ألمخبر السرّي يطيح بفريد شوقي

                                            

                                                          علي السوداني

ليست لديَّ بوصلة تعاونني في معمعة اختيار الشاشة . ربما المصادفة هي التي أوقعت حواسّي في شرك متابعة فلم الليلة .

قد يكون ولَعي في مشاهدة هذا الصنف من الأفلام ، متأتٍّ من جذوري الراسخة بباب سينما بابل ، من أعمال شارع السعدون ببغداد العباسية . بطل الفلم ، شاب غضّ وجهه يقول ، أنه يعيش قبل الثلاثين بثلاثة ، ومن فرط ما عايش من خيم عزاء ونحيب ، توَهَّم أنَّ له عشر جدّات لاطمات ، ستّاً من جهة الوالد ، وأربعاً من ظهر الوالدة . لم يكن مسؤولاً عمّا آلت إليه حياته القليلة . فجأة وجد روحه لائبة ، فعالجها بالكتابة . أنتج شيئاً ظنّ أنه رواية ، فشاله وهرب إلى باب واحد من الناشرين القساة . قلّب الناشر بوابة النص ، ورشَّ على الولد خمس جمل مبتسرات ، كانت كافية لتبليل المخدة واللحاف . بقوة المصادفة ، أو القدر ، اشترى الولد الفاشل ، حقيبة جلدية عتيقة من سوق الهرج – ثمة سوق هرج في أمريكا أيضاً – أحبَّ الولد تلك الحقيبة العنتيكة ، لأنها كانت تشبه حقائب الأدباء الصعاليك . في البيت ، اكتشف الولد مخطوطة بائدة على ورق أصفر متهرىء . لا هوامش ولا تصليحات بائنة على جسد الورق ، ولا إسم كاتب ، بإستثناء علامة واضحة تشير إلى أنَّ النصّ عبارة عن رواية . للفتى الأثول أبو خدود طريّة ، حبيبة موهومة تعيش معه في نفس المكان ، وثمة موقد وشرفة ، وغيوم رمادية ، وزجاجات نبيذ أحمر ، ومحمصة خبز ، وسكائر بلدية من دون أعقاب – يا ليتني كنتُ مكانه – وضاربة حروف قديمة . ألفتاة منشغلة بتتبيل سمك التونة وتَنْكيهِهِ بمطرة نبيذ ، ورشقة فلفل حار ، أمّا هو ، فكان يشبك عَشرته فوق رأسه ، والمخطوطة ممددة قدّامه ، مثل جثة طازجة . أكل الولد وشرب ودخّن ولم ينمْ ، وقبل أذان ديك الفجر ، وجد نفسه مشتولاً فوق جسد المخطوط الأصفر . لم يدم الصراع طويلاً ، حتى بصم الكاتب الإبتدائي ، إسمه على أول المدونة ، ثم عاد وانسلَّ تحت لحاف البنت السمراء . في صبحية اليوم التالي ، شال الولد الرواية ، وتوجه بها صوب دكان الناشر . كانت الرواية مذهلة . ألناشر نشر ، وماكنة الدعاية تحركت ، وجيب الولد غصَّ بالدولارات ، حتى ظهر من بطن الأرض ، شائب أعرج ، وجهه رحيم منير حميم ، تماماً مثل وجه جان دمّو . جان ، أقصد الرجل الشائب في الفلم ، أخبر الفتى السكران بضحكات المعجبات ، أنّه هو من كتب الرواية ، وأن بصمات أصابعه ، مرشوشة على كل أوراقها الصفر . جان دمّو ، أعني مبدع الرواية الأصلي ، كان حميماً رحيماً طيباً مع الكاتب الفاشل ، إذ تنازل له عن ذلك الكنز العظيم ، بجملٍ مازالت تعبث في أحشائي وكبدي . من المفيد أن أعترف لكم ، بأنَّ رجل الفلم الشائب ، لم يكن على شَبَه كبير بجان دمّو ، لكنّ حنيني الساعة لوجه جان ، قد جعلني أرسم وجهه على برواز الليلة . عدا هذا ، أنا أحب الأفلام الرومانسية ، لكنني لا أودُّ رؤية منظر أنجلينا جولي وهي تفطس بالسرطان . من الشرائط التي قد أكون شاهدتها كلها ، هي تلك التي تأتي على قصص السجون التي من مشهوراتها ، سجن الكاتراز ، ودائماً أتمنى مقتل مدير السجن ، ونجاح المسجونين في ملحمة حفر نفق الهروب ، خاصة إذا كان قائدهم مورغان فريمان ، أو فريد شوقي ، أو شكري سرحان ، ويزداد تعاطفي مع السجناء الفارّين ، إذا ما علمتُ أنَّ زوجاتهم الناطرات ، هنَّ سعاد حسني ، أو هدى سلطان ، أو جوليا روبرتس ، وأكاد أقوم على حيلي ، وأهلهل وأرقص وأصفّق للهاربين ، إذا ما عرفتُ أنَّ مسجونياتهم ، قد وقعت بفعل وشاية لئيمة خبيثة خنيثة ، من المخبر السرّي محمود المليجي ، الذي يريد تخييس جسد فريد شوقي في السجن ، من أجل مخدع هند رستم العاطر البديع . شكراً .
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
عمّان حتى الآن
 

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1228 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع