بقلم/عزاوي البغدادي
التفرد بالسلطة آفة تلتهم الديمقراطية وتهدد مستقبل العراق
لايمكن لأحد في العراق نكران تفرد صدام حسين بالسلطة ولا قيامه بالتعنصر لصالح حزب البعث الذي رأسه في العقدين الأخيرين من حكمه، ولا يمكن لأحد في هذا العالم كذلك أن يتجاوز أمتداد تعنصره الى المدينة والمنطقة ومن ثم العشيرة فالقرية التي جعلته مهووس بالتفرد في الحكم ضل الله في أرض العراق، حتى أفضى تعنصره هذا إلى تهميش من يقع خارج دائرة القومية ومن ثم الحزب والعشيرة.... أسلوب في الحكم أودى به وبنظامه وزمن له أتسم بالديكتاتورية والتهميش، ومهد لآخر تعاون كل العراقيين على تحقيقه زمنا جديدا للحرية والعدالة والمساواة.
لكن الأمر في العراق لا يشبه باقي البلدان، وأناسه الراغبين في البناء لا يشبهون باقي البناة في العوالم الأخرى، فهم عندما يكونون في الصف المعارض للحاكم يتكلمون عن التجاوز والخطأ والبناء بطريقة توحي وكأنهم فلاسفة مصلحون أو متدينون صوفيون، وعندما يجلسون على كراسيه يكونون هم المتطرفون في الأقصاء والعزل والتشكيك وكأنهم وحدهم البناة المخلصون. كان هذا ملحوظا بالنسبة الى الحكومة الحالية التي بدأ فيها أعضاء حزب الدعوة وآخرين من القائمة سائرون بنهجه من قائمة الائتلاف الوطني، بدايتهم ديمقراطيون حتى مسكوا بأطراف العملية السياسية فشعروا عندها أنهم الأصلح والأقوى والأنسب والأخلص، وأندفعوا بنفس طريق صدام وغيره المفعم بالديكتاتورية والعزل والاسقاط. وما تقرير رئيس أركان الجيش العراقي الفريق الأول بابكر الزيباري المرفوع الى رئيس الجمهورية إلا مثالا من أمثلة أخرى غير قليلة تعبر عن هذا التوجه المنحاز والمخل بخطوات الديمقراطية، ومنه يتبين أن السنوات الأولى بعد التغيير كانت بالفعل مفتوحة لكل العراقيين فيما يتعلق بإعادة بناء الجيش الجديد، لكنها فترة زمنية بدأت تتقلص تدريجيا منذ أعتلاء السلطة من قبل الدين السياسي الشيعي، حتى وصلت في زمن الحكومة الحالية الى أشدها وأكثرها خطورة حيث أختيار الأكثر ولاءا للسلطة الحاكمة ليكون هو المشارك في بناء الجيش على الطريقة التي تراها وحزب الدعوة جيشا مختارا يواليها ويعيد أنتخابها ويدافع عنها فيما إذا تأزم الموقف، وكأنها تترقب معارك مع خصومها من أبناء الطائفة والطوائف الأخرى ولا تضع في حسابها وطن لا يمكن أن يحكمه شخص وأحد وإن كام شبيها بصدام ولا سمكن أن يقتصر الحكم فيه على مجموعة أو طائفة أو حزب لأنه مجتمع مختلط، ولأن زمن الحزب الواحد والاتجاه الواحد قد أنتهى عمليا.
إن المؤسف في العراق هو أن الأخطاء تتكرر وكأنها لم تحدث أو لم تؤثر في الأحداث، وتكرارها يكلف المواطن والوطن كثير من الأثمان، وبصددها لا نريد العودة إلى بداية نشأة العراق ومسألة الانحياز والطائفية والقفز من على حقوق الاقليات لأن المثل الأقرب للأجيال العراقية المعنية بالبناء هو حكم البعث وصدام وأكثر أخطاءه الماثلة للعيان هو تبعيثه الجيش العراقي ومع ذلك لم يصمد هذا الجيش العقائدي البعثي أمام رياح التغيير، وإذا ما كان الأمر هكذا فهل سيصمد أي جيش جديد يبنى على نفس الأسس العقائدية ولو بتسميات أخرى إسلامية طائفية، وإعتماده على أشخاص مقربون على أساس الولاء المطلق له، وعديد منهم باعوه في أول جولة هددت حياتهم ومصالحهم، وإذا ما كان الحال هكذا فهل يصمد بعض الضبط المنحدرين من أصول بعثية، أحاطوا رئيس الحكومة بعد أن غيروا من إنتماءاتهم من أقصى اليسار البعثي العلماني إلى أقصى اليمين الاسلامي الشيعي الدعوي أمام الضغوط المحتملة وهل سيبقون إلى جانبه فيما إذا تعرض إلى أزمة، والأزمات تؤشر الوقائع أنها موجودة وبعضها مؤجل لحسابات أقليمية ودولية.
والمؤسف أيضا هو أن وزير للدفاع مثل عبد القادر محمد جاسم الذي ترشح من القوائم السنية لأعتبارت التوازن الوطني أو المحاصصة بالمفهوم الدقيق يكون هو الأداة الطيعة لتنفيذ توجهات الحكومة الحالية لحرف البناء المفروض للجيش الجديد وتغيير عقيدته الوطنية إلى أخرى طائفية، ومع هذا فإن من يتتبع تاريخ عبد القادر الذي بدأ مرافقا لوزير دفاع صدام حسين السابق وملبيا لطلبات الوزير الخاصة لا يستغرب تنازله عن كل صلاحيته وصلاحيات رئيس الاركان لصالح مكتب القائد العام، ولا يستغرب مشاركته في أقصاء الضباط المتميزين وتقديم الانتهازيين المتأسلمين بدلا عنهم، ولا يستغرب قبوله آلاف الأميين من المليشيات ضباط لقاء ضغط الأحزاب الدينية المتنفذة، ولا يستغرب أنه كان مشغولا بتجهيز الجيش العراقي الجديد بأسلحة فاسدة أو متخلفة من الصرب والرومان لقاء عمولات أكثر من انشغاله بهموم بناء الجيش بناءا وطنيا فيه العرب والكورد والتركان السنة والشيعة والمسيحيين والازيدية والصابئة مشاركون عن عراقيتهم وليس عن طوائفهم وأحزابهم.
إن ما ورد بتقرير رئيس الاركان صحيح يعبر عن واقع حال الجيش العراقي الجديد وإنحراف توجهات بناءه، بإمكان القارئ المنصف أكتشاف مقدار تاثير ما ورد فيه ليس على هيكلية الجيش وجاهزيته القتالية، بل وعلى باقي مناحي الحياة العراقية التي بدأ الانحراف بها واضحا، وبكم يهدد العراق وطنا حاضنا للجميع.
1311 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع