عبدالغني علي يحيى
قبل ما يقارب العقد ونصف العقد من السنين، على قول لسعد البزاز بحاجة الجميع الى الرئيس مسعود البارزاني، يبدو أن الحاجة اشتدت اليه الان اكثر في اجواء تنامي الأزمات العراقية كما ونوعاً، واتسعت دائرة المحتاجين اليه لتشمل قوى عظمى امريكية واوروبية قال عنها الدكتور محمود عثمان (انها تمارس ضغوطاً على البارزاني) لاطلاق مبادرة لحل الأزمات شبه المستعصية على الحل والتي راحت تعصف بالعراق.
وتأتي الحاجة الدولية والأقليمية أيضاً إليه من حاجة القوى الداخلية العراقية من سنية وشيعية وغيرها، والتي تجسدت في زيارات متكررة لها إلى مقره بمنتجع صلاح الدين، وتوحي زيارة البارزاني الى موسكو والتي تزامنت مع تلك الزيارات والضغوط، ان روسيا بدورها قد أنضمت الى قائمة المحتاجين.
جدير ذكره، ان الحاجة موضوع البحث ظلت قائمة منذ نحو 15 عاماً والى يومنا هذا، ولنا من الأمثلة على ذلك الكثير، سيما عند نجاح البارزاني في نهاية عام 2010 في التقريب بين السنة والشيعة الذي توج باتفاقية اربيل والتي ما زالت تحتفظ بحيويتها وصلاحيتها رغم تملص الحكومة العراقية من تطبيقها، ولقد أستحق البارزاني عليها وساماً رفيعاً للناتو ناله وسط مراسيم مهيبة جرت في العاصمة الأيطالية روما، وقبل هذه الاتفاقية أيضاً، سبق للبارزاني وان انهمك طوال السنوات التي اعقبت سقوط النظام السابق لاجل تحقيق المصالحة الوطنية بين العراقيين من سنة وشيعة بالاخص. ولسنوات تمكن البارزاني من إظهار الكرد كجزء من الحل لا الخصام، ورغم تراجع نظرية (الكرد جزء من الحل) جراء أستفحال التناقض بين بغداد وأربيل، إلا أن الحاجة إليه راحت تدق وبقوة بشكل لم يسبق له مثيل بابه لكي يجد حلاً للأزمات ويحول دون وقوع ما لا تحمد عقباه.
وفقاً لما تقدم، فأن أي إتفاق بين العراقيين أو حراك من اجله لن ينجح أو يستقيم ما لم يتم على يد البارزاني، وان أصدقاء البارزاني وخصومه على حد سواء يرون فيه سفينة النجاة لانقاذهم من غرق مؤكد. وان هذه الميزة التي يتمتع بها هذا الرجل في مجال حل المعضلات ليست وليدة الـ15 سنة الماضية، بل لها جذور تأريخية في القادة من الأسرة البارزانية التي تقود الحركة القومية الكردية في جنوب كردستان منذ نحو قرن. ففي عام 1970 وبعد صدور بيان 11 آذار 1970 كان الشغل الشاغل للبارزاني الأب هو إعادة الوحدة الى حزبه الديمقراطي الكردستاني بعد الانشقاق الذي تعرض له عام 1966، وأول ما أقدم عليه، ايفاده لنجله المرحوم إدريس الى الأستاذ المرحوم إبراهيم أحمد وجلال الطالباني في لندن، ولقد نجح في ذلك أيما نجاح وقضى على الأنشقاق في صفوف الحزب، ولقد فوجيء حكام العراق يومذاك بالأنجاز الوحدوي الكبير للبارزاني، علماً أن فترة الستينات من القرن الماضي شهدت انشقاقاً في صفوف الحزبين العراقيين الكبيرين: البعث والشيوعي وكذلك في صفوف معظم الأحزاب وعلى وجه الخصوص في العالم الثالث، يكفي ان نعلم ان الانشقاق في الحزبين العراقيين المذكورين ظل متواصلاً من غير ان يتكلل بالوحدة بين المنشقين والمنشقين عنهم، الى ان انتهى باندحار المنشقين في كلا الحزبين. ان قدرة ومهارة قادة بارزان في تحقيق المصالحة والتضامن تعود الى ذلك التأريخ وربما الى ابعد منه اذا اخذنا بقدرة البارزاني الاب على جمع كلمة الكرد لعقود من السنين قبل ثورة ايلول 1961 واثنائها.
وبعد الاقتتال الذي نشب بين الحزبين الكرديين، البارتي والاتحاد عام1983، فان الحركة الكردية تضررت من وراء ذلك ايما ضرر ولسنوات، الى ان قام المرحوم ادريس البارزاني بجهود جبارة لتجاوز الانشقاق الكردي – الكردي، وتمكن من انهاء ذلك الاقتتال وزاد عليه تأسيسه للجبهة الكردستانية التي عد (ادريس) بمثابة مهندس لها باعتراف معظم اطراف الجبهة وبسببه حظي ادريس البارزاني بتقدير واحترام الجميع، مع عدم اغفال اونكران جهود الاطراف المؤتلفة في تلك الجبهة في نصرة مهتمه وعلى راسهم الرئيس جلال الطالباني.
في الفترة بين 1994 و1998 شهدت كردستان من جديد حرباً داخلية بين الحزبين المذكورين والذي أدى الى شق حكومة كردستان الى نصفين، وهنا ايضاً كان الهم الاكبر للرئيس مسعود البارزاني وقتذاك منصبا على انهاء الحرب وتوحيد الحكومة، واذكر كيف انه كلف الشخصية السياسية عزيز محمد السكرتير العام السابق للحزب الشيوعي العراقي وفي احتفال مهيب بمناسبة الذكرى ال 50 لتأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني جرى يوم 16-8-1996 بمصيف صلاح الدين، لاجل بذل محاولات لانهاء الخلافات بين الحزبين. بلا شك انه كانت لتلك الجهود وجهود المقابل (الاتحاد الوطني الكردستاني)، دور في انجاح وساطة مادلين اولبرايت لعقد الصلح بين الحزبين يوم 17-9-1998 ومثلما اثمرت مساعي المرحوم ادريس البارزاني في ازالة العداء بين الحزبين عام 1987 فتشكيل الجبهة الكردستانية، فان الصلح الذي تم على يد اولبرايت ارسى دعائم تعاون وثيق بين الحزبين كانت ثمرته التحالف الكردستاني الذي حقق نجاحات باهرة للشعب الكردي ومايزال وعلى مختلف الصعد.
لقد حاز الرئيس مسعود البارزاني على خبرات وتجارب ثمنية بعد طي صفحات الاقتتال المنوه عنه، فضلاً عن ما يوصف به من اعتدال وبعد نظر وتمسكه بالديمقراطية وبالقوانين و الدستور، وحرصه على الوحدتين الكردستانية والعراقية.. الخ من شروط القيادة الناجحة والتي ساهمت مجتمعة في صياغة اتفاقية اربيل 2010. كما يعود الفضل اليه في توحيد رؤى ومواقف الاحزاب السورية الكردية عندما استطاع في وقت سابق من العام الماضي من توحيد مواقف تلك الاحزاب التي جاءت بوضع متميز في كردستان سوريا لا بد وأن يمهد الطريق الى كردستان حرة هناك. وبخصوص الصراع بين الكرد والحكومة التركية، فأنه لم يألو حهداً لحل القضية الكردية في شمال كردستان وابدى وما يزال الاستعداد لانجاح اي اتفاق بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني. صحيح ان أي تحول في تركيا لصالح الشعب الكردي لن يكون الا على يد حزب العمال الكردستاني الذي يعتبر الممثل الحقيقي والوحيد للشعب الكردي في شمال كردستان في هذه المرحلة، الا ان الانفتاح الجزئي والذي مازال ضيقا للأسف من جانب الحكومة التركية، في الاعوام الاخيرة، على القضية الكردية، فان الفضل في بعض من جوانبه يعود الى تنامي العلاقات بين البارزاني والحكومة التركية، فقيل هذه العلاقات لم تكن هنالك اية اشارة حكومية تركية الى القضية الكردية، هذا ومن المقرر ان تنقل محادثات امرالي الى اربيل. من هذا نستنتج، انه وفق الشروط والاوضاع الحالية للحركة القومية الكردية، فان البارزاني يبقى عاملا مؤثرا في التقدم بهذه الحركات نحو الامام وفي ما يخص الحركة القومية الكردية في شرق كردستان يكفي ان نعلم انه عقدت اجتماعات ومؤتمرات على طريق توحيد الصف الكردي هناك في اربيل واخر مؤتمر عقد فيها هو مؤتمر حزب الحرية الكردستاني.
عود الى مستهل المقال، وحاجة الجميع الى البارزاني، لحل الأزمات العراقية وسد الطريق امام نشوب الحرب الأهلية في العراق، إلا أنه من الصعب جداً ان لم نقل من المستحيل ان يوفق البارزاني هذه المرة في تذليل الصعاب، بعد ان بلغت الأوضاع في العراق درجة من التفاقم والسوء، بحيث يصعب على البارزاني حتى وان كان مسنوداً بقوى اقليمية و دولية و داخلية من تكرارتجربة اتفاقية أربيل. فلقد بلغ الصراع ذروته بين المكونات الاجتماعية الكبيرة الثلاثة: الشيعة والكرد والسنة نتيجة عدم التزام الحكومة العراقية بمبادرة البارزاني او اتفاقية اربيل، وبعد ان استنفدت كل المساعي والتجارب لوأد الصراع المخيف المتفاقم، واذا كانت اتفاقية اربيل قد جاءت بدرجة اولى لاصلاح ذات البين بين الشيعة والسنة، فان الكرد بدورهم لم يعودوا جزءاً من الحل جراء الوضع المتدهور بينهم وبين الحكومة العراقية في المناطق المتنازع عليها، وسيدخل البارزاني عملية حل الازمات هذه المرة كحكم وخصم في ان معاً. خصوصاً بعد أن صار التناقض ثلاثياً بعد ان كان ثنائياً ان جاز القول، وان السنة في منطقتهم المسماة بالمثلث السني في حالة ثورة على الحكومة العراقية منذ اكثر من شهرين، وفي المناطق المتنازع عليها يتخندق الجيش العراقي والبيشمركة ضد بعضهما بعضاً وهكذا بعد ان سبق السيف العذل كما يقول العرب وبعد خراب البصرة كما يقولون ايضا. عليه فان تقسيم العراق بين تلك المكونات هو الحل الاول والاخير والوحيد لانقاذ العراقيين من النزاع الدموي الذي يعانون منه، وعلى القوى الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وروسيا الاتحادية، وكل العقلاء في العراق التحرك باتجاه التقسيم ووضع حد نهائي والى الابد للمأساة العراقية. وتبقى الحاجة الى البارزاني قائمة كونه سيد العارفين بالحلول وان تقسيم العراق سيد الحلول.
1109 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع