عوني القلمجي
مؤتمر تركيا خزي وعار
"ان اللقاءات التشاورية تجري في إطار الدستور العراقي وتهدف الى دعم جهود إصلاح العملية السياسية في العراق"
هذا النص الذي ورد في بيان مؤتمر انقرة في تركيا، يعلن بوضوح تام عن جوهر الهدف الذي انعقد من اجله هذا المؤتمر المخزي. ودعكم مما قيل في البيان من فقرات اخرى، حول وحدة وامن واستقرار العراق، ورفض اية صيغة لتقسيمه ارضا وشعبا، او حول دعم السلم الأهلي وتوزيع الثروة بشكل عادل وتوفير فرص العمل للشباب. فهذه ليست سوى ذر الرماد في العيون، او عدة النصب والاحتيال كما يقال. فليس غريبا اذن ان يكون الحضور من حرامية عملية المحتل السياسية، ومن الخلايا النائمة المتسترة باسم الوطن والوطنية. بالضبط كما يجري على الطرف الاخر، والمقصود المؤتمرات والاجتماعات طبق الاصل التي قادها ما يسمى بالتحالف الوطني العراقي. طك بطك هذا المؤتمر طائفي سني بامتياز، والسنة منه براء. ومؤتمرات الطرف الاخر شيعية بامتياز والشيعة منها براء، والطرف الثالث الكردي، كما جرت العادة رجل هنا ورجل هناك.
من يتابع هذه الركضة نحو الاصلاح، الشبيهة بركضة طويريج، لابد وان يخرج بنتيجة واحدة. العملية السياسية اصبحت في خطر، وان سقوطها سيعرض جلاوزتها الى مواجهة عقاب الموت، والمطلوب انقاذها تحت عنوان الاصلاح. واي حديث عن يقظة ضمير او شعور بمعاناة الناس، او "كفاها الله" كما يقول السوريون، حديث يخالف الوقائع والادلة، او على الاقل يخالف سيرة هؤلاء الذاتية الملطخة بالعمالة والخيانة الوطنية وموت الضمير وسقوط الخلق.
لكن السؤال هنا. ما هو مصدر هذا الخطر. هل هو بسبب صراعاتهم على المال والسلطة ؟ ام بسبب غياب الحكمة وسوء التدبير او عدم الكفاءة؟ ام ان هناك "عدو" خارجي قرر اسقاط هذه العملية ومعاقبة اركانها؟.
بداية لانجد صعوبة في تحديد مصدر الخطر. فهو بكل تاكيد ليس من داخل العملية السياسية. فجلاوزتها وبكل مكوناتهم الثلاثة لا يختلفوا ولا يتنازعوا، وانما اعلنو صراحة، ومن دون حياء او خجل، اتفاقهم على تقاسم الكعكعة العراقية، كل حسب قوته ووزنه. واذا حدث خلل ما في القسمة، فسرعان ما يعاد الحساب وتعاد الامور الى نصابها. اما في حال تمادي طرف على حساب طرف اخر، فراعي العملية السياسية المحتل الامريكي يرفع عصاه الغليضة التي يرتجف منها الجميع.
اذا كان العدو خارجي، ترى من هو؟ هنا بيت القصيد ومربط الفرس
اصل الحكاية بسيط جدا جدا جدا. فبعد ان رأت امريكا عمليتها السياسية تتهاوى امام الانتفاضات الشعبية المتواصلة. استنفرت عملائها وحلفائها في المنطقة، وفي المقدمة ايران والسعودية، للعمل من اجل انهاء الانتفاضة اولا، وانقاذ عمليتها السياسية من السقوط ثانيا. ومعروف ما حدث، فاحزاب ايران اطلقت مبادرة تحت اسم المصالحة الوطنية، او التسوية التاريخية، لاصلاح العملية السياسية في اطار الدستور، فردت احزاب السعودية التحية باحسن منها فطرحوا نفس المشروع وفي اطار الدستور ايضا؟ وكالعادة فالكرد يدخلوا في هذا الطريق للمساعدة اكراما للسيد الامريكي، من جهة ولتحقيق مكاسب اضافية من جهة اخرى. اما الانتقادات او الاتهامات المتبادلة التي نسمعها بين هؤلاء الجلاوزة، فهذه ليست سوى نكات بايخة وسمجة.
نعم امريكا مضطرة للدخول مباشرة في عملية الانقاذ. فهي تعتبر هذه العملية، بما تتضمنه من دستور ملغوم وقضاء فاسد ومحاصصة طائفية وعرقية، وانتخابات مزورة، وفساد مالي واداري، اهم اسلحتها الفتاكة التي تضمن لها بقاء دائم في العراق، على الرغم من وجود قوات عسكرية لديها وقواعد ضخمة منتشرة في طول البلاد وعرضها. وبالتالي، فان حمايتها من السقوط مهمة عاجلة لا تحتمل التاجيل. خاصة وان المدعو حيدر العبادي قد فشل في القيام بهذه المهمة. فلا هو استطاع انهاء الانتفاضة بالقوة العسكرية كما فعل سلفه نوري المالكي تجاه الانتفاضات التي قامت بعهده، ولا هو تمكن من الالتفاف عليها، من خلال اجراء بعض الاصلاحات التافهة. واذا اعتقد البعض بان الامور ليست بحاجة الى كل هذا الخوف، خاصة وان اركان هذه العملية قد استعادوا جزء من تاييد الناس بسبب تصديهم لداعش وتحقيق انتصارات عليها، والتعهد بتحقيق اصلاحات جذرية بعد هزيمة داعش، فان مثل هذا الاعتقاد خاطيء جدا. فامريكا تنظر للامور بعين اخرى تماما. فهي ترى نار الانتفاضات لم تزل متقدة، وان وجودها لا يزال فاعلا، رغم تراجعها الى حد كبير، وانها احبطت كل محاولات انهاءها بالقوة، او عن طريق الالتفاف عليها عبر اجراء بعض الاصلاحات التافهة.
ولكن هذا ليس كل شيء، فامريكا تعلم علم اليقين، بان الانتفاضة لم تزل تمتلك مقومات نجاحها، واحتمال عودتها بقوة اكبر وفي اي وقت. ومن بين هذه المقومات التي تعشي البصر، الدعم الذي تحظى به من قبل عموم الناس في معظم المدن العراقية ومن مختلف الفئات والاتجاهات والمذاهب والطوائف. وان ابناءها مصرون على تحقيق شعاراتها ذات المحتوى السياسي الوطني العلماني، الذي يتعاكس جملة وتفصيلا مع بناء العملية السياسية القائم على اسس المحاصصة الطائفية والعرقية والفساد المالي والاداري والخضوع للاجندات الامريكية على وجه الخصوص. واذا لم يكن هذا وذاك، فان الشعب العراقي لم يعد يتحمل هؤلاء الجلاوزة جراء سقوطهم السياسي والاخلاقي والمجتمعي، وارتكاب الجرائم والمتاجرة بالدم العراقي. فهذا وحده يتطلب من امريكا، باعتبارها راعية لهذه العملية السياسية، التدخل لوضع حد لهذا السلوك المشين، واجراء بعض الاصلاحات الشكلية على حساب بعض مكتسبات جلاوزتها، دون المساس بجوهر الاسس التي قام عليها بناء العملية السياسية، وخاصة نظام المحاصصة الطائفية والعرقية المقيت.
ايها الناس لا تراهنوا على هؤلاء العملاء والمجرمين والحرامية. وحتى اذا نفخ الله في صورتهم وهداهم لعمل الخير، فانهم لن يتمكنوا من تحقيق مكسب واحد للناس من خلال هذه العملية السياسية. هذا الراي لا يدخل في باب الكيدية، كون كاتب هذه السطور، ضد هذه العملية، ولا في باب المبالغة من اجل تحقيق هدف سياسي، ولا هو قصور فكري أو سياسي في تشخيص الحالة. وانما يدخل في باب الوقائع والحقائق العنيدة. وفي هذا الخصوص. ناخذ ركن من اركان هذه العملية الطائفية وهو الدستور. حيث لا يختلف اثنان، بما فيهم جلاوزة هذه العملية، بان هذا الدستور الذي كتبه الصهيوني نوح فلدمان وعدله، نحو الاسوا، بيتر غالبريت، كان الهدف منه ليس وضع اسس لبناء العراق وخدمة العراقيين، وانما تدميره وتقسيمه وتمزيق وحدته الوطنية وتجويع الناس واذلالهم وتجهيلهم باعتبار ذلك من اهم شروط تكريس مشروع الاحتلال لعقود طويلة من الزمن. وبالتالي فان اي اصلاح ضمن اطار الدستور، ضحك على الذقون واستخفاف بالعقول. حيث المطلوب قبل هذا وذاك اصلاح الدستور اولا قبل ان يكون هذا الدستور الملغوم مرجعية للاصلاح. بل المطلوب تمزيقه ورميه في سلة المهملات. واذا قال قائلهم، بامكانية تعديل الدستور والغاء المواد التي تعيق الاصلاح، فان هذا القول ينطوي على كذب صريح. فعلى سبيل المثال لا الحصر، فان المادة 142 تضع اسوار حديدية امام اي تعديل، فهي تمنح في الفقرة الرابعة منها الحق لثلثي السكان في ثلاث محافظات ابطال مثل هذا التعديل، او اي تعديل اخر. وهذا يعني بان الكرد بامكانهم ابطال اي مادة تتعاكس مع مصالحهم، مثل التمسك بعروبة العراق او الحفاظ على وحدته، لوجود ثلاث محافظات تحت سيطرتهم بالكامل.
اما الانتخابات القادمة التي ستاتي برجال وطنيين ومخلصين ونزيهين وتكنوقراط الخ فهذه كذبة اخرى. فالانتخابات التي مرت في العراق وما نتج عنها من مجالس نيابية وحكومات، فهذه هي الاخرى قد تقررت نتائجها وفق نظام المحاصصة الطائفية والعرقية، بحيث يكون رئيس الدولة كردي، ورئيس الوزراء شيعي ورئيس البرلمان سني. وبالتالي لا يمكن المراهنة عليها لاختراق العملية السياسية بفوز جهات او شخصيات وطنية شريفة. بل حتى العميل الغير مرغوب به لا يمكن فوزه عبر صناديق الاقتراع. واستبعاد العميل اياد علاوي من تشكيل الحكومة، رغم فوزه بالانتخابات، لصالح نوري المالكي الفائز الثاني، خير دليل على ذلك. ناهيك عن ان الانتخابات اعتمدت على اسماء قوائم دون معرفة اسماء المرشحين، وعلى فتاوى دينية بانتخاب هذه الجهة وتحريم انتخاب الاخرى، وعلى ممارسة عمليات التهديد ومحاربة الناس في لقمة عيشهم، او الفصل من الوظائف والاعمال وغيرها، بدل استقطاب الناس وكسب اصوات الناخبين على اساس البرامج السياسية والوطنية. وهكذا بالنسبة للقضاء والهيئات المستقلة. فقد اثبت سنين الاحتلال بان لا احد يتمكن من المساس بهذه الهيئة او تلك، ولا بنظامها او تركيبتها بما فيهم شخوصها.
هذا المؤتمر المخزي اذن، ليس سوى واحدة من المحاولات التي استحضرها الامريكان للالتفاف على الانتفاضة الشعبية المتواصلة، رغم ضعفها، وان انعقاده ضمن هذا السياق الامريكي يضيف على اصحابه دليلا اخر على مدى عمالتهم للاجنبي وعلى خيانتهم للوطن. بل من حقي كمواطن ان ادعوا الشعب العراقي الى وضع هؤلاء العملاء على راس قائمة الخونة ومطاردتهم بكافة الوسائل، ومنها القانونية لتقديمهم للمحاكم لنيل الجزاء العادل. ان خطورة هؤلاء لا تقل عن خطورة المليشيات المسلحة التابعة لايران، ومليشيات الدواعش التابعة لامريكا ودول مخابراتية اخرى. بمعنى اخر فان هؤلاء جميعا هم الوجه الاخر لداعش البغدادي. أو داعش العامري او داعش الخزعلي او فياض.
خلاصة القول، ان من يعتقد باصلاح العملية السياسية على يد امريكا او عملائها هو واهم تماما، بالمقابل فان من يراهن على اسقاطها عبر الانتفاضات السلمية وحدها لهو في ضلال مبين. لقد قدم لنا اطراف العملية السياسية فرصة ثمينة للاجهاز عليها، فما ظهر من جرائم وفضائح وما بطن منها، اصبحت اكثر من كافية لدفع العراقيين الى الانتقال من الانتفاضات السلمية الى الانتفاضات المسلحة، للتخلص من الاحتلال الامريكي وتابعه الايراني وعمليتهم السياسية وشرورها. فمهما بلغ المحتل وعملائه من قوة، لن يتمكنوا من فرض ارادتهم على الشعوب المستعمرة الى ما لا نهاية. وشعب العراق قد اثبت هذه الحقيقة، فهو قد رفض الاستسلام للمحتل الامريكي، وشرع في مقاومته منذ اليوم الاول لاحتلال بغداد، والحق به هزائم نكراء كان انسحاب معظم قوات الاحتلال الامريكية واحدة منها، رغم امكانات الشعب العراقي المتواضعة والاسلحة البسيطة التي قاتل بها، وبالتالي فان هذا الشعب قادر على اسقاط العملية السياسية وطرد كل اجنبي من العراق عاجلا ام اجلا ، وان غدا لناظره قريب.
عوني القلمجي
13/3/2017
996 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع