الدكتور/ محمد البرزنجي
ست محافظات من بينها دار السلام بغداد تنتفض وتنفض عن كاهلها غبار عشر عجاف بعد عجز الساسة واختلاف الرموز ولقد فاجأ قدر الله الجميع بخروج الحشود الشعبية الغاضبة مزيجا من(شيوخ العلم وشيوخ العشائر والشباب الثائر) ..
وفي المقابل حاكم مستبد جمع السلطات في قبضته يماطل ويراوغ ويسوف أحيانا أو يزبد ويرعد احيانا اخرى وعاد الاغتيال السياسي والموت تحت التعذيب ونشطت على جناح السرعة ميليشيلت القتل والرعب وهي تعلن على الملأ أنها ستذبح السنة فما هو حصاد خمسين يوما مشهودا من أيام المحافظات العراقية الستة التي أزاحت بالأمس القريب عن كاهل العراق احتلال أعتى قوة استعمارية مجهزة بأدق تقنية علمية وأحدث صناعية عسكرية.فكان جزاءها أن زج بأبنائها في غياهب السجون واذا كان فرعون قد قتل الولدان واستبقى النساء فحملة التصفية الطائفية اليوم لا تستبقي ذكرا ولا أنثى ..قبل ذكر الجوانب الإيجابية للحراك نود ان نقول أن الله سبحانه لم يخلق الكون هملا كي يسلمه لقيصر كما قال بعض فلاسفة اليونان قديما ولم يسلمه للقوى الكبرى كما يتصور اليوم المترفون المتخمون من سماسرة الحرب والمال بل سبحانه يكيد لعباده المظلومين ويحيطهم برعايته ويضل كيد الظالمين الخائنين ويقصم فقار ظهورهم وهو سبحانه يدير شؤون الكون والعباد كل يوم وصدق الله ( كل يوم هو في شأن) وصدق سبحانه(إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا)والله سبحانه قدر لهذه الجموع الغاضبة المظلومة المنتفضة ان تخرج دفعا لظلم الظالمين وصدق الله (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين) أما حصاد الحراك الشعبي العراقي السني بامتياز ففيه أمور إيجابية تبشر بخير وفيه أمور ضبابية كثغرات في جسم قوي ان تركت بلا دواء وعلاج ورتق زاد الخرق واتسع الفتق ولا بد للحكماء من وقفات متأنية
الأمر الإيجابي الأول أن التنسيقيات بكل رموزها قد آثبتت جدارة في الإدارة والأداء وتجردت من كل الانتماءات الضيقة وزادت يوما بعد يوم من تنسيقها الجيد بين المحافظات فحافظت بتوفيق الله على ديمومة الحراك وسلميته وعدم الانجرار وراء الاستفزاز اليومي المستمر ومن إيجابيات الحراك أن الله سبحانه قد جمع بالحراك المفاجئ الفرقاء المختلفين في ساحات العزة والكرامة و ميز الناس بين أصناف الساسة الذين انتخبوهم كي يدافعوا عن قضاياهم في المحافل فمنهم من باع جماهير المنتخبين بثمن بخس دراهم معدودة ومنهم من نافح ودافع وضًحى بأهله ومنصبه من أجل مصلحة العراق والعراقيين فالذين شاركوا في العملية السياسية ليسوا سواءا ناهيك عن مسألة مجانبتهم للصواب في المشاركة السياسية آم لا فتلك مسألة آخرى وكذلك أظهر الله بالحراك رموز أهل العلم الأجلاء وشيوخ العشائر الغيارى بعد ان ظن الكثيرون بغروبهم من أفق الساحة وهذا إنجاز ثالث وأما الرابع من إيجابيات الحراك ان صوت المظلومية وصل الى العالم الذي وضع أصابعه في آذانه كي لا يسمع صرخات المعذبين والمذبوحين والحرائر المعتقلات وان لا يسمع اصوات ضحايا المجازر الجماعية لا في العقود الغابرة كحماة وصبرا وشاتيلا وحلبجة وسربرينتشا ولا في العقد الحالي في روهينغا و الشام و العراق و في أكناف بيت المقدس ولكن الله الذي سمع قول امرأة صحابية من أسرة فقيرة وهي تجادل في زوجها وسجلها شهادة تقرأ إلى يوم الدين فإنه سبحانه من علياءه يسمع ويرى ما حل بالشعوب المقهورة ولكل شعب مظلوم ساعة خلاص ولكل ظالم مصرع في الورى كما حل بحسني والقذافي ومن خامس إيجابيات الحراك وإنجازاته ان الجماهير المظلومة قد شعرت بأن الله سبحانه قد أعطاها عزيمة وإرادة وشجاعة كي تسمو على الجروح والقروح والآلام طمعا في مستقبل مشرق للأجيال الجديدة والعراق بلد الخيرات لا يستحق ان يبقى طويلا تحت نير الظلم والظلمات وانتهاك الحرمات ونهب الثروات وقتل الطاقات والعراق أرض السوادين ( سواد النفط تحت الارض وسواد الزرع فوق الأرض)لا ينبغي لشعبه ان يستجدي الغرب عملة أو تأشيرة أو ذخيرة أو ميرة والسادس من إيجابيات الحراك كذلك ان جماهيره صمدت في رفعها لشعار مظلومية اهل السنة والجماعة التي كانت بمثابة كلمة السر التي جمعت الحشود وألفت بين القلوب بالرغم من الإرهاب الإعلامي المستمر لتخويف شطر الشعب العراقي من الانتماء والاعتزاز بهويته السنية بتهمة الطائفية سابعا و من إيجابيات الحراك الشعبي الحالي انه نبه الساسة والقادة إلى أمر غاب عن ذهن الكثيرين منهم فقد رآى التركمان وعرب كركوك بأم أعينهم كيف أنهم يخرجون مطمئنين في الاماكن التي يتواجد فيها قوات البيشرمكة الكردية العسكرية النظامية التي تسهر على حماية مظاهراتهم وصلاتهم الجماعية كما في داخل كركوك بينما بمجرد الخروج من كركوك عند مضارب عشائر العبيدات العربية العريقة في الحويجة حيث غياب البيشمركة وتواجد قيادة عمليات دجلة فالجماهير تمنع والطرق تقطع والشباب يعتقل وذلك أمر نبه جميع الأطراف ( الكرد والعرب والتركمان ) الى أمور عدة منها ان عوامل عدة تجمعهم فبالإضافة الى كونهم جميعا عراقيين و مسلمين فهم سنة كذلك وذلك عامل آخر يجمع بينهم ويدفعهم نحو التفاهم والتصالح ثم إن مدينة كركوك مدينة السلام عاش فيها الجميع ( مسلمون ونصارى عربا وكردا وتركمانا) قرونا مديدة على مبدأ التعايش والحياة المشتركة بحلوها ومرها وان لا سبيل للحل إلا بالجلوس إلى مائدة مستديرة وطرح المشاكل بكل صراحة وتقبل الآراء برحابة صدر والسعي لحلها بعزيمة صادقة . وأخيرا وليس آخراً من إنجازات الحراك أن الجماهير المليونية قد أثبتت لجميع آطياف الشعب العراقي آنها لم تخرج استعداءا على طائفة الشيعة وإنما خرجت دفاعا عن الحقوق المغتصبة والمكفولة في جميع الدساتير والشرائع وان مبدأ التعايش الذي كان سائدا لقرون هو الحل وليس التهميش ولاقصاء والتهجير وتغييرًمناهج التربية والتعليم وغير ذلك كثير
هذا بإيجاز فيما يتعلق بالجوانب الايجابية للحراك السني العراقي أما السلبيات والمعوقات و الثغرات في جسم الحراك فذلك أمر طبيعي يرافق كل عمل بشري و سنتحدث عنها في مناسبة أخرى بإذن الله وبانتظار تعقيبات وتعليقات آبناء شعبنا الصامد الذين يسطرون احداث التأريخ بشخوصهم أما نحن فنسطرها بمداد أقلامنا فشتان بين الثرى والثريا ومنكم نتعلم
د. محمد البرزنجي
1050 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع