صالح الطائي
مكتباتهم ونكباتنا
يوما بعد آخر وبسبب المنافسة بين الكتاب الالكتروني والكتاب الورقي بدأت المكتبات تزيد من درجة عنايتها بالخدمات التي تقدمها للقراء لكي تستقطبهم إليها، وأكيد أن هذا ليس في بلداننا العربية وإنما في العالم المتقدم، لأن المشاريع العربية جاءت لذر الرماد في العيون وتمجيد الحكام، وللمباهاة لا أكثر، لأن المشاريع التي بدأ العمل بها لا تتناسب أبدا مع حجم أصغر دولتين عربيتين، بادرتا إلى تقليد العالم، وأنشأتا مكتبتين، تكفي كل واحدة منهما لإسكان جميع شعبيهما سوية، فدبي استثمرت مبلغ مليار درهم لإنشاء مكتبة بمساحة تتجاوز المليون قدم مربع، وبإجمالي كتب يبلغ 4,5 ملايين كتاب، بين كتب مطبوعة وإلكترونية ومسموعة، وبعدد مستفيدين متوقعين يبلغ سنويا 42 مليون مستفيد، بحجة أن العالم العربي يواجه فجوة معرفية حضارية، ولابد من مشروعات بحجم هذا التحدي الثقافي التاريخي لسد الفجوة. وستكون المكتبة ببنائها الضخم الذي يقع على خور دبي بمنطقة الجداف، محطة لأكثر من 100 فعالية ثقافية ومعرفية سنوية، ومعرضاً دائماً للفنون، وحاضناً لأهم المؤسسات المتخصصة بدعم المحتوى العربي. وستعمل على طباعة وتوزيع 10 ملايين كتاب في العالم العربي خلال الأعوام المقبلة.
وعلى نهجها ولكن بشكل ساذج وبسيط، حذت الشارقة مع المكتبة القاسمية التي أنشئت عام 1925 كمكتبة خاصة للشيخ سلطان بن صقر القاسمي وورثته، وبقيت في الحصن حتى سنة 1956م حيث نقلت إلى مبنى جديد أقيم في ساحة الحصن تحت مبنى المضيف. ثم انتقلت إلى الحاكم الشيخ خالد بن محمد القاسمي، وبعده إلى الحاكم الشيخ سلطان بن محمد القاسمي، حيث نقلها إلى مبنى البلدية بالقرب من قاعة أفريقيا، تحت مسمى مكتبة الشارقة.
في مرحلة لاحقة، انتقلت إدارتها إلى وزارة الإعلام والثقافة مدة بسيطة، ثم استرجعها الشيخ سلطان لتتبع الدائرة الثقافية بالشارقة. وعند تأسيس دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة عام 1980 تم نقل إدارة المكتبة لتتبع الدائرة، حيث كانت قاعة أفريقيا مقرا لها.
وفي عام 1987 نقلت إلى مبنى المركز الثقافي بالشارقة. وأخيرا، وفي عام 1998 تم نقلها إلى المدينة الجامعية باسم "مكتبة الشارقة". وفي مايو 2011 افتتح الحاكم الشيخ سلطان المبنى الجديد للمكتبة في ميدان قصر الثقافة، وهي تضم الآن عدة فروع، منها: مكتبة خورفكان العامة، مكتبة دبا الحصن، مكتبة كلباء، مكتبة الحمرية، مكتبة وادي الحلو، مكتبة الذيد.
ومع وجود نوع من الحراك المكتبي في مصر والمغرب العربي وبعض دول الخليج فضلا عن سوريا قبل الأحداث، إلا أن أهم البلدان العربية وهو العراق لم يشهد حراكا مكتبيا حقيقيا منذ عام 1963 ولغاية هذه الساعة، بل إن الكثير من مكتباته أغلقت وحولت بناياتها إلى دوائر عسكرية وأمنية وإدارية بعد أن أخليت من الكتب والمواد، وحتى التي سلمت منها، تعرضت بعد التغيير إلى النهب، والقلة التي نجت من كل ذلك، بقيت على حالها، ولم تجر عليها أي عمليات تطوير أو تحديث.
أما في الجانب الآخر فالموضوع يختلف كليا، فاليابان مثلا فيها مكتبة "ناكاجيما" بجامعة أكيتا الدولية، إحدى أجمل المكتبات في اليابان. وهي مفتوحة أمام الزوار للقراءة على مدى 24 ساعة في اليوم، وعلى مدى 365 يوماً في السنة، بمعنى أنها لا تغلق أبوابها طوال العام.
تأسست المكتبة في عام 2004، وسميت باسم مؤسس ورئيس جامعة أكيتا الدولية الأول الدكتور "مينيو ناكاجيما". وتحتوي على ما يزيد عن 70000 كتاب وأكثر من 180 مجلة ومحطات متعددة للقراءة بدرجات حرارة وإضاءة مختلفة ومقاعد بأطوال مختلفة، مما يمكن جميع الطلاب من إيجاد البيئة المناسبة لهم للقراءة. وهي ليست حكرا على المنتسبين للجامعة فحسب، فدخولها والإفادة منها مسموح لجميع أفراد الشعب. ومقارنة بسيطة بينها وبين جامعة دبي تكشف لك جدية منهج الآخر وعبثية مناهجنا التي لا تختلف كثيرا عن أطول جسر وأعلى برج وما شابه!
أما في أمريكا وتحديدا في جامعة "ستانفورد" فقد وصل عدد المكتبات داخل الحرم الجامعي إلى 20 مكتبة ، توفر الكتب والمجلات والأفلام والخرائط والبيانات والصور، إلى جانب خدمات البرمجة والتكنولوجيا والخدمات المكتبية المختلفة.
وقد خصصت كل مكتبة منها إلى أحد العلوم، فمكتبة "كرين" مخصصة للعلوم الإنسانية والاجتماعية، ومكتبة "لاثروب" لخدمات التكنولوجيا، وتخصصت المكتبات الأخرى في الفنون والعمارة والعلوم والقانون والموسيقى وغيرها. ومن بين مكتباتها المهمة مكتبة "ديفيد رامزي" للخرائط من القرنين 18 و19 عن أميركا الشمالية والجنوبية، ومكتبة شرق آسيا المتخصصة في المواد باللغة الصينية واليابانية والكورية. وهكذا يتواصل طلاب الجامعات الأمريكية مع العالم كله!.
أما بريطانيا ذات التاريخ المكتبي العريق فقد قامت عام 2013 باستبدال مكتبة "برمنغهام" المركزية القديمة، بتحفة هندسية معمارية تعتبر أكبر مكتبة عامة تفتتح في المدينة بتكلفة 189 مليون باوند، وهي من تصميم المهندس المعماري "فرانشين هوبين" الذي وصف مبنى المكتبة بقصر الناس. وإلى جانب المكتبة، هناك المبنى ذو الطوابق العشر الذي يستضيف أهم الوثائق والصور والكتب النادرة عالمياً. وتمكن المرافق الجديدة في مبنى المكتبة كالمعرض الفني الجمهور من مشاهدة صور ووثائق هامة وثمينة للمرة الأولى.
كما ستضم المكتبة مسرح أستوديو جديد ومدرج في الهواء الطلق وأستوديو تسجيل. أما شرفتها فتطل على حديقة خارجية غنّاء. وتحوي المكتبة اليوم ملايين الكتب والموسيقى والأرشيف والمصادر التراثية والصور الفوتوغرافية والكتب قديمة جداً.
ولم يقتصر أمر التغيير والتبديل والتطوير على البلدان الأوربية، فعلى بعد ساعتين من وسط العاصمة الصينية بكين، وفي قرية صغيرة تدعى "جياوجيهى"، ستجد نفسك محاطاً بالطبيعة الخلابة ومنازل القرويين التي تقع بينها مكتبة ليوان وهي من تصميم المهندس المعماري الصيني "لى شياو دونج". وفي تصميمها الذي ينسجم مع الطبيعة، استخدم المهندس آلاف العصي المجمعة من الأشجار التي يجمعها أهل القرية سنوياً.
المكتبة المحاطة بالجبال ومناظر الغابات الطبيعية تقع على مسافة 5 دقائق من منتصف القرية، وتضم من الداخل مساحات واسعة للقراءة الهادئة والتأملية و سلسلة من المنصات التي تدمج رفوف الكتب وتحوي مقاعد للجلوس.
وأوجد المهندس "لى شياو دونج" نظاما هندسياً يحافظ على اعتدال درجة الحرارة بالمكتبة، يجعلها تحافظ على دفء المكان في فصل الشتاء من خلال امتصاص أكبر قدر من حرارة الشمس فيما يجري تبريد الهواء في فصل الصيف بواسطة ماء النهر المجاور للمكتبة. مع واجهة خارجية من الزجاج مغطاة بعصي عادية، لتظهر وكأنها تلتئم مع الطبيعة المحيطة بها من غير أن تنافسها.
ولم يترك المصمم شيئا للصدفة أو بدون فائدة فالمواد الخشبية التي بنيت منها الواجهة الخارجية تستخدم لتسخين مواقد الطهي للقرويين. وبالنظر لموقعها وتصميمها لا تعتبر مكتبة ليوان مكاناً للقراءة أو استعارة الكتب لأهداف الخدمة المجتمعية فحسب، فهي تعد مكاناً يوفر الهدوء وفسحة للاختلاء بالذات والكتاب.
ومثلها سعت سنغافورا من خلال خطط طموحة للتحول إلى أمة تقنية ذكية، ومع ذلك نجد اهتماما كبيرا بالمكتبات ولاسيما المكتبة الوطنية التي أنشئت عام 1823، والتي تضم أكثر من 8,5 مليون كتاب وأكثر من مليون ونصف المليون من العناويين، والتي تملك أربعة وعشرين فرعا منتشرة في أنحاء الدولة. ويبلغ عدد أعضاء المكتبة قرابة المليوني عضو، يستعيرون أكثر من ثلاثة وثلاثين مليون كتاب في العام الواحد، ويتجاوز عدد زوارها سنويا الستة والثلاثين مليون زائر، فضلا عن أكثر من ثمانية ملايين زائر عن طريق شبكة الانترنيت.
ولكي تتيح المكتبة فرصا أمام المستفيدين استنبطت نظام إعارة جديد لا يشترط إعادة الكتاب المستعار إلى نفس المكان الذي استعاره منه، حيث يمكن إعادة الكتاب إلى أقرب مكتبة أو إعادته آليا عبر أجهزة الكترونية وضعت لهذا الغرض في مناطق متفرقة من البلاد. في وقت منعت فيه الاستعارة في المكتبات العامة والمركزية في العراق ولأي سبب كان. وحينما تبحث مكتباتنا عن جهة ترتبط بها وترعاها بدلا عن الإدارة المحلية أو مجالس المحافظات وغيرها، نجد المكتبة الوطنية السنغافورية قد تم ربطها بإدارة المتاحف منذ عام 1874.
وفي الوقت الذي عجزنا فيه عن دعم مكتباتنا العامة والمركزية حتى بالكتب العراقية، نجد مكتبة سنغافورة الوطنية غمار تجربة أتمتة المكتبة، وتحويلها بالكامل إلى مكتبة رقمية تفاعيلة متاحة للجمهور في أي مكان وفي أي وقت.
982 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع