الدكتور مهند العزاوي*
العراق وحقائق الواقع السياسي الدولي
يدخل العراق مرحلة اللايقين الاستراتيجي وهي المنطقة الرمادية السياسية والعسكرية التي تفتح أبواب التكهنات والامنيات والتصورات المختلفة , لاسيما ان الاحداث والظواهر المعاصرة استنزفت قدرات العراق الحيوية وابرزها "راس المال الاجتماعي" الذي يبدوا كما تصوره الحقائق والبصمات الرقمية مجتمعا منهكا , مقسما , مشردا , مهجرا , نازحا بين محميات الوطن المصاب بداء التحزب والتمذهب والتسلح السياسي فضلا عن الفساد الهائل الذي يقتات على ظاهرة صنع الإرهاب المتعدد الاشكال ناهيك عن الفشل السياسي المروع في انتاج مشروع سياسي عصري يزيح ركام الغزو والحروب الخارجية والداخلية ويؤسس لمرحلة البناء والنهضة بعد عقود الحرب المريرة , وتصدر هنا وهناك مقالات وهم مزيفة تعتمد خيال الكاتب وليس الواقع السياسي الدولي والإقليمي وأيضا البيئة السياسة المحلية وشكل المحارك الاجتماعية والاقتصادية وغيرها , وبلا شك انها تندرج تحت بندين الأول الامنيات المصحوبة بالامال الضائع والأخرى الدعاية الموجهة التي تخدم المخططات الوافدة وادواتها المحلية .
الواقع السياسي الدولي
اصبح من الواضح ان الواقع السياسي الدولي مصاب بانهيار العمق القيمي ويمارس الانفصام السياسي , وكما يبدوا جليا اندثار القيم السياسية الدولية والاتفاقيات والمعاهدات التي وضعت لمعالجة تباين القوة والحفاظ على النسق الدولي وضمان الحقوق وتامين الحد الأدنى من الامن والأمان والسلم الدولين , وبعد الحروب العالمية والحملات ندشن اليوم مخاض الحرب الدافئة [1] , حيث يتسابق الاضداد الدولين من الكبار على اقتطاع النسق الدولي , وإعادة رسم الخوارط انطلاقا من مخرجات الحرب الدافئة التي يشعلها الكبار, من خلال النزاعات المسلحة لقضم الدول وتأسيس واقع سياسي جديد يتم من خلاله ممارسة الهيمنة الكاملة على مقدرات الدول الفاشلة المتخمة بالتشكيلات اللامتناظرة من التنظيمات الإرهابية المصنعة في أروقة المخابرات الدولية ورديفتها المليشيات المصنعة في أروقة المخابرات الإقليمية , فضلا عن تراجع دور وقوة الدولة في ظل صناعة الكيانات الموازية التي تعد وقود للحرب الدافئة التي يتدفئ بنارها الكبار ويكتوي بنارها الصغار , حيث تمزج الحرب الدافئة بين أساليب وأدوات الحرب النظامية المعلنة والحرب الباردة مع الفرق عدم الإعلان الرسمي للحرب وفقا للقوانين الدولية , وكما يبدوا ان هذه الحرب اكثر تدميريا للدول والشعوب حيث أعلنت المفوضية السامية للاجئين التابعة للامم المتحدة ان عدد النازحين واللاجئين نتيجة النزاعات في العالم بلغ 65,6 ملايين شخص في العام 2016 في ما يشكل رقما قياسيا[2],
لايزال مخاض الحرب الدافئة غير مكتمل لنرى ماسينتج عنها في مسرح الحرب الممتد من اضلاع حوض المتوسط مرور بقلب العالم العراق وصولا للخيج العربي
كما يبدوا صناع القرار الدولي قد اتفقوا على المهارشة الاستراتيجية في المسرح الأكثر خطورة على الامن والسلم الدوليين , ويبقى الواقع السياسي الدولي مخضب بالصراع والتنافس لرسم خوارط سياسية جديدة كبديل للحدود السياسية المعترف بها للدول ولعل سوريا والعراق مرشحتان لذلك .
الواقع السياسي الإقليمي
يبرز الواقع السياسي الإقليمي اكثر تاثرا بمخرجات الواقع السياسي الدولي في ظل سياسة المحاور والتحالفات التاريخية والتقليدية والطارئة , وكما يبدوا تذهب منطقة الشرق الأوسط الى التجزئة والتفكك اكثر مما هي عليه , وبالرغم من هناك تحالفات تاريخية كمجلس التعاون الخليجي , والتحالف الإيراني السوري الروسي , الا ان الحرب المستعرة في مسرح العراق وسوريا افرزت تحالفات وقتية مختلفة متباينة في الأهداف والتوجهات , وبرز التحالف الرباعي الذي يضم العراق سوريا ايران روسيا , وهو صيروة تحاكي تقاطع المصالح الروسية الإيرانية وقد استقطب بشكل غير معلن عدد من الدول العربية التي لم تعلن انضمامها ولكن يتوضح من خلال موقفها السياسية والاقتصادية والعسكرية , وكان هناك أيضا التقارب التركي القطري, وكما يبدوا بعد تفاقم الازمة الخليجية الأخيرة سيعاد رسم خارطة التحالفات بين الاضداد والتوافق , ولم تعد المنطقة تتسق بالمعايير الجيوسياسية السابقة , ونشهد الجولات المكوكية الرئاسية بين دول المنطقة التي توحي بمخاض عسير ومركب يصعب بيان نتائجه في ظل غياب مشروع عربي يجمع عليه الدول العربية ويكاد يكون من الامنيات في يومنا هذا نظرا لاختلاف الخارطة السياسية للمنطقة
الواقع السياسي العراقي
بات من الصعب ان يتنبأ أي باحث او مفكر في مستقبل العراق خصوصا ان العراق اصبح منهكا بحروب داخلية امدها 14 عام وقد استنفذت قدراته الشاملة واصبح غير قادر على رسم سياساته التنموية في ظل النفوذ الإقليمي وسمات المشروع الأمريكي الساعي الى تحويل العراق من دولة متماسكة الى دولة متناحرة تسودها النزاعات والصراعات بعد ان رسخ المشروع الأمريكي مفهوم دولة المكونات والطوائف والأحزاب في حين اميركا نفسها فيها حزبين رئيسين يتبادلون السلطة دوريا وفيها اكثر من مائة جنسية مهاجرة ومستوطنة ويحكمها نظام فدرالي قوي ورصين , واليوم بعد استكمال المراحل النهائية للقضاء على عصابات داعش الإرهابية وكما يبدوا من الحقائق والنتائج انها صنيعة مخابراتية اشتركت بها دول كبرى وأخرى إقليمية حققت لهم مردودات استراتيجية كبرى بغض النظر عن الخسائر التكتيكية , وبلا شك ان العراق وشعبه هو المتضررالوحيد من هذه المعادلة بعد ان دمرت بناه التحتية الانشائية والمجتمعية والاقتصادية , وعند مشاهدة صور الدمار الذي لحقت بالعراق من جراء السياسات الوافدة والمحلية نستطيع ان نجزم ان السياسة بالعراق مصابة بالشلل الكامل وفايروس الفساد والجريمة المنظمة التي تعمل على تعزيز دور الإرهاب بغية صرف الأنظار عن ما أصاب العراق من دمار شامل كان للطبقة السياسية الدور الأكبر فيه.
يبدوا العراق دولة متعبة منهكة اقتصادية قدراتها العسكرية مجزاة على شكل كيانات موازية من التنظيمات اللامتوازية , فضلا عن شبح التقسيم والانفصال الذي يخيم على المشهد العراقي , امنيات الكتاب والتكهنات بدور امريكي لتصحيح الأوضاع وتحجيم الدور الإقليمي امر غير واقعي نظرا لان المشروع السياسي بالعراق صنع في اميركا ويصبح مكلف جدا من وجهة نظر الصانع وان أي تغيير في المسارات او الأدوات في المشهد العراقي ببقى على ماهو عليه لسنوات ولاوجود للاشاعات عن ضغوط وحكومات انقاذ ووو , لانها من التكهنات ولا تواكب الواقع السياسي الدولي والإقليمي والمحلي , والعراق اليوم بيضة القبان في المنطقة يتاثر بالتحولات السياسية الجارية وبالمتغيرات الحربية على الأرض , ويبقى دور الشعب العراقي أساسي ومحوري في تضميد الجراح والحفاظ على وحدة العراق نأمل ذلك .
*خبير استراتيجي رئيس مركز صقر للدراسات الاستراتيجية
21 حزيران، 2017
[1] . انظر - تنظير في فن الحروب المعاصرة – الحرب الدافئة -الدكتور مهند العزاوي مركز صقر للدراسات الاستراتيجية
http://saqrcenter.net/?p=212
[2] . https://aawsat.com/home/article/955481/
1062 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع