقب بنفس الصورة؟ لقد بدا السيد بوتين فترة رئاسية جديدة وبتائيد شعبي كبير، وبالتاكيد فانه لا يرغب ان يبدأ هذه الفترة بتقبل ما يمكن وصفه بإهانات شخصية وقومية، وانه يملك من القدرات، وفِي سوريا بالذات، ما تمكنه من الرد الفعّال، واذا ما تم ذلك هل ستكون الولايات المتحدة مستعدة لاشعال حرب عالمية في سوريا ومن اجل اسرائيل؟
من ناحية اخرى هل سينفذ السيد حسن نصر الله تهديده بأمطار اسرائيل بالاف الصواريخ اذا ما تعرض لبنان الى اي عدوان؟ خاصة بعد العملية الإعلامية التي أُريدَ منها تشويه صورته بين اللبنانيين من خلال تسريب حديث له عن سبب تمسكه بالتحالف مع ايران، هذا الحديث الذي كذبه حزب الله جملة وتفصيلا واعتذرت عنه الجهة الناشرة. لقد كان واضحا ان نشر الخبر كان لتأليب المجتمع اللبناني ضده من اجل الاستفراد به، اما بالنسبة الى اسرائيل والتي تلقت درسا واضحا من خلال إسقاط وإصابة طائرتين من سلاحها الجوي وهز صورة تفوقها الجوي، فيبدو ان الولايات المتحدة والغرب، والأكثر من ذلك الأطراف العربية المؤيدة للمخططات الامريكية، لا يريدون لإسرائيل ان تكون طرفا فيما سيجري خشية اثارة الشارع العربي، (وهذا ما حدث في اثناء العدوان على العراق في عام 1991 عندما منعت أمريكا والغرب اسرائيل من الرد على الصواريخ العراقية). والاهم عدم اثارة الشارع الفلسطيني، الملتهب أصلا جراء اعلان القدس عاصمة ابدية لإسرائيل والحديث المتصاعد عن (صفقة القرن) التي ترفضها كل الفصائل الفلسطينية.
ان التصعيد المتزايد ينذر بضربة جوية أمريكية لسوريا، وربما لدمشق بالذات، ولبنان، وعندما يقوم السيد ترامب بإحاطة نفسه باشخاص متشددين مثل وزير الخارجية الجديد لا بد وان يحمل دلالات خطيرة، والاقدام على اية خطوة من النوع الذي يُرَوَج له يمكن لن يقود الى مواجهات خطيرة بين القطبين الكبيرين، روسيا والولايات المتحدة، فهل ان السيد ترامب وادارته على استعداد لاشعال حرب عالمية في هذا الوقت بالذات؟
3169 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع