الشيخ /الدكتور محمد البرزنجي
ذكرنا في الحلقات السابقة ان ايران أهدت المالكي وصفة سياسية جاهزة لقمع المتظاهرين والتعامل مع الحراك السني في المحافظات الستة، ولقد أثبتت الوقائع على الأرض صدق ما توقعناه، فقد بدأ المالكي بتنفيذ الوصفة الإيرانية من طريقين في آن واحد:
الطريق الاول تعذيب المعتقلين حتى الموت داخل السجون والاغتيالات خارج السجون وشن حملة اعتقالات جديدة والطريق الآخر هو تضييق الخناق على المتظاهرين واستفزازهم وفي الوقت ذاته إشغال قادة التنسيقيات بالتفاوض واستقبال الوفود والمماطلة والتسويف كسبا للوقت ريثما يحصل خرق حقيقي في جسم الحراك فهذه الطريقة من التعامل برأي المالكي تدفع بالتدريج نحو عسكرة الحراك ومن ثم دخول المنطقة في أتون صراع لا يعلم مداه الا الله .. ولقد ذكرنا الجوانب الإيجابية في الحراك ومنها جمع فرقاء البيت السني حول مطالب الحراك ودعمه وإيصال قضية مظلومية السنة الى العالم والمحافظة على زخم وسلمية الحراك والتحلي بأقصى درجات الحكمة وضبط النفس في وجه الاستفزاز اليومي حفاظا على أرواح ودماء المتظاهرين والتأكيد على عدم استعداء الحراك للطوائف والأعراق الاخرى واتفكير الجدي في لتقارب مع إقليم كردستان العراق والاعتزاز بانتماء الجماهير لأهل السنة والجماعة كهوية وشخصية بالتزامن مع ما اثبتوا من وطنية حقيقية لان المقاومة التي اجبرت الاحتلال على الانسحاب كانت سنية بامتياز فلا يستطيع احد ان يزايد او يزيد على وطنيتهم وأخيرا فإن قيادات الحراك متمثلة بالتنسيقيات استطاعت وبجدارة قيادة الجماهير خلال الفترة الماضية هذه باختصار امتيازات الحراك ..
فما هي التحديات التي تواجه الحراك ؟؟ وما هي وسائل التعامل معها ؟ وهل التنسيقيات بشكلها الحالي جاهزة للمواجهة الطويلة ؟ وهل هنالك مشروع واضح المعالم كي يسعى الحراك لتنفيذه؟ في مواجهة خطة اقليمية ممنهجة مستمرة لتصفية اهل السنة والجماعة في العراق أو على الأقل أهداف قصيرة المدى ؟ قابلة للتحقيق كالمطالب التي رفعها المتظاهرون ومنها اسقاط المالكي الذي اذاق الشعب العراقي مر الهوان ؟هذه أسئلة وتحديات مطروحةأمام قادة الحراك تدفعهم نحو التغير المستمر نحو الافضل و التطور والمراجعة المستمرة في مواجهة واقع سريع التغير والتقلب والتآثر .. التحدي الأول ان الحراك لا يواجه المالكي وحده بل يواجه مكر ودهاء القيادة الايرانية وهذا ما يدفع قادة الحراك الى توسيع تشكيلتهم القيادية حتى تكون قيادة أوسع وأقوى و بمستوى التحدي الراهن ولعل تشكيل ما يشبه برلمان ميداني مصغر لاهل الانبار خطوة في هذا الاتجاه وهذا دليل على وعي قادة الحراك وحيويتهم ويقظتهم فلا يمكن الاستغناء عن أية طاقة مهما كانت وليس اليوم وقتا مناسبا لتصفية حسابات سياسية بين رموز سابقة تخالف بعضها البعض
كما أنَّ الحراك بحاجة الى جميع شيوخ العشائر الغيارى لثقلهم العشائري وقد قدموا تضحيات من ابنائهم منذ احتلال بغداد والحراك بحاجة ماسة الى جميع علماء الدين الربانيين بالرغم من اختلاف بعضهم فهم تيجان على الرؤوس وقد نالهم من المحنة حصة الاسد والحراك بحاجة الى الساسة المخلصين المحنكين الصادقين الذين لم تغرهم المناصب فممارستهم للسياسة في دهاليز مظلمة ومعقدة وشائكة أكسبتهم خبرة لا يستهان بها في التعامل مع قيادة طائفية مستبدة تريد الاستحواذ على كل شيء ولا تعطي الطرف المقابل اي شيء ... ثم ان الحراك بحاجة الى جميع قادة المقاومة الوطنية الشريفة التي لم تتلطخ ايديها بدماء العراقيين الابرياء والتي أجبرت أعتى قوة محتلة على الانسحاب من العراق، ولنا قدوة وأسوة في سيرة المصطفى عليه افضل الصلاة والتسليم فقد علم أصحابه كيف يكون الانتفاع من كل طاقة إيجابية في المجتمع واستغلالها في خضم معركة الدفاع والبناء في آن واحد حتى لو كان من اصحاب العوق الجسماني، كما حينَ عيَّنَ (صلى الله عليه وسلّم) ابن ام مكتوم (رضي الله عنه) أميراً على المدينة في غيابه، وانتفع ممن أخطآ حتى لو كان خطأه جسيماً كحاطب ابن ابي بلتعة (رضي الله عنه) بل وصل الحد به عليه الصلاة والسلام ان استغل طاقات من هم خارج مجتمع المدينة، فقد انتفع من طاقات عمّه العباس (رضي الله عنه) حتى قبل اشهار اسلامه، حينما كان مقيماً في مكة المكرمة، في صفوف قريش المعادية يومها للإسلام، وكذلك انتفع (صلى الله عليه وسلم) من علاقاته الطيبة بدولة الحبشة المسيحية.. ولقد حاول القادة المُجدّدون أن يقتدوا بسنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده، فالسلطان الناصر صلاح الدين (وحوله كوكبة من العلماء والأمراء والقضاة ) استثمر قوى عدة وطاقات مختلفة لتنفيذ مشروع الأمة، فاستغل منصبه كوزير للخليفة العاضد في الدولة العبيدية في مصر ونيابته عن الملك العادل نور الدين زنكي في الشام وانتمائه للخليفة العباسي السُني في بغداد، وانتفع من مساندة وتأييد أقباط مصر الشرفاء الذين كشفوا له مخططات البيزنطة، اقول (انتفع) من هذه العوامل والطاقات كلها في آن واحد لإنجاز مشروع الأمة الوحدوي التحرري
وللحديث صلة ...
د محمد البرزنجي
1409 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع