بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... الثانية والستون
الأطفال الخمسة والذئب
حدثتنا جدتي عن طرق قص الشعر (الزيان)، كان الحلاق سابقا متنقل أي ليس له مكان ثابت،ويمارس عمله على ارصفة الشوارع، والزبون يجلس فوق صفيحة (يگعده على التنكه) وهناك طرق لحلاقة الرأس مختلفة، منها زيان ابو الطاسه حيث الزبون يمسك بيديه طاسه ويضعها على رأسه والحلاق يحلق كل الشعر الذي يتجاوز حدود الطاسه وخاصة من اسفلها، والزيان الثاني هو الزيان ابو المجيدي حيث يحلق الجزء العلوي من الراس على شكل دائري والاطراف يتم تخفيفها اي حلقه ويصبح الراس بدون شعر بالوسط والتسمية للمجيدي قادمة من كون المجيدي هي قطعة نقود معدنية عثمانيه ومن الوسط مثقوبة، والحلاق قبل ان ينتهي من الحلاقه يقص بالموس الشعر المتواجد قرب الاذنين، لان ليس عنده ماء فيخرج اللعاب (التفل) من فمه بإصبعه ويبلل به حافات الاذن ومن ثم يقوم بالاستمرار بالحلاقة واستخدام التفال هكذا كان السبب بتسميه هذا النوع من الحلاقه بزيان ابو التفله، وبوجد زيان الصفر كانت العوائل تحلق راس اطفالها بشكل مستمر ومنتشر بدرجة الصفر اي حلاقه تامة للشعر والعرف المعلوم والمألوف يتمركز بالاقتناع بان هذه الطريقه ستعمل على تقوية الشعر للطفل عند كبره وسيطول وسيصبح اجمل وخاصة للبنات ولكنها بالحقيقة هي للتخلص او لتجنب احتمال تواجد القمل في شعر الابناء لان القمل كان يتكاثر بسهوله ولم تكن بتلك الايام العناية بالحمام، وعند الانتهاء من الحلاقه يكفخ الحلاق الزبون بضربه خفيفة على رقبته هي بمثابة القول نعيما وان الحلاقه قد انتهت فتقول له شكرا.
كما حدثتنا جدتي حادثة سمعتها في احد الايام حدثت لشارلي شابلن، يقول: كنت صبيا بصحبة ابي متوجهين لمشاهدة عرض للسيرك، وفي صف قطع التذاكر كانت أمامنا عائلة بانتظار دورها، كانوا ستة أولاد وأمهم وأبيهم، كان الفقر بادياً عليهم، ملابسهم قديمة لكنها نظيفة، كان الأولاد فرحين جداً وهم يتحدثون عن السيرك وعن الحركات و الألعاب التي سوف يشاهدونها، وبعد أن جاء دورهم تقدم الرجل وسأل مسئول التذاكر عن كلفتها،فأجابه بمبلغ. تلعثم الأب وأخذ يهمس في إذن زوجته، يقول شارلي: رأيت والدي يسارع لإخراج عملة ورقية فئة العشرين ويرميها على الأرض، ثم انحنى ورفعها ووضع يده على كتف الرجل وقال له: لقد سقطت منك هذه النقود، نظر الرجل في عين والدي وقال له شكراً سيدي وقد امتلأت عيناه بالدموع، حيث كان مضطراً لأخذ المبلغ لكي لا يحرج أمام أبنائه،
و بعد أن دخلوا لقاعة السيرك، سحب ابي يدي و تراجعنا من الطابور لان والدي لم يكن معه غيرها، و منذ ذلك اليوم و انا فخور جدا بأبي، لقد كان ذلك العرض أجمل عرض للسيرك وإن كنت لم أره.
حكايتنا لهذه الليلة: كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان امرأة ولديها خمسة أطفال، يسكنون في غرفة صغيرة على أطراف القرية ولها باب خشبي صغير، كانت أمهم تعمل وتقدم لهم الطعام، وفي كل مرّة كانت عندما تخرج من البيت تحذرهم من أن يفتحوا الباب لغريب مهما كان السبب، وأن ينتظروا حتى يسمعوا صوتها ويتأكدوا منها فيفتحوا لها الباب، في أحد الأيام خرجت في الصباح للعمل، طلبت منهم أن يغلقوا الباب، وأن لا يفتحوا لأحد وذهبت لعملها مطمئنة، بعد ساعة من الزمن جاء ذئب متوحش ضخم، طرق الباب وقال: افتحوا يا أولاد الباب أنا أمكم، انتبه الأطفال إلى صوت الذئب الخشن، فقالوا له:أنت لست أمنا لأن صوت أمنا ناعم وأنت صوتك خشن .
اغتاظ الذئب وذهب فغاب ساعة من الزمن، وأكل كمية من السكر ليصبح صوته ناعماً ثم عاد إلى البيت، وطرق الباب وطلب بصوت ناعم من الأولاد أن يفتحوا الباب، سمع الأولاد صوتاً مشابهاً لصوت أمهم لكنهم أرادوا التأكد من ذلك، فنظروا من ثقب الباب فرأوا ذيل الذئب الطويل يلوح خلفه، فقالوا له: أنت لست أمنا، أنت لك ذيل وأمنا ليس لها ذيل، غضب الذئب كثيراً من نباهة الأولاد، وذهب إلى جحره ولفّ ذيله تحت ثيابه، وأكل بعض السكر وعاد إلى بيت الأولاد وطرق الباب، سمع الأطفال صوته ونظروا من ثقب الباب، فلم يروا الذيل ولكن شاهدوا قدمي الذئب ومخالبه فعرفوه، فقالوا له: إن قدمي أمنا بيضاوان وأنت قدماك سوداوان.
اغتاظ الذئب وكاد ينفجر قهراً من هؤلاء الشياطين، الذين لم يستطع حتى الآن أن يخدعهم، وذهب مسرعاً إلى الطاحونة ومسح رجليه بالطحين فأصبح لونهما أبيض، وأكل بعض السكر وعاد فطلب من الأطفال بصوت ناعم فتح الباب، فنظر الأطفال فلم يروا ذيل الذئب، ورأوا لون قدميه بيضاوين كالثلج، وكان صوته ناعماً، فانخدعوا فيه وفتحوا له الباب، فهجم عليهم والتهمهم واحداً واحداً ماعدا الصغيرين فقد اختبأ تحت الكرسي، فلم يراهما الذئب.
عادت الأم فلم تجد أطفالها فأخذت تصرخ عليهم، وتناديهم، فخرج عليها الصغيران من تحت الكرسي، وقصّوا عليها ما حدث، غضبت كثيراً وخرجت تبحث عن الذئب، وأخذت معها سكيناً وإبرة وبكرة خيوط، وبعد جهد كبير وجدته أخيراً في مغارة قرب البئر، وهو مستغرق في نومه فهجمت عليه وشقّت بطنه بالسكين، وأخرجت أطفالها، ثم وضعت بدلاً منهم بعض الأحجار، وخاطت له بطنه من جديد، وتركته وعادت بالأطفال إلى البيت، استيقظ الذئب بعد قليل وهو يشعر بالعطش الشديد، فخرج يجرّ نفسه بصعوبة نحو البئر بسبب ثقل الحجار في بطنه، وعندما وصل حافة البئر وأراد أن يتدلى فيه ليشرب منه سقط في الماء وأغرقته الأحجار ومات وارتاح الأطفال من شرّه .(كنا عندكم وجينا) .
1971 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع