صفحات من تاريخ العراق : شركة لنج وأخوانه للملاحة البحرية في العراق (بيت اللنج )

                                              

                         قاسم محمد داود

صفحات من تاريخ العراق :
شركة لنج وأخوانه للملاحة البحرية في العراق (بيت اللنج )

       

أطلق القاربان (دجلة والفرات )21 اطلاقة بمناسبة انطلاقهما من مدينة البيرا (بيرجك )الواقعة على نهر الفرات وردت عليهما الحامية العثمانية في المدينة بأطلاقة مدفع على سبيل التحية ،كان الضابط البريطاني فرانسيس راودون شيسني المكلف بمهمة مسح نهري دجلة والفرات لمعرفة مدى صلاحيتهما للملاحة لان بريطانيا العظمى تواقة الى ايجاد طريق أسرع تصل به الى مستعمرتها النائية الهند ، والذي أشرف على ايصال القاربين براً من انطاكية على المتوسط بعد وصولهما من ليفربول حيث تم صنعهما الى مكان انطلاقهما في مياه اعالي الفرات قد كتب في سجلاته ان الرحلة بدأت يوم 16آذار 1863م والتفت الى مساعديه هنري بلوسا لنج واللفتنانت ريجارد بلوسا لنج معلناً بدأ الرحلة الفراتية .
أتخذ القاربان طريقهما في نهر الفرات حتى عبرا الحدود التركية الى مدينة جرابلس(قرقميش)
التاريخية وانحدرا مروراً بكل المواقع التاريخية والقرى وكانت البعثة تدون كل شيء يتعلق بمجرى النهر من حيث الطبيعة وسكان المدن والقبائل التي تسكن بالقرب منه .
اجتازت الحملة مدينة القائم وعند اقترابها من مدينة عانة كانت السماء قد تبلدت بالغيوم وانهمرت امطار غزيرة رافقتها زوبعة ترابية من جهة الصحراء أدت الى ارتفاع موج الفرات
وتعذر الرؤيا على ربابنة القاربين فأصطم القارب (دجلة) بسد صخري غاطس في النهر يسميه
السكان هناك (السّكر )يستخدم لرفع منسوب الماء وتحويله بأتجاه النواعير التي تستخدم لرفع مياه الري من النهر في مناطق اعالي الفرات ،ادى الاصطدام الى غرق القارب بما عليه من
معدات وبحارة .يذكر ان في نفس المكان غرقت عام 363م سفن الرومان التي غزت المنطقة
كان عدد الغرقى 20 بحاراً ومن ضمنهم ريجارد بلوسا لنج قائد القارب والرجل الثاني في طاقم
القيادة بعد شيسني في حملة الفرات .
نجى القارب (الفرات )ليواصل رحلته الى هيت فالفلوجة فالحلة فالديوانية ومنها الى سوق الشيوخ وصولاً الى القرنة ومنها الى البصرة التي وصلها في 18حزيران1836م قاطعاً
ما يقارب 2254كيلو متر من بيرجك في رحلة شاقة ومأساوية أستغرقت ثلاثة أشهر وكان
القاربان يحملان 85 بحاراً وعالماً منهم 25 بحاراً عربياً ومترجم عراقي من الموصل والكونتيسة نوستيز التي كتبت عن الرحلة على لسان زوجها الذي كان من أعضاء الحملة
في المجلد الثاني من كتابها "رحلة الى بلاد الرافدين وبرنيش وأراض اخرى "وكذلك في كتابها
"الممر الفراتي الى الهند" .
ترك شيسني العمل في الحملة واوكلت المهمة الى مساعده (هنري بلوسا لنج ) الذي واصل تحرياته وتوصل الى امكانية الاستفادة من النهرين ولاسيما نهر دجلة للملاحة التجارية .
أتمت البعثة عملها في سنة 1840م بعد ان مسحت دجلة والفرات وشط العرب .
في سنة 1860م وبعد توسع المصالح البريطانية في العراق ووبناءاً على الدراسة التي اجرتها
البعثة قام هنري بلوسا لنج وعدد من أفراد اسرته بتأسيس شركة تجارية للنقل النهري بأسم شركة لنج وعهد بأدارتها الى أخوه ستيفن لنج وبما ان هناك موافقة سابقة كانت البعثة قد حصلت عليها من الحكومة العثمانية للعمل في انهار العراق فقد حصلت الشركة بالرغم من
اعتراض الوالي العثماني في بغداد محمد امين نامق باشا (1804-1892) على أمتياز بأسم
(شركة لنج واخوانه المحدودة للملاحة النهرية في العراق )التي يعرفها البغداديون ب(بيت اللنج) ،بدأت الشركة بتسيير اول باخرة اطلقت عليها أسم سيتي اوف لندن (مدينة لندن)تعمل
بين بغداد والبصرة وفي عام 1864م كان للشركة باخرة جديدة تحمل اسم (دجلة )تعمل على
نفس المسار .كان عمل الشركة في العراق تحت رعاية الوكالة السياسية البريطانية في العراق
التي تشرف عليها حكومة الهند البريطانية التي وجدت في العراق إمكانات هائلة للمصالح البريطانية ،هذا البلد الذي سبق وان زاره الرحالة جيمس بيلي فريزر (1783-1856م)
وهو كاتب ورحالة أسكتلندي سافر الى المشرق وفارس والهند ومن آثاره "رحلة فريزرالى
بغداد سنة 1834" بطلب من حكومة بريطانيا وقدم تقريراًجاء فيه :"لا يمكن ان نسهب في وصف الميدان الذي يفتحه التغيير في الحكومة فيما يخص الصناعة ورأس المال بين النهرين.
انها من أفضل المناطق مناخياً وتربة وقرباً من مراكز الحضارة والتمدن في العالم القديم.واذا
تطور الاقليم العراقي وساده الهدوء والامن فإنه سيصبح هدفاً هاماً من أهداف الدولة البريطانية،
ومهما كان شكل الحكومة التي تقوم فيه ،أو طبيعة ومدى ارتباطها بالباب العالي مستقبلاً ،فإن على الدولة البريطانية ، واجباً وفرضاً أن يكون لها نفوذ دائم في حكومته .بل أنها يجب أن تقوم
هي نفسها بتوجيه كل السياسة والاشراف على جميع التطوير والاصلاح ،مهما كانت الأداة
التنفيذيةالتي تنفذ رغباتها ".
بعد ذلك وعن طريق شركة الهند الشرقية قامت الحكومة البريطانية بأرسال ثلاث سفن بخارية
مصنوعة من الحديد وصلت الى العراق من انجلترا عبر رأس الرجاء الصالح لدعم عمل الشركة وهي (آشور)و(نمرود)و(نيثوكريس).هيمنت شركة لنج على الملاحة النهرية في العراق بالرغم من سعي الادارة العثمانية في العراق للحد من هذه الهيمنة عن طريق انشاء شركات منافسة لشركة لنج مثل الشركة الحميدية التي كانت تسير باخرتين اسبوعياً الى البصرة وبأسعار مخفضة الا انها فشلت في ذلك ،لاسباب كثيرة منها انشغال بواخر الشركة بنقل الجنود والمؤن
العسكرية لصالح الحكومة ولسوء الادارة ،كما ان بواخر شركة لنج احدث من بواخر شركة الحميدية .
عززت الشركة مركزها في العراق من خلال هيمنتها على النقل التجاري النهري ومساهمتها
في عملية تصدير المنتجات العراقية ولاسيما الحبوب والاصواف مما زاد في ارباح الشركة التي بدأت برأس مال قدره 15000باون استرليني ووصل الى 100000باون استرليني كما
انها استطاعت منذ عام 1888م ان تمارس الملاحة في نهر الكارون الذي يصب في شط العرب وساهمت في نقل البريد الى الهند وقدمت خدماتها للقوات البريطانية عند احتلالها البصرة في عام 1914م .
استغلت بواخر شركة لنج الخشب المتوفر على ضفاف الانهار كوقود لمحركاتها البخارية
من جهة ولتكوين علاقات صداقة مع رؤساء العشائر القاطنة على تلك الضفاف والذين ابدوا استعدادهم لتزويد قائد الاسطول بما يحتاجه مقابل عقود خاصة .يمكن اعتبار ذلك نموذجاً لما أخذت تمارسه شركة الهند الشرقية، وخليفتها شركة لنج فيما بعد من سياسة تعميق علاقتها مع شيوخ العشائر في طول البلاد وعرضها دون اللجوء الى الدولة العثمانية لدرجة ان رئيس احدى العشائر كان يتعرض بصورة مستمرة للبواخر العثمانية في الوقت الذي كان فيه يسمح للبواخر البريطانية بالمرور بأمان في مناطق سكنى عشيرته قرب العمارة .
استمرت شركة لنج بعملها في العراق مستفيدة من دعم الحكومة البريطانية لها وقد اصبحت احدى واجهات نشاطها في الشرق الى عهد تأسيس الدولة العراقية في مطلع عشرينيات القرن الماضي غير ان أعمالها أخذت
بالتراجع بعد دخول القاطرات وانشاء السكك الحديد في العراق لذلك قامت الشركة بتصفية اعمالها ورحلت تاركة
ورائها بنايتها الشهيرة في شارع الرشيد التي يسميها البغداديون ببيت اللنج وهي من ابرز المعالم التاريخية للشارع
الشهير ،تشغل البناية مربعاً كاملاً يمتد بين شارع الرشيد وشارع النهرفي بداية شارع المستنصر المؤدي الى بناية غرفة تجارة بغداد.كانت مكاتب الشركة تشغل القسم الخلفي المطل على شارع النهر،اما القسم المطل على شارع الرشيد فقد استأجر من قبل مكتبة مكنزي الشهيرة التي تقع في ركن البناية وهي مكتبة متخصصة بالكتب والمجلات الانجليزية التي كانت تصل اليها من لندن اما اليوم فقد اصابها ما اصاب الشارع العريق من اهمال فتحولت الى محل لبيع الاحذية ،كما كان بجوار المكتبة محل متخصص ببيع ارقى انواع الفرو الطبيعي وكان عدد كبير من زبائنهِ من سيدات العوائل الغنية في مصر ولبنان وسوريا وفلسطين يأتينَ الى بغداد عندما كان التبغدد من سماتها لشراء الفرو الثمين من هذا المحل ،وهو الآخر انتهى به الزمان الى محل لبيع المستلزمات الرياضية .

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

800 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع