د.سعد العبيدي
تظاهرٌ في اماكن عدة بالعراق الذي تغرقه التظاهرات، في مرحلة انتقال سياسي أعطت الحق للمواطن ان يتظاهر، وأعطت الحق لأجهزة الدولة المعنية في أن تحافظ على روح المتظاهر، واعطت الحق للمشاعر الوطنية أن تستشرف بين أكوام المعاناة عن اسباب التظاهر....
أسباب تعد في وقتنا الراهن كثيرة، شائكة ومتعددة، بعضها لا تَدركُ الاجهزة الحكومية أن تعاملها غير الصحيح أو التقصير في المهام يشكل دافع لسلوك التظاهر، في الوقت الذي يحسها المواطن صاحب الشأن في داخله معاناة مكبوتة لا يشعر بالراحة من وجودها في خلايا عقله المضطربة الا بالتظاهر. لنأخذ واحدة من هذه المعاناة المكبوتة التي تتمثل في معادلة العلاقة بين عناصر الامن والقيم والسياسة، فالأمن موجود في كل مجتمع بشري من واجبات عناصره الاساسية المحافظة على أمن المواد والاشخاص والمعلومات وعلى نظام الدولة وسلامتها، باجراءات تحكمها القوانين التي تنظم العلاقة بين العنصر الامني المعني بالتنفيذ والمسؤول السياسي والاداري الذي يصدر الامر، وبين المواطن الجاني أو المجني عليه.... علاقة تتأسس على منظومة قيم تُسَيّر المجتمع الذي يتواجد فيه المواطن والعنصر الامني سوية، منها على سبيل المثال الشعور بالحيف او الظلم والاخذ بالثار ومنها التعامل مع المرأة بطريقة لا تخل بشرفها، وغيرها أخرى تعد من بين العوامل التي تحرك السلوك الانساني سلبا أو ايجابا.
وتتأسس كذلك على المنظومة السياسية التي تدير شؤون الدولة والمجتمع، فهي التي ترعى المواطنين، تساوي بينهم في الحقوق والواجبات، تدافع عن وجودهم أبناء لا فرق بينهم ضمن الاطار الابوي للدولة كعائلة اكبر، تُيسر لهم سبل العيش المرفه، تحول دون اضطهادهم، تأخذ بايديهم في البناء والتعمير. في علاقة قيمية يشكل فيها المواطن رأيه مع أو بالضد من السياسة، رايا يحرك سلوكه سلبا او ايجابا من أهل السياسة وأجهزة الدولة.
انها معادلة حساسة، خاصة في المجتمعات التي تعاني خللا في التجانس الاجتماعي مثل العراق، فمحقق من أهل الجنوب يستجوب أمرأة من أهل الشمال في قضية أمنية على سبيل المثال قد تفسر كثيرا من حركاته غير الارادية تفسيرا من المرأة وأهلها وعشيرتها تختلف فيه المقاصد عنه فيما اذا كان المحقق من أهل الشمال ومن ذات المذهب والقومية. وحارس من أهل الشمال يحرس أمرأة متهمة بقضية اخلال بالامن من أهل الجنوب، تفسر كل حركاته غير المقصودة تفسيرا مختلفا عنه فيما اذا كانا الاثنان من نفس المذهب والقومية. وهكذا يستمر الحال وتختلف الرؤى والتفسيرات في عراق بات حساسا فيما يتعلق بالتفسيرات، لتصل حد المغزى من طلقة يطلقها جندي فيما اذا كان سنيا او شيعيا أو كرديا من أهل الشمال.
وهي معادلة دقيقة وخطيرة في كل المجتمعات البشرية خاصة تلك التي تتكون من اثنيات مختلفة، تقتضي ضرورات الحكم الناجح فيها أن يلتزم عناصر الامن بالاصول والقيم والقوانين الى ابعد الحدود ويتدربوا على الالتزام، وأن يُراقبوا من اهل السياسة لما يتعلق بالالتزام، وتقتضي أيضا أن يلتزم اهل السياسة بالعدالة ميزانا دقيقا، وبالابوة في التعامل مع الجميع أبناء لا فرق بينهم، وأن يتناسوا كل الاحقاد، ويتركوا خلفهم معاناة الماضي، ويفتحوا لهم صفحات بيضاء قبل ان يطلبوا تبييض صفحات الابناء.
وهي كذلك معادلة صعبة، تكررت الاخطاء التي ارتكبها أهل الامن والسياسة في مجالها على ألسنة المتظاهرين في الانحاء المتفرقة من العراق ، وستبقى هكذا تتكرر الى الوقت الذي يقام فيه التوازن العقلاني بين عناصر الامن والقيم والسياسة، ويقتنع على اساسه المواطن أنه ابن للدولة التي يحسها العراق. ... والى ذلك الحين سيبقى الجرح مفتوحا لكل الاحتمالات.
11/2/2013
1164 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع