سنة العراق وأزمة القيادة

                                              

                           إبراهيم الزبيدي

سنة العراق وأزمة القيادة

يبدو أن الطائفة السنية العراقية لم تُرزق، بعدُ، بقيادة رشيدة تعيدها إلى أحضان شعبها العراقي، وتطوي سنوات عذابها وتَمزقها وضياعها التي عانت فيها الكثير.
فبعد كل الكوارث التي ألمت بها، والأثمان الفادحة التي دفعتها على أيدي جنود الاحتلال الأمريكي، وجيوش الإرهاب المزدوج، الداعشي القاعدي السني، والمليشياوي الشيعي الإيراني، ما يزال نفس السياسيين الذين تسلطوا عليها، وصادروا قرارها، واستثمروا آلامها، يتلاعبون بها، ويزوّرون إرادتها، ويُصرون على قيادتها من خراب إلى خراب.
فبدون لف ولا دوران ينبغي الإقرار بأن الذين ألحقوا بسنة العراق أفدح الأضرار، هم:
أولا:
حزب البعث العربي الاشتراكي الذي توج أخطاء حكمه السابقة، قبل سقوط النظام في نيسان/أبريل 2003، بخطأ أكبر بعد كارثة الغزو الأمريكي حين اختار (جهاد) المفخخات، لمقاتلة المحتلين، ولكن في المحافظات السنية وحدها، حصريا، ثم حين وضع يده بيد (الرفيق) بشار، رغم علم قيادة الحزب بتحالفه مع إيران، وراح يجند الانتحاريين العراقيين، بإشراف مخابرات النظامين السوري والإيراني، وتسليحها وتدريبها، ويرسلهم إلى العراق، ليقتل مواطنين مدنيين، أغلبهم من الشيعة الأبرياء، الأمر الذي رسخ الانقسام المذهبي، وبرهن للأمريكان على أن الإرهاب سني فقط، وأن حلفاءهم العراقيين، الشيعة والكورد، على حق في تحذيرهم من إرهاب (الفلول) البعثية الصدامية، وتحريضهم ومشاركتهم في ملاحقة السنة، دون تمييز ولا تفريق. وقد تسبب (جهاده) المسلح في تعريض المدن والقرى السنية، جميعِها، لحملات دهم واعتقال وترويع، وقتل أعداد كبيرة من رجالها ونسائها وأطفالها، ونهب منازلها، وتدمير مؤسساتها، وما زال بعض أبنائها وبناتها في سجون حزب الدعوة  إلى اليوم.
وكان المؤمل في حزبٍ بحجم حزب البعث أن يبادر فورا إلى تشخيص الواقع العراقي والعربي والدولي، وتقييم المستجدات التي خلقها الغزو الأمريكي، بعقلانية، وأن يختار مقاتلة الاحتلال وحلفائه العراقيين بالعقل وليس بالعضلات.
ولكنْ لأنه كان مريضا، من الداخل، ومصابا بعلل كثيرة، أهمها وأخطرها العناد والعنجهية والمكابرة، والمبالغة في تقدير قواعده الجماهيرية، واستهانته بقوة الأمريكان وحلفائهم الإيرانيين، لم يتماسَك، ولم ينهض من كبوته، بسرعة.
 وكان المنتظر من قيادته الجديدة أن تعتذر للشعب العراقي، وتلملم صفوف الحزب المبعثرة، وتراجع أفكاره، وتغربل أعضاءه، وتدين أخطاء قيادته السابقة، بشجاعة وتواضع وصراحة، ثم يعاود الحزب انطلاقته من جديد، حزبا مدنيا حيا قادرا على التجدد والانتصار على العثرات والمحن، أسوة بما فعله الحزب الشيعي الروسي في أعقاب سقوط الاتحاد السوفيتي، وأحزب أخرى عالمية في دول أخرى عديدة.     
ولكن الذي تابع  خطاب البعثيين الحالمين بعودة حزبهم إلى السلطة بالعناد وقوة السلاح، يدرك أنهم لم يتغيروا، ولا ينوون أن يتغيروا.
هذا لا يمنع من الاعتراف بوجود بعثيين كثيرين ميالين، بجدية ووطنية صادقة، إلى التغيير والتطوير، ولكنهم مهمشون، لا يملكون القدرة على فعل شيء ذي قيمة.
وثانيا:
سنة الحكومة وسنة معارضة الحكومة، سواء بسواء. فالأولون قبضوا ثمن (الغطاء) الوطني الديمقراطي الذي منحوه لحكومة حزب الدعوة الطائفية وحلفائه، وحولوا إيران من قوة احتلال أبغض وأقسى وأكثر ضررا من الاحتلال الأمريكي إلى دولة صديقة مسالمة تحرص على ضمان  أمن العراق واستقراره ووحدة أرضه وشعبه، وتعمل على تحقيق العدالة لجميع العراقيين، بتجرد من الطائفية والعدوانية والانتقام.
وتصريحات سليم الجبوري وصالح المطلق وسعدون الدليمي مثبتة لا يمكن نكرانها. كما أنهم، من ناحية أخرى، ثبتوا على أبناء طائفتهم الذين عارضوا المحاصصة الطائفية وقاطعوا الانتخابات، تُهمَ التمرد ومعاداة الديمقراطية والبعثية و(القاعدية) والعمالة لدول عربية سنية متعددة.
أما الذين امتهنوا معارضة الحكومة، من أول عام 2003 وما زالوا،  فقد جعلوا تلك المعارضة تجارة رابحة، جنوْا بها من بعض حكومات الخليج العربية ومن مواطنيها أكداسا من الذهب والفضة.
هذان الفريقان هما اللذان يتحملان جريرة كل ما تعرضت له الطائفة، من أول أيام الغزو الأمريكي وإلى اليوم. ولعل أبشع ما تعرضت له المحافظات الست ما حدث في الاعتصامات التي قطف ثمارها أشخاص معروفون، ومعدودون على الأصابع، وتحملت أوزارها الألوفُ من المعتصمين الأبرياء، قتلا واعتقالا وتهجيرا، دون رحمة ولا عدل ولا قانون.
مناسبة هذا الكلام ما أذيع من قرارات المؤتمرٍ السني الذي عقد في تركيا مؤخرا بدعوى توحيد صفوف السنة العراقيين، وتحقيق العدالة لهم، وإخراجهم من واقعهم الحالي المرير.
فقد تمخض المؤتمر عن لجنتين، قيادية وتنفيذية، تضمان نفس وزراء المحاصصة الطائفية ونوابِها، لقاء وردي، وصالح مطلك، وأسامة النجيفي، ومحمد الكربولي، وسليم الجبوري، وأحمد المساري، وأضيف إليهم ثلاثة معارضين، هم سعد البزاز وخميس الخنجر ووضاح الصديد.    
وهنا نتساءل، هل إن أعضاء اللجنتين من (سنة المالكي) المرضيِّ عنهم، إيرانيا، سيحولون المعارضين إلى موالين؟ أم إن المعارضين هم الذي سيحولون الموالين المستفيدين من المحاصصة إلى معارضين؟
ثم، وهذا هو الأهم، هل المظلومون والمتضررون مما فعله المتحاصصون، شيعة وسنة وكوردا، هم فقط سنة العراق، أم الشعب العراقي بكل طوائفه وقومياته وأديانه؟. ألا يتابعون انتفاضات الجماهير في بغداد والمحافظات الجنوبية، كل يوم وكل أسبوع، وحملات القمع، والاغتيال، والاعتقال التي يتعرض لها المنتفضون الشرفاء؟
فما المعنيُّ والمقصود بإطلاق (بيت سني) في مواجهة (بيت شيعي)؟، أليس بلاغا يقول لملايين الشيعة العرب العراقيين إن كل السنة، عراقيين وعربا، لكم كارهون، ومعادون، ومحاربون؟.
ألم يكن الأجدر والأجدى بمن يريدون خدمة الطائفة، أن يعملوا على إعادة تفاهمها وترابطها مع باقي شركائها في الوطن، وأن يبادروا إلى الدعوة لقيام جبهة وطنية جماهيرية عراقية تحررية تقدمية موحدة تؤمن، فقط، بالهوية الوطنية المبرأة من الطائفية والعشائرية والمناطقية، بعيدا عمن كان جزءً من السلطة الفاسدة المفسدة، وعمن دارت حوله شبهات الانتهازية والارتزاق والاختلاس؟.
إن أي تجمع أو تحالف يقوم على أسس ومقاييس وثقافة طائفية أو عنصرية هو، عن قصد أو غير قصد، ترسيخٌ وتعميق  للفصل العنصري والطائفي في العراق لن يُنتج خيرا لا للطائفة السنية العراقية ولا لغيرها.

  

إذاعة وتلفزيون‏



أفلام من الذاكرة

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

987 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع