د. سعد العبيدي
في العراق ومنذ التاسع من نيسان يوم سقوط النظام الديكتاتوري، وأنشاء البديل نظاما يفترض أن يكون ديمقراطيا، كانت الخطوة الاولى في الطريق الطويل لهذا الانشاء قد تأسست على مبدأ الملاواة بين الجماعات الفرعية، بديلا عن التعاون والتسامح والتواد ضمن الجماعة الاكبر أي العراق، وفي سبيله كان السعي واضحا من كل جماعة لاخضاع الاخريات الى فلسفتها في الادارة، والى طريقتها في تنفيذ الاهداف دون النظر الى الطبيعة الاصلية والى الاختلاف في الرأي ونهج التفكير، وفوق هذا المسعى غير الصحيح حاولت كل مجموعة من خلال حصتها في الحكم أي ممثليها في الحكومة فرض آرائها ومبادئها الخاصة التي تؤمن بها على الموظفين والتابعين والابناء التائهين، أعتقادا منها أنها وحدها الصحيحة وغيرها باطل، منافٍ للدين والاعراف والاصول والتقاليد، فكانت النتيجة:
لوحة حكم غير متجانسة يرجع فيها كل مساهم "وزير أو وكيل وزارة وأحيانا المدير العام" الى مرجعه الديني أو السياسي أو القومي قبل الرجوع الافتراضي الى مرجعه الوظيفي الحاصل على التفويض الدستوري بادارة الحكم وشؤون البلاد، فكثرت عندها الاخطاء وضعف القرار وأضيفت الى معطيات التعقيد الحاصلة معطيات تعقيد وأعاقة جديدة باتت تجر البلاد تدريجيا صوب الخطأ في الاعتقاد والتفكير.
وكانت النتيجة أعتداد بالرأي من قبل السياسيين المشاركين بالحكم، لم يقفوا في مجال فرضه عند حافات الخطر، بل وسارعوا الى الامام دافعين الجمهور المجزأ الى المشاركة بضغوط فرضه أو الحيلولة دون فرض المقابل له بطريقة التلويح بالقوة غير القابلة للنقاش. فزادت عندها الفرقة وأشتد التوتر وأحتدم الصراع.
وكانت النتيجة ايضا سلسلة ممتدة من الموظفين المستجيبين الى مثيرات التوتر من أعلى قمة الهرم التنفيذي الى قاعدته العريضة، يعمل قسم منهم باسلوب الاعاقة العمدية لكل خطط الحكومة وان كان بعضها للاصلاح، همهم الوحيد افشال خططها وتجربتها في الحكم، وقسم منهم يغالون في التطبيق، يدافعون عن الخطأ الحكومي وان كان موثق بالادلة والبراهين، لا يجرأون على اقتراح الاصلاح او التنبيه اليه، معتقدين ان التنبيه انقاص من قدر الجماعة او الحاكم الذي يرجعون واياه الى نفس الاصول، فاتسع عندها النفس المشاكس، وكثرت الحفر والمطبات التي تحول دون الاصلاح.
وكانت النتيجة كذلك شعور جماهيري عام بالاحباط مما جري، ويأس من امكانية التغيير الى الاحسن والاصوب، فتأسست عندها دوافع تفكير جدي بتدمير روابط التاريخ والدين والقومية بين الفرقاء واحلال فكرة الانفصال كحل وحيد.
ان فكرة الانفصال التي باتت تتردد على الالسن في وقت الازمة الراهنة، هي ردود فعل غير عقلانية، نتيجة أخطاء غير منطقية، سيكون الركون اليها خسارة لجميع العراقيين تفوق كل الخسائر الحاصلة بالوقت الراهن آلاف المرات. الحل الوحيد لتجاوز اكبارها في العقل الجماهيري المثقل بالهموم، ان يخرج السياسيون من وعاء الجماعة الفرعية الى ربوع الجماعة الاكبر "العراق" وان لا يفكر الشيعي في العمل بحدود شيعيته وكذلك بالنسبة الى السني والكردي والمسيحي، عندها سيجدون الحل متاح لكل مشاكلهم والعراق بأقل الخسائر الممكنة.
1418 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع