المهندس احمد فخري
الحياة في حقول البترول /الحلقة السادسة أخطار كبيرة في العمل
كانت تصلني عادةً تقارير من الاقسام الاخرى عن حدوث خلل في قراءة تقارير حواسيبنا RTU بحيث يصعب عليهم قراءة القياسات على الشاشات الموجودة في غرفة السيطرة الموجودة باعلى البارجة السكنية، مما يتعذر عليهم معرفة الحالة التي فيها احدى المنصات. فاقوم بدوري بالتراتيب اللازمة لارسال احد اعضاء فريقي كي يذهب هناك بالحال أو باليوم التالي استناداً الى الوقت الذي استلم فيه التقرير، إذ يقوم بعدها باصلاح الخلل والعودة على الفور. أما انا فاوفر له الاسناد من المركز بالتحدث اليه على اجهزة اللاسلكي وذلك باسدال النصح حول طريقة التصليح او اقوم بارسال قطع الغيار اللازمة اليه لتقويم الخلل إن لزم الامر.
بالاضافة الى ذلك كله كنت اقوم برحلات تفتيشية دورية الى المنصات التي تحتوي على اجهزتنا RTU كي القي نظرة عامة عليها واحاول التأكد من ان اعمال الصياني لفريقي تسير بشكل صحيح.
في احدى المرات وبينما انا في رحلة تفقدية لاحدى المنصات، قمت بفتح ابواب الحاسوب وتفحصته جيداً فوجدت ان الفتحات التي بقاعه والتي جُعِلتْ أساساً لتمرير الاسلاك المتينة الى خارج الحاسوب، وجدتها مفتوحة تماماً وبامكان الهواء الخارجي من الدخول اليها. وبما أن حاسوبنا يجلس على منصات بحرية، فإن هذا يعني انه معرض للرطوبة القاسية التي في الجو بشكل متواصل مما يشكل خطراً كبيراً على بطاقاته الالكترونية الموجودة بالداخل. ولذلك فاننا بالعادة بعد الانتهاء من الصيانة نقوم بوضع اكياس من مادة السيليكا جل بداخل كبينة الجهاز كي تمتص الرطوبة التي تكون قد تسربت جراء فتح الباب لغرض الصيانة، ثم نقوم باغلاق البوابات بشكل محكم كي نمنع الرطوبة من ان تتسرب الى الداخل ثانيةً. لكني بتلك المرة وجدت الفتحات معرضة للهواء مباشرة. لاحظ الرسم التالي
لذلك سجلت ملاحظاتي وقررت محاسبة آخر رجل من رجالي قام بصيانة هذا الحاسوب بالذات. وعند العودة الى مقر القسم قمت بالتحري فوجدت أن احد الفنيين ويدعى رامانايدو قد زار هذا الحاسوب قبل اسبوعين. فاستدعيته وسألته عن هذه الفتحات فقال بانه لم ينتبه الى وجود تلك الفتحات. لذا اخبرت جميع اعضاء فريقي كي يتأكدوا من ملاحظة الفتحات بقاع الحاسوب عند تنفيذ الصيانة الدورية. فاستنتجنا ان ما مجموعه ثلاث حواسيب على منصات مختلفة لديها فتحات ارضية مفتوحة على الهواء الطلق ويتطلب غلقها فوراً.
بقيت مشكلة تلك الحواسيب التي بها ثقوب باسفلها وتتطلب غالقٌ (سدادة) لفتحاتها، فما العمل؟ يجب على احد اعضاء
فريقي ان يذهب ويضع اقفال دائرية (غالق) على الفتحات من اسفل الجهاز والتي لا تشغلها اسلاك. لذلك ناديت احد اعضاء فريقي ويدعى گوپال هندي الجنسية وطلبت منه ان يذهب الى تلك الحواسيب الثلاثة ويقوم باقفال الفتحات التي بقعرها. لكنه رفض رفضاً قاطعاً وقال بانه يخاف عمل ذلك لان العملية خطرة. فقلت له،
- إذا لم نقم نحن بعمل ذلك فمن الذي سيقوم بها؟
- لا اعلم، بامكانك ان تطلب ذلك من أي احد آخر من قسمنا كي يقوم بها او أن تطلبها من قسم الانتاج او قسم القياسات أو قسم السلامة.
- هذا غباء كبير يا گوپال، فكيف لي ان اطلب من قسم ثاني كي ينفذوا عمل لنا نحن قسم الحاسوب؟
- لا اعلم لكني ارفض ان اعمل ذلك فهو خطر على حياتي.
- ولماذا تعتقده خطر على حياتك؟ فكل ما عليك فعله هو ان ترتدي حزام الامان ثم تقوم بغلق الفتحات من الاسفل.
- لا، سوف لن افعل ذلك. فذلك سيرديني قتيلاً.
قالها وخرج مسرعاً من مكتبي وتوجه مباشرة الى مكتب مديري كريم صوابني (التونسي). وبعد بضع دقائق اتصل بي كريم بالهاتف وطلب مني ان اذهب الى مكتبه ففعلت وحالما دخلت مكتبه سألني،
- هل قمت بطلب عمل خطير من المدعو گوپال؟
- نعم لكنه ليس عملاً خطيراً مثلما تعتقد، كل ما عليه فعله هو غلق الفتحات الفارغة باسفل جهاز الـ RTU.
- لكنه جائني يرتعد خوفاً وصار يبكي بالدموع، وقال بانك تريد قتله.
- الامر لا يستاهل كل ذلك الخوف يا كريم. فإذا لبس حزام الامان فسوف ينهي المهمة بخمس دقائق دون اي خطورة.
- اسمع يا احمد، اريدك ان توكل تلك المهمة لرجل آخر غير گوپال.
- هذا لا يجوز يا كريم. فإذا رفض الشخص الثاني هو الآخر فيجب علي إن اوكلها للشخص الثالث والرابع وهكذا حتى يرفضها جميع من يعمل عندي.
- نعم، نعم افعل ذلك. فهذا امر مني.
- يا كريم، إن تصرفك هذا غير صحيح. يجب على گوپال ان ينفذ المهمة المناطة به والا فسوف لن أتمكن من تسيير العمل ثانية لأنك تكسر سلطتي في العمل. فأنا المشرف وأنا اقرر من يذهب لعمل ماذا.
- هذا لا يهم. المهم ان گوپال لا يذهب ويعمل تلك المهمة الخطيرة.
- حسناً.
وقفت وتوجهت الى الباب كي اخرج من مكتبه لكنه اوقفني وسألني،
- وماذا ستعمل يا احمد؟
- سأتصرف، لاتقلق.
- والى من ستوكل تلك المهمة؟
- ساقوم بها بنفسي. قلت لك لا تقلق.
- هذا جنون! انت مشرف القسم وبامكانك ان توكلها لاي رجل آخر. فلماذا تريد ان تخاطر بنفسك وتعملها بنفسك؟
- لاني لو لم اعمل ذلك بنفسي فسوف لن تسير الامور على ما يرام في المستقبل. فانت تحطم مركزي بين رجالي.
- حسناً اعمل كما تشاء. طالما انك ستعفي گوپال من المهمة.
باليوم التالي اتصلت بقسم المواصلات وطلبت منهم حجز رحلة مكوكية بالطائرة كي ازور الآبار الثلاثة التي سيجري فيها غلق الفتحات. وحالما وصلت المنصة الاولى وضعت حزام الامان ثم هبطت الى اسفل الحاسوب وبدأت بربط
صمامات الغلق للفتحات، وبعد ان احكمت غلقها جيداً قمت بالاتصال بقسم المواصلات وطلبت منهم نقلي بالطائرة الى المنصة الثانية وعملت نفس الشيء بغلق الثقوب في المنصة الثانية ثم عملت الشيء عينه بالمنصة الثالثة وبعدها رجعت الى البارجة السكنية. إن كل هذه العملية لم تستغرق اكثر من ساعة ونصف فقط.
حال عودتي الى البارجة السكنية ذهبت الى مكتب مديري كريم (التونسي) واخبرته بان المهمة قد انتهت فماذا تتصورون رده؟
لقد قال (طري طري بيان) بالفرنسية تعني جيد جداً، ممتاز يا احمد، لقد اثبت انك مدير ممتاز وتستطيع ان تحمي من هم بامرتك من المخاطر.
خرجت من مكتبه وانا اهز برأسي يمين شمال واقول بنفسي (من قلة الخيل...).
يتبع...
للراغبين الأطلاع على الحلقة السابقة:
https://algardenia.com/maqalat/33943-2018-01-31-08-36-02.html
1693 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع