علي السوداني
قبل نحو ثلاث سنوات، كنّا كتبنا وقلنا وأفتينا وحرّضنا رعية بلاد ما بين القهرين، على دسّ أصابعهم وسبّاباتهم الممهورة بالحبر الأزرق، من أجل اصطفاء وتفويز "القائمة العراقية" ورئيسها إياد علاوي، حتى تحقق ما أردنا وتمنينا وعزمنا واشتهينا، وقلنا في سرائرنا وضمائرنا، أنّ حكومة بزعامة علّاوي، لهي أفضل واحسن للناس وللبلاد، من حكومة برئاسة نوري، وكانت قياساتنا للمسألة –ولو إلى بعد حين من الدهر– هو الفارق الواضح بين تركيبة الرجلين وتوجهاتهما الفكرية، والمنابع التي يتكآن عليها في تسيير الحكم.
لكن الذي حدث بعد ذلك، لم يتوافق مع ما تمنينا واشتهينا، فاللاعبان الأساسيان اللذان يلعبان طوبة حرة في ملعب الساحة العراقية، أمريكا وإيران، فضّلا نوري على علاوي، فكان لهما ما أرادا وخطّطا، حيث تم الإلتفاف "القانوني" على فوز العراقية وعلاوي، وتحويله الى تفويز نوري والتحالف الوطني الذي شكّل حكومة "شراكة" لا تزعج الأمريكان، ولا تدوّخ الإيرانيين، وبدلاً من تمسّك العراقية بفوزها الثمين، ذهبت هي ورئيسها علاوي، إلى عنوانات ومكاسب وكراسي جانبية وشكلية غير مؤثرة، أشهرها كرسي "السياسات الستراتيجية"، الذي رغب به إياد شخصياً، وهو يعلم بخبرته وعمله وموقعه، إنه ذاهب الى كرسي "لا يهشّ ولا ينشّ" وكذلك فعل ربعه، طارق وصالح ورافع وأسامة والآخرون من حواشي القائمة ومتونها، فصاروا أسماء وأهدافاً دائمة على شاشة نوري، وابتدأ معها مسلسل: هذا الوزير زعل على الحكومة، وذاك النائب قدم استقالته، وذاك اتهم بالإرهاب، في لعبة مملة قد تكون تسميتها الصحيحة هي "لعبة توازن الملفات والسيديات" فالوزير الشالع الشارد حتف أنفه من الحكومة، يلوّح ضدها بـ"سي دي" غاص بالفضائح، فتشهر الحكومة بوجهه سي دي مضاد" والناس تنصت وتقرأ وتسمع وتشوف فلماً عراقياً طويلاً لا يريد أن ينتهي.
الآن تجددت اللعبة، على وقع تظاهرات الثائرين المظلومين الأحرار، الذين وقف معهم الله والقانون وحتى الدستور –على ما فيه من طيحان حظ وصبغ– وصرنا نقرأ عن دعوات ومطالبات موجهة تحديداً الى وزراء ونواب القائمة العراقية، ومن معها، للإنسحاب من الحكومة والعملية السياسية برمتها، وعلى هذا، ومن حاسة الشم التي نملك، ومن بعض خبرة اكتسبناها، من طول مشاهدتنا وبحوَشتنا في سيرك السياسة القردية، نقترح ما يأتي من المكتوب:
1
سيكون خبراً جميلاً ومنتظراً من قبل الحكومة ونوريها، أن ينسحب وزراء العراقية ونوابها من كراسيهم العاملة، حيث سيذهب الرجل الى اعلان حكومة "أغلبية" ويضع مفتاح الدنيا كلها، بجيبه وعبِّهِ.
2
وجود العراقية في "مطبخ" الحكم، أحسن من وجودها في "الحديقة" تسقي الثيّل بصوندة الحسرة، وتتمطق بلعابها على رائحة الطبخ الزكية.
3
انزراع العراقية – ألآن على الأقل – في قصر الحكومة، والمحمية الخضراء، يدخل في باب، أن لا تترك البيت "لمطيرة" حتى لا تطير به، ألف طيرة، والثابت أن مطيرة هنا، هي وحدة غير مؤتمنة.
4
على العراقية أن لا تنخدع ولا تنلعب ولا تتقشمر ولا تنثول ولا تتمعمع، اذا ما انسحب وزراء ونواب التيار الصدري، والقائمة الكردستانية من مواقعهم، فينسحبوا مع المنسحبين، تحت ضغط طقطوقة "على حسّ الطبل خفّنْ يا رجليَّ" لأن ناتج هذه العجاجة، سوف لن يؤثر على التيار الصدري، القوي بشارعه وحاضنته "الدينية الشيعية" ولن يؤذي التحالف الكردستاني القوي بدولة "كردستان" المستقلة قولاً وفعلاً ونفطاً وجيشاً وحلماً، والمتحدة والباقية ضمن جغرافيا خريطة العراق، في اللقاءات التلفزيونية فقط.
5
في أي تجمع للحكومة ببغداد العباسية، سيقلق السيد نوري على منظر وزير صدري، يلملم أوراقه، ويقرط كعكته الدهينة، ويدفعها بزجاجة عصير راني ويقول: أودعناكم. ساعتها سيتحسّر أبو إسراء العنيد الموسوس الشمّام، ويأمر حرّاسه بتشغيل وتفعيل شريط المطرب الخمسيني المعتق محمد كريم "أنا الربّيتْ ولْغيري يصيرون، أنا الربّيت يا ساعة يعودون" وإذا زعل وزير كردستاني، وشفط كلاص لبن أربيل قبل توديعه الحكومة، فسوف يأمر أبو إسراء بشريط سبعينية أحمد الخليل "هربشي كردي وعرب رمز النضال" وإذ طقّت روح واحدة، أو واحد من القائمة العراقية، وقام وحلف بالطلاق، أنه لن يعود الى الكرسي ثانيةً، فأغلب الظن أن الرئيس نوري، سيقول في سرّه وقلبه: خُفّةً وراحة، وسيأمر، وأمره مفعول، بشريط قوي يتنزّل من حنجرة سعدي توفيق البغدادي، زبدته تقول:
تِتْنَدَّم عَلَي بعدين تتنَدّمْ
اتضيّعْني وعليَّ النوب تتألَّمْ
جَرِّبْ كَلُبْ غيري
حتّى اتشوف خيري
لكْ تتندمْ ، تتندمْ ، تتندمْ عليْ بعدين تتندّمْ
1159 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع