الشيخ الدكتور/ محمد البرزنجي
مما لا شك فيه أن الجموع الحاشدة خرجت في المحافظات الخمس وشطراً من بغداد خروجاً عفوياً شعبياً فطرياً، دون توجيه من تنظيم أو حزب أو جهة معينة، لأن الظلم قد تراكم حتى وصل إلى حد لا يطاق.
وبعد ما يزيد عن شهر على إنطلاق الحراك الشعبي، لابد من قراءة متأنية لبعض معطيات الحراك .. أما فيما يتعلق برهانات المالكي (في إصراره على إنهاء الحراك) فهي نابعة من اعتبارات عدة:
أولها الدعم الإيراني وخاصة أن إيران لديها خبرة طويلة في احتواء زخم مظاهرات المعارضة بالتزامن مع قمعها.
الأمر الثاني الذي يعتمد عليه المالكي انه القائد الفعلي لقوات الأمن والمخابرات والجيش والشرطة والقائد العام لقوات استحدثها من غير وجه دستوري تسمى بعمليات المحافظات وبها يحاول قمع المظاهرات.
الأمر الثالث الذي يعول عليه المالكي هو غياب قيادة موحدة وفاعلة قوية للسنة العرب..
أما فيما يتعلق بالحراك فان الجماهير الغاضبة المظلومة التي خرجت إلى الميادين والساحات فهي موحدة في الشعور بمظلوميتها ومعتزة بانتمائها إلى أهل السنة، ولكن بعض رموز السنة ليسوا كما الجماهير، فهي لا تكاد تكون مجتمعة على عوامل مشتركة مصيرية.
نعم هنالك رموز عدة للسنة (سواء كانوا شيوخ عشائر أو ساسة أو علماء) ولكنها قيادات متباينة في رؤاها وتطلعاتها وتعاملها مع الأحداث، وعلى سبيل المثال فإنهم منقسمون في تقييمهم لدور الأحزاب الشيعية التي تسعى للصلح وتعلن دعمها الجزئي والمشروط للمظاهرات، فمن السنة العرب من يرى أن هذا التأييد هو بدافع الوطنية والعراقية والعروبة والتأريخ المشترك. أما الطرف الثاني فيرى أن القيادات الشيعية تجيد لعب تقسيم الأدوار وكسب الوقت بهدف تمييع المظاهرات وتفريغها من فحواها وامتصاص زخم الحراك... ولعل خروج الآلاف من المؤيدين للحكومة الحالية في النجف والديوانية وبغداد وغيرها يرجح كفة الطرف الثاني ممن فقد الثقة تماماً في قادة الشيعة الذين لم يكفوا عن المراوغة والتسويف، بينما حملة التصفية والقمع والإقصاء والاعتقال والملاحقة مستمرة على قدم وساق بحق أهل السنة.
وأخيرا فان سياسات الحكومة الحالية سياسات استبدادية ظالمة ستدفع بالبلاد إلى الهاوية وستدفع بسكان المحافظات السنية بالتفكير الجمعي في مسألة الأقاليم بعد أن كانت الدعوة إلى تكوين الأقاليم من المحرمات عندهم قبل سنين، وقلّما كنتَ تسمع من يتحدث عنها كفضيلة الشيخ طه الدليمي صاحب مشروع الإقليم السني، وكل ذلك نتيجة طبيعية للاستبداد والقمع والتهميش وإقصاء الآخر ومحاولة مسح الهوية السنية للأجيال القادمة من خلال تغيير مناهج التربية والتعليم قسريا في مناطق السنة وعدم الاكتراث بخصوصيات عقيدتهم المكفولة في كافة الشرائع والدساتير.
إن الظروف الحالية التي أدت إلى ظهور الحراك السني قد فتحت الأبواب على مصاريعها أمام القيادات السنية لنسيان خلافات الماضي وتجاوزها ودفع السنة بمختلف الفئات الكرد والعرب والتركمان لمراجعة مواقفهم بين السنة ...
1194 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع