زيد الحلي
سؤال عراقي : من يسمع .. من يرى؟
لم اصدق ما شاهدته وسمعته، قلت مع نفسي، مستنكراً، ربما هي (العجيبة الثامنة) لكن عند اعادة عرض ما قدمته احدى الفضائيات العراقية قبل مدة وجيزة، بالصوت والصورة، تيقنت ان هذه الحالة هي احدى العجائب الجديدة، وموطنها هذه المرة العراق، وطن الانسانية والحضارات الذي تحول الى وطن، بوصف آخر مع الاسف !
شاب ثلاثيني، بكامل عنفوان الفتوة، يطلب من ابيه المسن بعض المال، وحين يعتذر الاب، كبير السن، لضيق ذات اليد عن تلبية طلب ابنه، يقوم الابن، المبتلى بتعاطي المخدرات، بسحب (يشماغ) الأب، ثم يلفه بقسوة على رقبة ابيه العاجز عن الحراك، حتى تزهق الروح، وتذهب الى بارئها، شاكية جحود أبن ضال ..
لن اتحدث عن هذه الحالة التي شهدت البصرة الفيحاء مؤخرا امثالها، بوصفها جريمة، فردية، لكني اشير الى مسبباتها الرئيسة، وهي مسببات، من (نتائجها) الخطرة، اتساع رقعة الجرائم بمختلف الصنوف والانواع .. جرائم تبدأ بالسرقة، ولا تنتهي بالقتل، مرورا بالمحرمات كافة ..إنها (المخدرات) التي اخذت تعصف بعقول المواطنين لاسيما فئة الشباب، بشكل بات يهدد بكارثة مجتمعية عميقة الجذور.. لقد كتب كثير من الزملاء الصحفيين بشأن هذه (الطامة الكبرى) التي تعصف بشباب البصرة والمحافظات الاخرى، ونبه عشرات من المختصين في البحث الاجتماعي عن وباء المخدرات، لكني اجد ان استجابة المسؤولين التنفيذيين، لم تكن بمستوى عاصفة المخدرات السوداء، التي تجتاحنا بشكل سريع، حاملة معها الموت والسقوط الاخلاقي .
ان المخدرات تؤثر بصورةٍ سلبية على الفرد، سواء في عمله أم إرادته أم وضعه الاجتماعي، وعلى ثقة الناس به، وهي تجعل من الشّخص المتعاطي إنساناً كسولاً مهملاً في أداء واجباته ومسؤولياته، ذا مزاج مُنحرف، وسلوك عدواني خطر، إذ لا يدرك المُتعاطي تصرفاته، لأنه يكون في حالة اللاوعي، ويفتقر الى الحماسة والإرادة في تحقيق انسانيته، وبالنسبة الى المدمنين من المتزوجين ، فان المخدرات تؤدّي إلى سوء العلاقة الزوجية والأسرية، فتتزايد نسبة الطلاق وانحراف الأطفال، وأعداد الأحداث المشرّدين .
وهنا، اطالب، وبسرعة من ذوي الشأن في بلادي، الاسراع بإعداد برنامج اجتماعي للخلاص من هذه الآفة المتمثلة بالمخدرات ، والعودة الى وطن خال منها، مثلما كان في السابق … برنامج يهدف إلى تحليل وتشخيص مفهوم المخاطر الاجتماعية لهذه الظاهرة، وكيفية دمجها بالسياسات الاجتماعية، وتحديدها ليس في أوقات الأزمات والكوارث، حسب وإنما لمواجهة التحديات المستقبلية في هذا المجال، وكيفية السيطرة عليها، وعلى بيئة عملها وعناصرها الرئيسة، وكيفية التخطيط لإدارتها…. ان أكثر المشاكل الاجتماعية انتشارا في مجتمعات العالم، هي (المخدرات) وشبكاتها العنكبوتية، فلنسع الى محاربتها بكل قوة .
واوجه ندائي ايضا الى الاسرة العراقية التي لديها أبناء مدمنون، واقول انهم اشبه، بالضوء في العتمة، فهم الأقرب للمريض بالمخدرات، ويجب أن يبلغوا عن ابنهم المدمن حتى يتم إنقاذه من هذا السم، وادعو الى عدم توافر أي تعاطف من الأهل مع هذا المدمن، لأن التعاطف معه سينعكس عليه بالسلب ..
يا ربنا العزيز الكريم، دعوانا ان ترحم العراق واهله لاسيما شبابه .. وان تمسح عن جبيننا الحزن والتعب، فالظّلام قد طال، وكثرت السّحب!!
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
1999 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع