سرني أن أتلقى كل هذه الردود الكثيرة والغنية لما كتبته عن التطوع فهي دليل بليغ على اهتمامنا بالموضوع، على الأقل بين أسرة قراء هذه الزاوية الذين أصبحوا يشكلون أشبه ما يكون بالأسرة يتحاورون في ما بينهم مثلما يتحاورون معي.
ومن ذلك ما كتبه من فرنسا فؤاد محمد فأشار لما فعله المصريون في ربيعهم عندما انسحبت الشرطة فحلوا محلها وجمعوا تبرعات لتزيين الشوارع والمحلات العامة وانبرت الفتيات لدهان الأبنية والأعمدة التي تملّكها القِدم والإهمال. ما زلت أتذكر كيف اهتزت الأوساط الدولية لمشهد المواطنين الذين هبوا لتنظيف ميدان التحرير فور سقوط نظام مبارك.
حدث مثله في العراق حيث امتشق السلاح مواطنون ووقفوا لصيانة الأمن في كل منطقة. يعود لهم فضل كبير في دحر الإرهاب والمذابح التي هددت الآمنين. تولى آخرون أيضا تنظيف بعض شوارع المدن العراقية. للمبادرات التطوعية تاريخ مشرف عندنا. يروي عبد الله عبد الرحمن من العراق أن سكان كركوك تضامنوا وتعاونوا في ما بينهم في الأربعينات على بناء جسر كبير فوق نهر الخاصة. ومن أروع هذه المبادرات هبوب سكان الموصل بكل طوائفهم، مسلمين ونصارى ويهودا، في الدفاع البطولي عن مدينتهم ضد الغزو الفارسي الذي استباح المنطقة في القرن التاسع عشر.
يجب أن نتذكر أن النظافة وحسن المنظر وتوضيب المحلات العامة يساعد على استتباب السلام والأمن، وأن انتشار الوساخة والقمامة يوحي بالعنف والخروج على النظام والقانون. هذا مبدأ راسخ من مبادئ الجهاد المدني.
وكتبت لي السيدة أم عمر، بتول القشطيني، لتصحح وتكمل ما ذكرته عن الاستعمار البريطاني في قولي ما تحركت سمكة في البحر إلا والإنجليز وراءها. قالت أم عمر إن هذه الإشارة تعود للمهاتما غاندي عندما قال، إذا تخاصمت سمكتان في البحر فاعلموا أن الإنجليز قد حركوهما. لا شك أن غاندي كان يقول ذلك على هامش النزاع بين الهندوس والمسلمين. المؤسف أن هذا النزاع قد زال ولكن حل محله اليوم النزاعات الدامية بين مسلمين ومسلمين، وعلينا أن نتساءل الآن؛ من يحرك هاتين السمكتين في البحر؟
السيد محمد العنزي عازم على إلقائي في نار هذا الموضوع الشائك. يسألني عن رأيي في تعدد الزوجات. كرجل متحدر من عشيرة العنزة، أذكرك يا ابن عمي بأن هذا شيء شائع بيننا. يرتبط الزواج الفردي بالمسيحية والمسيحيين. كل الملل والنحل الأخرى في العالم اعتادت على تعدد الزوجات وإجازته. ويبدو لي أن الحملة ضد التعدد جاءت ضمن هيمنة الفكر الغربي على العالم وفرض قيمه على الآخرين. الشيء الآخر الذي يلوح لي في هذا الموضوع هو أن من سنن الطبيعة وما تتضمنه من تنازع البقاء وبقاء الأصلح تقود الذكور إلى التعددية والإناث إلى الانفرادية. وذلك من سنن بقاء النوع. ولكن التعددية أصبحت شائكة اليوم. من ذلك أنها تسهم في تضخم عدد السكان وتتناقض مع متطلبات الضمان الاجتماعي وتربية الأطفال. والله أعلم.
869 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع