صالح الطائي
الكتاب هو الفرق بيننا وبينهم
بعد أن تجاوز عدد إصداراتي (كتبي المطبوعة والمنشورة) الثلاثين، أصبحت على قناعة تامة ويقين تام أن الإنسان أي إنسان إذا ما أراد الموت جوعا ما عليه سوى اختيار مهنة الكتابة والتأليف في عالمنا العربي، ولاسيما العراقي منه بالذات، ذلك لأن العرب للأسف أعداء القراءة، ينفرون منها بشدة، بقدر نفرتهم من عدو أو نفرتهم إلى الجشع والطمع والجنس والظلم ولكن.
فأنا ومنذ سنين، اقتطع من لقمة عائلتي لأطبع وأنشر كتابا، يدعو إلى بناء الأوطان، وصالح الإنسان، ويسعى إلى ترتيب علاقته مع ربه ومع عباد ربه من جميع المذاهب والأديان، ليس على أمل الغنى والكسب، بل على أمل الكفاف، دون أن أتحمل خسائر تنهكني، ولكني مع كل كتاب جديد أخرجه، أضيف أرقاما جديدة إلى أرقام عجز ميزانيتي، وينتابني الغضب والحسرة على ما فرطت دون أن أمتنع عن مواصلة الطريق، وكأن الإدمان يقودني دون رضاي! وما ذاك إلا بسبب إحجام العراقيين عن القراءة، وابتعادهم عن الكتاب، واشتغالهم بهمومهم اليومية ومصالحهم الأخرى، ربما لأنهم أدركوا بعد طول عناء أن الكتاب لا يسمن ولا يغني من جوع، وتبعا لذلك نجد أرقام مبيعات الكتب في العراق، تسير نحو الهاوية، وتتناقص يوميا مهددة بالوصول إلى درجة الصفر القاضية.
وقد جمعتني أكثر من مناسبة مع أكثر من كاتب وباحث وأكاديمي، فساقنا الهم المشترك للحديث عن هذه المشكلة، فوجدتهم مثلي لا يحملون أي مؤشرات تنبئ بخير، ولا يتوقعون تحسنا، ويعزو بعضهم سبب ذلك إلى حالة القلق الأمني والسياسي التي نعيشها، ويستشهدون بدول العالم الأخرى التي يدفع استقرارها مواطنيها إلى طلب الكتاب ومتابعة الإصدارات.
والظاهر أن هذا المؤشر، أعني الاستقرار؛ هو أكبر المؤشرات على سبب العلة الحقيقي، فأنا من خلال متابعتي لمبيعات الكتب في دولتين بلغتا القمة، هما الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، لاحظت ارتفاع مبيعات الكتب في بريطانيا عام 2016 إلى نحو 1.6 مليار جنيه استريني، بزيادة 5 % تقريباً عن حجمها في عام 2015. وفي هذه الزيادة كان للكاتبة الاسكتلندية (جي. كي. رولنغ) مؤلفة (هاري بوتر) قصب السبق، إذ حققت أكثر من 20 مليون جنيه إسترليني عن إصداراتها في عام 2016، يليها في المرتبة المدرب الشخصي السابق (جو ويكس) (31 عاما) الذي حقق من مبيعات كتب التغذية واللياقة البدنية للعام نفسه نحو 15 مليون جنيه إسترليني!
بمعنى أن هناك أنواعا من المؤلفات هي التي رفعت نسبة المبيعات في تلك البلدان، لم تكن مؤلفات العلوم أو السياسة أو الاقتصاد من ضمنها، فالزيادة تحققت بمساهمة الأدب والغذاء سوية، أما الأدب فكان لروايات (هاري بوتر) الأثر الأكبر، حيث بلغت مبيعات رواية (بولا هوكنز) الموسومة (فتاة القطار) تلك الرواية التي حققت مبيعات في أمريكا وحدها عام 2016 بنحو مليون نسخة. وروايتي (جوجو مويس) الأولى (أنا أمامك) والثانية (أنا وراءك) فيما بينها، اللتان حققتا أكثر من 15 مليون جنيه إسترليني.
ويلي الأدب في الأهمية كتب خبير التغذية واللياقة البدنية (جو ويكس). وهذا ما تسبب برفع عدد نسخ الكتب المطبوعة في بريطانيا عام 2016 إلى 195 مليون نسخة بفارق خمسة ملايين نسخة زيادة عن عام 2015 ، وكلاهما الأدب واللياقة حققا مكسبا رائعا بسبب روعة ونجاح ما أنتج من أعمال.
أما في الولايات المتحدة فقد ارتفعت مبيعات الكتب بنسبة 3.3 % لترتفع إلى 674 مليون نسخة، بمعدل كتابين لكل مواطن في حال الاعتماد على إحصاء عام 2014 الذي بين أن عدد نفوس أمريكا بلغ ٣١٨٫٩ ملايين نسمة! ولكن مبيعات الرواية انخفضت بنسبة 1.04 % ليس بسبب العزوف عن القراءة، وإنما بسبب عدم صدور عمل روائي ناجح جديد يتصدر قائمة المبيعات.
أما نحن فقد أيقنا أن القراءة لا تطعمنا الشهد، ولذا اتجهنا إلى جميع السبل التي نأمل فيها أن تحقق أمنياتنا باستثناء سبيل الكتاب. وإذا بقينا على ما نحن عليه، ولم تبادر الحكومات العربية بالبحث عن وسيلة لتجاوز هذه الأزمة الخطيرة، سنجد أنفسنا بعد سنين مجرد جماعة خارج التاريخ، تتجنبها الشعوب والأمم المثقفة وتخاف أن تعديها بجهلها!
861 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع