الدكتور مهند العزاوي*
العراق في مسرح الصراع الدولي
يخضع العراق لتجاذبات وصراعات واختلالات متعددة في ظل التدخلات الأجنبية والإقليمية المزمنة ويخوض العراق حرب وجود تستنزف موارده وراس ماله الاجتماعي واصبح من الصعب النظر الى لوحة الشرق الأوسط المتقدة بالحروب والنزاعات والفوضى دون النظر الى واقع العراق السياسي المعاصر لاسيما التحولات والتغيرات الجيوسياسية والاحداث الدراماتيكية الفاعلة والمتفاعلة في محاوره الجيوسياسية المتصدعة بعد ان اصبح الإرهاب أداة سياسية فاعلة لتحقيق المنهجيات والرؤى الاستراتيجية الدولية والإقليمية تحت بند (محاربة الإرهاب)
تبرز بشكل واضح الصراعات السياسية الدولية لثلاثي القوة ( الولايات المتحدة – روسيا – بريطانيا) باستخدام المخالب الإقليمية التي افضت الى تفكيك الكتلة الحيوية العراقية وجغرافيته السياسية , وقد اصبح وضع العراق حرجا للغاية واضحى في مسرح صراع دائم على عكس ما يصوره كتاب الدعاية الذين يتحدثون عن مستقبل وردي وتحولات جذرية نحو الاستقرار وترسيخ فلسفة الدولة والمؤسسات بدلا عن الاضطراب والفساد والأزمات الواقعية التي تعصف به , لاسيما في ظل التحولات الدولية وبروز محاور جيوسياسية متعددة وضهور تحالفات دولية إقليمية جديدة تختلف كليا عن المدخلات السياسية السابقة , مما يجعلنا ان نفكر وبجدية في الواقع السياسي العراقي وما سينتج عنه من وقائع سياسية جديدة مختلفة كليا عما كانت عليه بالسابق في ظل صراع الارادات للدول الكبرى واتفاق وتناحر الفاعلين الاقليمين , وتنوع الأدوات الحربية والاتفاقات التكتيكة المتصارعة في مسرح الحرب فضلا عن حرب إعلامية شرسة تسودها الدعاية والخداع وتقودها وسائل الاتصال ذات العلاقة
العراق وصراع الكبار
يشكل العراق المحور الأساسي في صراع الدول المتمركزة ( الولايات المتحدة – روسيا – بريطانيا) ونلاحظ عودة بريطانيا بقوتها الناعمة للعراق والمنطقة وقد اصبح من الصعب تجاهل دور بريطانيا ذات الإرث التاريخي في المنطقة لاسيما انها تدير خيوط اللعبة بالعراق بعناية وتحاول إعادة نسج السياسة والقوة بما يتفق مع سياستها المستقبلية وترميم قدرات العراق المستنزفة من جراء الفساد والإرهاب , كما ونشهد محاولات الولايات المتحدة الامريكية العودة الى العراق والشرق الأوسط بعد انعطاف أوباما المكلفة لأميركا التي افقدتها الريادة السياسية بالعالم , فضلا عن سياسة الوصول الخشن لروسيا الاتحادية والتأثير المباشر في مسرح سوريا الذي يعد مسرح حرب وصراع ثلاثي الابعاد إقليميا يتسق بالمحاكاة الجيوستراتيجية لكل من تركيا وايران وإسرائيل وغياب الدور العربي بعد ان كان العراق يمثل العنصر الرابع في المحافظة على توازن المنطقة, وقد خرج منها بالفعل بعد التمدد الإقليمي الثلاثي بالعراق والتداخل الدولي وفق سياسة تقاطع المصالح وتنافر الأهداف .
نعمل القوى الثلاث وفق سياسة المصالح المنفردة لكل دولة لا سيما بعد انتهاء صلاحية النظام الدولي وبروز عالم متعدد الأقطاب ومتنوع يبرز فيه تحالف الاضداد تكتيكيا وقد يتحول استراتيجيا بعد ان غادروا التحالفات والتوافقات السابقة , وهنا يبرز دور الكبار بشكل مباشر فضلا عن الفاعلين الإقليميين الذين يمسكون بزمام التأثير المباشر من خلال القوة الخشنة والناعمة وعمليات الحركة التي تغيير التراكم السياسي والتاريخي لهذه المناطق بغية رسم مسارات نفوذ فاعلة تتخطى الجغرافية السياسية والعسكرية السابقة وتصل الى التوسع الواقعي الذي فرضه الصراع ليحول الدول الإقليمية الفاعلة الى امبراطوريات حاكمة على حساب الجغرافيا السياسية العربية .
العراق وتداعيات الصراع
تسويق فكرة (المجال الحيوي) يبرره بعض الكتاب في دراسات وبحوث لتجميل التوسع على حساب النسق الدولي والذي ينافي القانون الدولي ولعل أول من فكر بهذه الطريقة ( التمدد في الجوار السياسي ) هي (ألمانيا زمن حكم النازية) إبّان قوتها لتأمين النمو لاقتصادها يلزمها التوسع في أراضي الدول المجاورة لها لتأمين المواد الأولية اللازمة لاقتصادها لبناء الأمة الألمانية, وضمن هذه النظرية لا يوجد حدود لهذه الأطماع بل حدودها يتناسب طردياً مع نموها الاقتصادي والعسكري، بهذه العقلية دخلت ألمانيا في حربها العالمية الأولى والثانية مع أغلب دول العالم وتسببت بدمار العالم وبخسائر بشريةٍ لا تعد ولا تحصى وتوقف الاقتصاد ودمرت المصانع وسرح العمال وانتشرت المجاعات والأوبئة والأمراض , ونستطيع القول بأن العمل بنظرية ((المجال الحيوي)) قد دمرت العالم وأعادته إلى الخلف مئات السنين, وهذا ينعكس على العراق والإقليم العربي والاثار السلبية والكارثية للتمدد الإقليمي ويكاد يكون مشابه تماما لما فعله الالمان حينذاك , فان التمدد الإقليمي المصرح والمدعوم دوليا في المشرق العربي قد غير من الجغرافيا السياسية العربية , واوقف النمو الاقتصادي لكل من العراق وسوريا ولبنان واليمن وحول هذه الدول الى دول فاشلة تسودها المظاهر المسلحة وينتشر فيها الفساد بكافة اشكاله فضلا عن غياب الدور والسيادة والتنمية , وقد سبب هذ التمدد الاستنزاف الواقعي للديموغرافية العربية ومجتمعاتها المسالمة وحولها الى ديموغرافيات متصارعة وفق مسارات المكون المذهبي والعرقي والطائفي وبذلك يشكل عامل ديمومة للحرب الديموغرافية التي تعصف بالعراق والمنطقة منذ عام 2004
شهدنا في العراق عسكرة وتسيس المجتمع بشكل طائفي وعشائري سياسي ومسلح وفق رايات ومسميات مزيفة هدفها تحقيق التأثير المباشر في النظام السياس العراقي ليبدوا هشا ضعيفا غير قادر على صنع المستقبل وإدارة دفة التنمية المستدامة , وبات من الواضح لم يعد هناك صناعة ولا زراعة ولا تنمية مجتمعية وووووو, لان المجتمع أصبح وقود للصراع لا ناقة ولا جمل للعراق الذي سينتهي يوما ما بنتائج مروعة , لاسيما ان العنصر الأساسي في سياسات الدفاع والردع هو (القوة ) وان القوة اليوم أصبحت ذات أوجه متعددة لا تخضع للدولة الوطنية وامنها القومي وفق معايير العولمة وخصة الحرب , ومن الملفت للنظر التجانس والتوائم بين الدول الكبرى والفاعلين الإقليميين , وكما يبدوا ان إدارة الصراع تقع على الكبار وتنفيذ الارادات على الفاعلين الاقليمين , لم يأبه العالم بالظواهر والأزمات والكوارث الناتجة من هذا التغيير بالأدوات الخشنة والقوة الناعمة ان ضحيته شعوب دول المسرح الحربي كالعراق وسوريا الي تعاني وستعاني من أزمات ارتدادية مجتمعية وثقافية وإنسانية متعددة
العراق والانتخابات القادمة
شهد التحول العسكري ما بعد الانتهاء من العمليات العسكرية ضد داعش تطورا لافتا لاسيما الاختلاف الكردي الحكومي مع الحكومة المركزية وسعي بغداد لأحكام السيطرة الفدرالية على كافة الأراضي العراقية والعودة للجغرافيا السياسية الداخلية لما قبل 2003 , وهذا جعل من شكل النظام السياسي الذي دام 14 عام يشهد تحولا طفيفا نحو الدولة الفدرالية دون الاخذ بنظر الاعتبار التداعيات والاثار الارتدادية المجتمعية والاثر الذي تركته سياسات الأحزاب الطائفية والعرقية على البنية التحتية المجتمعية والسياسية والمؤسساتية العراقية , وهنا يستعد العراق للانتخابات في "مايس" القادم وكما يبدوا ان المشهد السياسي سائر بنفس الوتيرة مع دخول رسمي للحشد الشعبي الى السياسة العراقية بعد ان استحكم عناصر القوة الصلبة والشرعية القانونية , ولم يتبدل في الواقع السياسي الانتخابي شيء سوى تبدل أسماء الكتل والشعارات اما الشخصيات السياسية الرئيسية فأنها باقية رغم عدم قدرتها على انجاز أهدافها الانتخابية وشعارتها السابقة التي وعدوا النخاب بها فضلا عن عزف الشارع العراقي عن إعادة انتخاب هذه الأحزاب والشخصيات التي فشلت في بناء الدولة والمجتمع طيلة 14 عام , وهناك اتفاق دولي إقليمي على اجراء هذه الانتخابات باي شكل كان .
*رئيس مركز صقر للدراسات والبحوث الاستراتيجية
الإثنين، 08 كانون الثاني، 2018
743 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع