الدكتور مهند العزاوي*
الدبلوماسية والحرب في توازن القوى الدولية
اصبحت نظريات العلوم السياسية لا تواكب التطورات والتحولات السياسية الدولية الجارية , خصوصا في مجال العلاقات الدولية وتوازن القوى, ويبرز فشل عنصر الدبلوماسية الدولية في تحقيق التوزان وحل الازمات وايقاف الحروب , فضلا عن غياب الادارة الرشيدة للعالم التي تحقق بدورها التوزان الدولي الفعال وسياسات الردع, وتعتمد المؤسسة التنظيمية للنظام الدولي على خمس عناصر اساسية وفقا (هيلي بول المدرسة الانكليزية في العلاقات الدولية ) هي :-
1. الدبلوماسية
2. الحرب
3. القانون الدولي
4. ادارة القوى الكبرى[1]
تعددت النظريات السياسية والاراء بهذا المجال الحيوي في ظل التحولات واختلاف القوى الدولية على ادارة النظام الدولي بين ثلاثي القوة الامريكي والاوربي والاسيوي , ومن وجهة نظري اجد ان "القوة جوهر الصراع" والحرب ابرز الادوات السياسية لتحقيق الاهداف الاستراتيجية المشروعة والغير مشروعة , لاسيما ان العالم اليوم في مخاض عسير وفقا للجغرافية الحربية المعاصرة ونتائجها , حيث نشهد صراع قوتين دوليتين على المسرح الحربي هما ( روسيا والولايات المتحدة) في قلب الشرق الاوسط , مما يجعلنا نفكر ماهو القادم؟ في ظل انهيار عدد من المحاور الجيوسياسية العربية وماهو شكل الشرق الاوسط الجديد؟ في ظل غياب الدبلوماسية الفاعلة دوليا !.
التحولات الدولية
يدخل العالم مخاض التحولات المركبة وبمسارين مختلفين , الاول "المدرسة التقليدية" التي تعتمد نظرية الدولة , والمسار الثاني الذي يعتمد المجتمع الفوضوي , والصراع كما يبدو لصالح الاخير , واعتقد ان العلاقة بين النظام الدولي والمجتمع الدولي غير مكتملة الى حد كبير ومضطربة, لاسيما ان التوازن الدولي بين القوى الكبرى لم يعد عامل فاعل في السياسة الدولية , حيث نشهد تفاهمات ميدانية تخالف السياسات التقليدية , واندثار محاور وبروز تحالفات وقتية متذبذبة لاتتسق بالجغرافية السياسية , وتنتقل الدول من معسكر لاخر وبشكل مضطرب , دون الاستناد الى القيم والمعايير السياسية التي حكمت المحاور الجيوسياسية سابقا , ولابد ان نميز بين عنصري الحرب والصراع على صدارة القوة بين عالم قطبي كما كان او متعدد الاقطاب كما يبدوا الان , ولابد ان نميز عنصري التعاون والتعامل بين دول الكبرى ودول الانابة التي تشغل مسرح الصراع , وفي ظل التقلبات والتحولات السياسية المعاصرة في المسرح الدولي المخضب بالحرب والصراع , نشهد انهيار واضح لمعادلة التوازن الدولي منذ تفكك الاتحاد السوفيتي 1991 , حيث شرعت الولايات المتحدة الامريكية بترسيخ نظام دولي جديد يعتمد تفوق القوة والحرب كمعيار اساسي للتغير , حيث كانت حربي الخليج الثانية والثالثة 1991 -2003 قد اسست للنظام العالمي الجديد وفتحت مسرح الصراع الاستراتيجي بمختلف المسالك الغير مالوفة , ولعل الفوضى من ابرز هذه المسالك, حيث جعلت من قلب العالم في الشرق الاوسط مسرحا واسعا للصراع واستعمال القوة من قبل القوى الدولية المختلفة [2] , ونشهد اليوم التحولات المركبة في مسارح الصراع الدولي والتحول الى عالم متعدد الاقطاب بعد ان تخطى القطبية الثنائية والقطبية الفردية , كما ويبرز بوضوح عامل القوة الذاتية والمكتسبة والموارد الحربية اللامتناظرة التي اصبحت العامل الجوهري في الحروب المركبة المعاصرة[3]
فشل دبلوماسية التوازن
يعتمد توازن القوى على وجود شبكة دبلوماسية واسعة وبعثات دبلوماسية دائمة مابين الدول , لتحقيق الاتصال السياسي وترقب مسار التحولات في كل دولة , ونظرا لتشابك العلاقات الدولية ومصالح الدول وسيولة التحولات السياسية يعد من الضروري وجود القنوات الدبلوماسية[4] التي تسهل تحقيق التوزان في القرارات والمواقف بغض النظر عن حجم وقوة الدولة , ويقول "هيلي بول " (ان تحرك اصغر دولة قد يكون له تداعيات على اقوى الدول ) كما ان الدول تحاول ان تترك لخصومها انطباعا مؤثرا حول قوتها العسكرية ليكون ذلك عامل ردع , ويبرز من خلال المناورات العسكرية وحمى التسلح النووي والصاروخي , مما افقد العالم توازن الرعب في مناطق الصراع , ومن الطبيعي ان كل دولة تطور استراتيجياتها وفقا للمعلومات الواردة والمعطيات المتوفرة عن تطور القوة والنوايا والاستعدادات للاخرين , ناهيك عن هوس التطور الحربي في مكننة الحرب والحيازة النووية وتوظيف الفضاء وتطويرسلاح الجو وتلك سمات القوى العظمى التي تمتلك القوة Super Power , وفي ظل هذا المناخ لابد ان يبرز الدور الدبلوماسي والقوة الذكية [5] , حيث تشكل الدبلوماسية احد عناصر التوازن الدولي , وحيثما تفشل الدبلوماسية يتعالى صخب الحرب والقوة كما نراها اليوم تفشل الدبلوماسية بين الدول الكبرى لتضع الحرب اوزارها وهي العنصر الاخير في حلقة التوازن الدولي الذي يبدوا فاعلا .
عنصر الحرب في توازن القوى
تعد الحرب من ابرز عناصر التوازن الدولي , واداة السياسة وعنصر دائم سيال في الواقع السياسي الدولي , وتهدد بقاء المجتمعات البشرية من جانب والمجتمع الدولي من جانب اخر , ولذلك يرى الخبراء ان التوزان الدولي يمنع اشعال الحروب , ولكن الحرب سوق حيوي مهم لديمومة اقتصادات الدول الكبرى , لاسيما انها تفتح منافذ تجارية كالامن , السلاح , الاعلام , مراكز الدراسات, التمويل الانساني وكذلك التحول السياسي المطلوب والهيمنة على الثروات الاستراتيجية , كما وتعد الحرب من ابرز وسائل الردع للقانون الدولي ضمن مأسسة الحرب , وهذا كان معمول به نسبيا سابقا , ولكن اليوم تشن الحروب في مواقع متعددة من العالم وتخوضها الدول الكبرى بشكل مباشر او بالانابة لغرض تحقيق مصالحها المشروعة والغير مشروعة , ولم يشهد العالم اخضاع دولي وفقا للقانون الدولي خصوصا بعد انفراط التجانس الدولي للقوى الكبرى , وقد اصبح التنافس الثلاثي الدولي بين اقطاب اسيا واوربا واميركا ياخذ منحى القطبية وخوض الحرب خارج اطار الشرعية , وهذا ما اطلقنا عليه في فن الحروب المعاصرة بـ "الحرب الدافئة " [6] حيث يتم خوض حروب غير معلنة او مشرعنة قانونيا لسنوات وتكون الامم المتحدة وسيط حربيا غير مؤثر, والمجتمع الدولي غير قادر على اتخاذ قرار او استخدام القانون الدولي لردع دول الحرب المختلفة , مما جعل الحرب سمة طبيعية لتحقيق المصالح الشرعية والغير شرعية للدول المتمركزة , دون الاخذ بنظر الاعتبار الكلفة البشرية والمادية للحرب على شعوب العالم , ولذلك تبرز كبديل التوازنات الهشة والتحالفات الحربية المؤقتة والمحاور السياسية الطارئة لمعالجة الخلل البنيوي في توازن القوى الدولية وخصوصا عنصرالحرب .
يشكل التوزان الدولي صمام الامان للمجتمع الدولي الذي يمنع نشوب الحروب , ولكن الواقع لم يعد هناك تماس فعلي بالعناصر الحاكمة كالقانون الدولي ومجلس الامن الذي يردع المجتمع الفوضوي , وعلى العكس نشهد الحروب المتعددة في رقع استراتيجية مختلفة , حيث تختلف سماتها عن حروب الماضي , كون الحروب المعاصرة تتسم بالمزج الحربي للقوة النظامية والقوة اللامتناظرة , وهلامية الاهداف وغياب الحسم العسكري , لاسيما ان المعاناة الانسانية تتعاظم من حروب التغيير الديموغرافي المستهدفة للمجتمعات المحلية , حيث تقطعها بشكل ناعم الى طوائف واقليات وكذلك التقطيع الصلب الى كيانات موازية مسلحة تديم مسرح الحروب وتطيل امدها , كما يبدوا ان عناصر التوازن الدولي قد تفككت كالقانون الدولي والدبلوماسية وفشل ادارة القوى الكبرى ليبقى العنصر الاخير فاعلا وهو الحرب .
*خبير استراتيجي
الأحد، 06 آب، 2017
[1] . هيلي بول , المجتمع الفوضوي , 1977 , انظر ريتشلرد ليتل , توازن العلاقات الدولية , دار الكتاب العربي , بيروت , 2009
[2] . يقول والتز , ان نظرية السياسة الدولية مثل تاريخها موضوعة بحيث تاخذ في الاعتبار القوى الكبرى في اي فترة معينة وهذا الاسلوب شائع بين علماء السياسة الا ان الاسلوب السائد لا يكسف السبب الاكمن وراء تلك العادة , ويتابع قائلا ان الوحدات الاقوى هي التي تعد مسرح العمل للاخرين ولها هي نفسها , المصدر نفسه ص 209
[3]. الحرب المركبة , انظر مهند العزاوي , مركز صقر للدراسات , الاستراتيجية العسكرية وفن الحرب , 2016
[4] . وتعرف الدبلوماسيّة بأنها وسيلة التفاوض بين الأمم، والذي يشتمل على صياغة السياسات المتبعة من قبل بلدان للتأثير على بلدان أخرى، والفشل في عملية التفاوض هذه والمساعي الدبلوماسية التي بذلت، فشلها يعني نشوب الحرب على الأغلب
[5] . مفهوم القوة هو أحد أهم المفاهيم في العلاقات الدولية والمفسر الأساسي الذي يمكن الاعتماد عليه في فهم التفاعلات الدولية والمواقف التي تتخذها الفواعل المختلفة. وتظهر أهميته كذلك في فهم الصراعات الدولية وكيفية تجاوب الأطراف فيها بناءًا على قوتها المادية والمعنوية. تطور مفهوم القوة وتعددت اتجاهاته على مر التاريخ فيما بين القوة العسكرية والقوة الاقتصادية والقوة على الاقناع والتأثير حتى العصر الحديث وبزوغ التكنولوجيا الحديثة وتأثيرها على مفهوم القوة سواء كانت المادية أو المعنوية., يمني سليمان , القوة الذكية ـ المفهوم والأبعاد: دراسة تأصيلية , 2016
[6] . انظر مهند العزاوي , الحرب الدافئة , مركز صقر للدراسات الاستراتيجية 2015
813 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع