ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
قصة تهجير يهود العراق يرويها المستشار القانوني الاستاذ زكي جميل حافظ
المحامي والمستشار القانوني الكبير المرحوم الاستاذ زكي جميل حافظ أعد دراسة مهمة وخطيرة كشف فيها ان التنظيم الصهيوني في العراق ، كان موجودا منذ العشرينات من القرن الماضي ، وأن اليهود كانوا يشكلون حكومة ظل في بغداد بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة سنة 1921 ، وانهم اي اليهود كانوا وراء تهريب الجنود البولونيين العاملين في كركوك حين وضعتهم المنظمة الصهيونية في براميل وهجرتهم الى اسرائيل وحصلت على اختام وجوازات سفر جديدة اتخذت من كنيس يهودي في محلة الطاطران دائرة رسمية تعمل في الليل لتسفير رعاياها الى قبرص ومن ثم الى اسرائيل ، وقد اتخذت الحركة الصهيونية من جريدة اليقظة (البغدادية ) واجهة لتمرير مخططاتها الاجرامية من خلال بلاغ كاذب إنطلى على صاحبها المرحوم سلمان الصفواني ومديرها المسؤول زكي جميل حافظ ...كل هذه الاسرار وغيرها كشفتها مجلة الرافدين في عددها الثالث السنة الاولى 9 تشرين الثاني سنة 1991 وقد تولى الصحفي المبدع رشيد الرماحي إعداد الملف عاونه في التصوير رشيد الشبلي حين تحدث الاستاذ زكي جميل حافظ وهو يستعين بالوثائق ويقول :"كنت في فترة الخمسينات قبل صدور قانون اسقاط الجنسية عن اليهود في عهد وزارة توفيق السويدي مديرا مسؤولا لجريدة "اليقظة " لصاحبها الاستاذ سلمان الصفواني وكان مقر الجريدة في محلة الحيدرخانة في شارع الرشيد وكنا نعرف ان هناك تنظيما سريا صهيونيا يعمل لتهجير اليهود العراقيين بشتى الطرق ، ومن ذلك تأسيس شركة طيران في بغداد تعاقدت مع الحكومة العراقية لنقل اليهود الراغبين بالهجرة الى قبرص وكانت تريد نقلهم الى تل ابيب مباشرة الا ان الحكومة العراقية رفضت ذلك وأصرت على ان يتم النقل الى قبرص خوفا من المعارضة الشعبية .
كما ان الحكومة العراقية وضعت قيودا على إخراج اليهود لاموالهم فلم يسمح لهم بإخراج الذهب او النقود الابحدود معينة لكن الذي جرى كان عكس ذلك كان عملية تهريب واسعة النطاق شملت نقلهم وما معهم وكل ما يريدون ومما ساعدهم على ذلك عناصر في الحكومة مرتشية فضلا عن انه كان لهم نفوذ على بعض اجهزة الدولة التي تعاونت معهم سرا .
وثمة تفاصيل في كتاب نشره جيش الدفاع الاسرائيلي عن الحركة الصهيونية في العراق وترجم الى العربية وفيه كل الاسماء والحوادث موثقة بالساعة والدقيقة .يقول الاستاذ زكي جميل حافظ انه قرأ الكتاب ووجد ان الصهيونية كانت تخشى المعارضة العراقية الشعبية وخاصة حزب الاستقلال ذو التوجه العربي القومي .
كانت الحركة الصهيونية تحاول خلق حالة من الفوضى لتنسحب على يهود العراق ، وتبرر التدخل الاجنبي وفي الوقت نفسه لتضغط على الحكومة العراقية لكي توافق على اصدار قانون اسقاط الجنسية على اليهود ، وهذا الضغط كان يتطلب اساسا ان يتولى التنظيم الصهيوني تنفيذه من خلال سلسلة من الاعمال التخريبية في بغداد وبقية الالوية أي المحافظات العراقية ليمثل الصفحة الاولى من المؤامرة .
كانت جريدة اليقظة تنشر مقالات تفضح هذا المخطط وهي معروفة بتوجهها القومي العربي الاسلامي ، وكان اليهود يحسبون لهذه المقالات ألف حساب .وفي احد الايام دخل على ادارة الجريدة يهودي عراقي وكان الاستاذ سلمان الصفواني صاحب الجريدة حاضرا ومعه الاستاذ زكي جميل حافظ وبعد ان عرفهم بنفسه قال انه " الياهو" ويجب ان لاتستغربوا من دخولي هذه الجريدة التي ناصبت الصهيونية العداء وانه حريص على سلامة العراق وحتى لاتتهمون كل اليهود وتفرقون بين اليهودية كدين والصهيونية كحركة سياسية وان لديه معلومات يريد ان يخبر الجريدة بها ومما قاله ان في العراق حركة صهيونية كبيرة تقوم بتدريب الشباب اليهودي على استخدام السلاح والمتفجرات وانها اقامت عدة كمائن في بغداد واني أعرف واحدة من هذه الكمائن .
خرج الاستاذ سلمان الصفواني الى غرفة ثانية واتصل سرا بوزارة الدفاع واخبرهم بالموضوع فارسلت الوزارة ضابطا بلباس مدني وطلب من اليهودي ان يدله على المكان الذي وضعت فيه الاسلحة فقاده الى محلة الطاطران قرب الشورجة وجرى تفتيش البيت فعثر فيه على أسلحة متنوعة من بينها مسدسات وقنابل وافتضحت العملية عندما جرى فيها تحقيق رسمي تطور فيما بعد واتسع ليشمل مخازن اخرى للاسلحة وواحدة منها الكنيس اليهودي في البتاويين فضلا عن النادي الخاص المجاور لبدالة السنك حيث كان الشباب اليهودي يذهب الى النادي ومن ثم يتم تجميعهم واخذهم الى جزيرة أم الخنازير بحجة النزهة النهرية وهناك يبدأ التدريب على السلاح .وقد اظهر التحقيق ان هناك مخططا كبيرا لنسف جسور بغداد والاماكن الحيوية ، وقد القي القبض على من اشتبه بهم فأعترفوا بكل شيئ .
يقول الاستاذ زكي جميل حافظ انه والاستاذ سلمان الصفواني اكتشفا بعد مرور عدة سنوات ، وفي جريدة اليقظة بالذات انهم كانوا ضحية لعبة صهيونية كبيرة كانت تستهدف خلق ضجة مفتعلة ضد العراق في المحافل الدولية بزعم ان اجراءات السلطة ضد يهود العراق كالتشديد عليهم ومراقبتهم وحبس قسم منهم بعد إحالتهم الى المحاكم وتحقق ذلك فعلا حين أعدم (عدس ) الداعية الصهيوني المعروف وظهر ان التنظيم الصهيوني له جذور عميقة وتحقق اول هدف عندما طالبت الولايات المتحدة الاميركية بأن تتدخل لدى الحكومة العراقية لرفع الضغط على اليهود أو السماح لهم بالهجرة وقد ارسل الرئيس الاميركي هاري ترومان زوجته الى بغداد لاستقصاء الحقائق عن اوضاع اليهود في العراق بالتعاون مع بعض الجهات الرسمية ، وكان الهدف من كل ذلك الحصول على معلومات استخبارية وعلى اساسها يتم اتخاذ الموقف من الحكومة العراقية ومن الغريب ان زوجة الدكتور محمد فاضل الجمالي رئيس الوزراء العراقي الاسبق وهي اميركية الاصل تعاونت مع زوجة الرئيس الاميركي في تزويدها بما كانت تطلبه من وثائق ومعلومات واكتشف بأنها هي التي وجهت الدعوة لزوجة الرئيس الاميركي لزيارة بغداد واستضافتها لعدة اسابيع .
لقد احتضن التنظيم الصهيوني في بغداد زوجة الرئيس الاميركي وتولى حمايتها ، ونظم لها زيارات للمناطق والمحلات التي يسكنها اليهود وزودها بأدق التفاصيل التي اعانتها على تقديم تقرير مفصل للحكومة الاميركية حول ما اسمته "إضطهاد يهود العراق " ، ودعت الى تدخل الولايات المتحدة الاميركية لحمايتهم بإعتبار ان العراق خرق اتفاقيات حقوق الانسان وعلى هذا الاساس لابد من السماح لليهود بالهجرة .
بدأت المفاوضات بين الحكومة العراقية وحكومة الولايات المتحدة الاميركية وكان رئيس وزراء العراق انذاك توفيق السويدي وكان المفاوض اليهودي عراقي الجنسية جاء العراق بصفة مدير مسؤول لشركة نقل بريطانية ستتولى نقل اليهود الى قبرص وتمت المفاوضات في بيت رئيس الوزراء وقد دخل خادم رئيس الوزراء ليقدم القهوة العربية فإختار السويدي اولا لكنه طلب منه التقديم للضيوف اولا فإمتثل للامر وبعد تناولهم القهوة تم الاتفاق على ان تتولى شركة (نيرن ) تقديم الخدمات الارضية فتوصلهم الى المطار ومن هناك تنقلهم الشركة البريطانية الى قبرص ، وظهر ان رئيس الوزراء توفيق السويدي كانت له حصة في أسهم شركة نيرن .كما ان المفاوض اليهودي بعد ان حصل على كل ما يريد اراد ان يتمتع بجو بغداد التي كان قد غادرها قبل سنة من قدومه اليها ثانية فأقام له اليهود وليمة سمك مسكوف في شارع ابي نؤاس استمتع بها بعد تناوله النبيذ المعتق حتى عاد الى فندق سمير أميس الذي كان يحل فيه .!
ووفق المخطط المرسوم تحول تهريب اليهود في العراق الى العلن بعد ان كان سريا .فضلا عن ذلك فأن التنظيم الصهيوني استفاد من وجود القوت البولونية المرابطة في كركوك اثناء الحرب العالمية الثانية فتولى تهريبهم الى فلسطين المحتلة مسغلا اجازاتهم الدورية التي يقضونها في بغداد فتم جمعهم ووضعهم داخل حاويات ارزاق بريطانية ولتحاشي التفتيش وضعوا داخل براميل وصناديق محكمة السداد وتحملوا مشقة الطريق الطويل حتى وصلوا الى فلسطين المحتلة .
لقد كشف تقرير نشره الجيش الاميركي كيف ان التنظيم الصهيوني في العراق كان ينقل كل اختام دائرة الجوازات العراقية ليلا من مديرية السفر والجنسية الى مقر التنظيم في الكنيس اليهودي بمحلة الطاطران ببغداد وكان هناك مختصون تولوا اصدار جوازات سفر أصولية لليهود المغادرين وعند الفجر تعاد الاختام الى الدائرة المختصة ولربما كان هناك تنسيق مع الدائرة نفسها وبعلم الحكومة .
وبهذه الطريقة تمت عملية تهريب اليهود العراقيين - كما يقول الاستاذ زكي جميل حافظ - سرا وعلنا الى اسرائيل فكسبت اسرائيل قوى بشرية اضافية مثقفة تمتلك خبرات واسعة في شتى المجالات وكان من بين اليهود اطباء وتجار ومهندسون واساتذة كليات ومحامون . ومن الطريف الاشارة الى ان عددا من المحامين الفلسطينيين الذين حضروا اجتماعات المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب الذي عقد أحد جلساته في مدينة غزة سنة 1956 اخبروا زملائهم المحامين العراقيين ان الجهاز الاداري الذي حكم مدينة غزة والضفة الغربية في اعقاب الاحتلال الصهيوني كان من اليهود العراقيين الذين هاجروا الى اسرائيل وبينهم حتى من الشرطة والقضاء والمحققون وانهم عاملوا الفلسطينيين بلطف ليس هذا فقط بل ان مدير الشرطة في القدس كان من يهود العراق وكذلك وزير الصحة ومعظم العاملين في الاذاعة والتلفزيون واجهزة الاعلام الاخرى
___________
*الصور :الكنيس اليهودي في محلة الطاطران ببغداد القريبة من الشورجة وأمامه اليهودي وشرطة التحقيقات الجنائية -الصحفي سلمان الصفواني –توفيق السويدي رئيس الوزراء انذاك - المستشار القانوني زكي جميل حافظ -المسدسات والمتفجرات التي عثر عليها في الكنيس
1947 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع