علاء الدين الأعرجي
مفكر/باحث عراقي مقيم في نيويورك
موجز تحليلي مكثف لكتاب"أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي
بين العقل الفاعل والعقل المنفعل"
الطبعة الأولى، بيروت، 2004
الطبعة الثانية، الجزائر، 2006
الطبعة الثالثة، القاهرة، 2009
الطبعة الرابعة، بغداد، 2015 ، مزيدة
الطبعة الخامسة، لندن، إلكترونية، 2015.
أنظر آخر المقال، هدية المؤلف للقراء.
من مقدمة الطبعة الأولى
هذه مجموعة فصول مختارة نُشرت تباعاً بشكل دراسات بحثية، منذ بضع سنوات. وهي تشكل حلقات متكاملة من موضوع واحد يتعلق بـ"أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي"، في بعض أبعادها التاريخية والسوسيولوجية والفلسفية، وعلاقـة تلك الأزمة بما يعاني منه الشعب العربي من نكبات وما ينتظره من ويلات(قلت هذا في عام 2004، متوقعاً "ما ينتظره من ويلات" والأن يصدق ما توقعته ونحن في عام 2017) ولئن تبدو بعض الاستـنـتاجات قاسية أو صادمة، إلا أنها تـنطلق من حرص الكاتب الشديد على مستقبل هذه الأمة ومصيرها.
وتشكل هذه البحوث محاولة متواضعة لسبر أُسّ المرض، وتلقي ضوءً على بعض العلاج. ومع ذلك أشار الكاتب إلى أن الدراسات الإنسانية، خلافا للحقائق العلمية، تظل عرضة للنقاش والشك. ويعترف باحتمال تعرضه للشطط والزلل. لذلك يتطلع لاستمزاج آراء وملاحظات الزملاء خاصة، والقراء عامة، ولاسيما النقاد، ليأخذها بعين الاعتبار.
ففي الفصل الأول التمهيدي(غير منشور سابقا) من هذا الكتاب، جازف المؤلف بالتعرض، صراحة، لمسألة إمكانية انقراض الأمة العربية، أسوة بأمم عديدة انقرضت قبلها، كما أكد فيلسوف التاريخ" أرنولد توينبي A.Toynbee". وبَـيَّـن المؤلف علامات سقوطها ومؤشراته، منذ فترة طويلة، ثم تفاقم هذه الأوضاع في العصر الحديث. وهي على أربعة أصناف: مادية ومعنوية واقتصادية وتكميلية، وقد تتداخل هذه المظاهر أو تتكامل أو تتوازى في الغالب. وذكر منها سبعة عشر مؤشرا، من بين عشرات أخرى، كانت وما تزال قائمة، منذ مئات السنين. واستشرف مستقبل الأمة الكالح في ظل التداعيات الجارية والظروف الراهنة.(قلت ذلك في عام 2004، ولكننا نلاحظ مدى تفاقمها ونحن في عام 2017) ولئن تعرض الكاتب لهذه المؤشرات، فإنه يحاول مواجهة الحقائق ولو كانت مرّة، كما أنه يلح على قرع ناقوس الخطر الداهم لشحذ العـقول وإبداع الحلول، وتنبيه الزعماء السياسيين، والمعـنيـين والمثـقـفيـن والمفكرين والمتخصصين، الحريصين على مصير أمتنا العربية العريقة والعظيمة.
وبغية تبرير هذه المخاوف القائمة ودعمها على أسس نظرية وتاريخية، بحث المؤلف، في الفصل الثاني، مسألة "نشوء الحضارات وازدهارها وسقوطها"، من خلال بعض من آراء ونظريات علمين من أبرز علماء التاريخ والاجتماع: ابن خلدون الذي يعتبر أول مفكر طـَرَقَ هذا الموضوع، الشائك، وأول من طرح مسألة بداوة العرب التي ظلت تنخر دعائم الحضارة العربية الإسلامية، حتى يومنا هذا. ثم أهم مفكر غربي عالج الموضوع في القرن العشرين:أرنولد توينبي، في كتابه الموسوعي"دراسة للتاريخ" (13مجلدا). وقد حـَصَرَ هذا المفكر الحضارات البشرية في 21حضارة، انقرض منها 14 حضارة، والست الباقية في طريقها إلى الانقراض، منها الحضارة (العربية) الإسلامية. أما السابعة وهي الحضارة الغربية، فلم يُعرف مصيرها بعد. ومن هنا انطلق الكاتب في بحث مصير الحضارة العربية الإسلامية المظلم، إلا إذا تحولت من حالة الجمود إلى حالة الحركة، وذلك من خلال جهود أبنائها، وخاصة قياداتها ومفكريها. ولاحظ أن مسألة ثنائية الحركة والجمود، كما يرى جمهور الباحثين، بما فيهم "توينبي" و"ويل ديورانت"، مؤلف موسوعة" قصة الحضارة"، ومحمد عابد الجابري، صاحب "رباعية نقد العقل العربي"، تشكل المحور الرئيس الذي يقرر ظهور الحضارة وتقدمها وازدهارها، أو ضمورها وانهيارها. وبالتالي سيقرر هذا المحور بالذات مصير حضارتنا. كما شرع الباحث، في هذا الفصل، بطرح نظرية مُتـَـقـَحِـّمَة، تفسر عدم شفاء العرب من العقلية البدوية، التي كانت، ولا تزال، إلى حد بعيد، سائدة في الجزيرة العربية، بل وفي معظم المجتمعات العربية. وتستـند هذه النظرية إلى حقائق تاريخية تدور حول"عدم مرور العرب بمرحلة الزراعة"، على نحو يكفي لمحو القيم البدوية.
ولكن كيف يمكن لأبناء الأمة العربية أن ينتقلوا من حالة الجمود إلى حالة الحركة، في الوقت الذي يخضعون فيه لألف قيد وقيد؟ وللإجابة عن هذا السؤال، بحث المؤلف في أمر تحرير الإنسان العربي من تلك القيود، أولا،ً ليتمكن من الحركة، بكل معانيها وأبعادها، وخاصة حركة الفكر والإبداع والابتكار، وبالتالي التقدم. غير أنه لاحظ، بتمعن، أن تحرير الإنسان يتطلب النظر في تحرير عقله قبل كل شيء. فالعقل المكبل بعشرات الأغلال المفروضة عليه من سلطات متعددة، منها سلطة "الآخر" الحاكم بأمره، في الداخل أو الزعيم المستبد؛ أو من الخارج: الهيمنة الأجنبية، والتبعية إلى الآخر، بجميع أشكالها، ومنها السياسية والاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والفكرية والثقافية؛ فضلا عن سلطة الماضي أو السلف، أو سلطة الأموات على الأحياء، بالإضافة إلى سلطة المجتمع( أو بالأحرى سلطة ما يطلق عليه الباحث مصطلح "العقل المجتمعي")، بكل ما يحمله من تقاليد وأعراف وقيم وعقائد ومسلـّمات متخلفة من الفترة المظلمة، بوجه خاص، يقول المؤلف- هذا العقل المقيد، لا يُخلـِّف إنساناً حرا مبدعا، بل دمية تحركها الخيوط المتصلة بجميع تلك السلطات.
وهذا ما يبحثـه الفصلان الثالث والرابع، تحت عنوان"تحرير الإنسان العربي من خلال تحرير العقل العربي" في حلقتين. فبعد أن حدد مفهوم العقل وميّـز بين العقل والفكر، تساءل عن وجود عقل عربي متميز، كما يوجد عقل متميز لكل شعب أو "وحدة مجتمعية" معينة. وشرح، بتفصيل واف، أشكال وأصناف السجون التي يخضع لها العقل العربي، التي تتراوح بين سجون خارجية، يفرضها الزعيم الأوحد، أو "الآخر": الأجنبي المستعمِـر أو المستـثمِـر والمتـنفذ؛ وأخرى ذاتية، يفرضها العقل الفردي نفسه على ذاته، دون أن يعي ذلك. ومنها قيود القيم والأعراف والتقاليد والمعتقدات، أي المسلـَّمات التي يفرضها "العقل المجتمعي" السائد على معظم أعضاء المجتمع. ثمَّ عرَّج على صدمة العقل العربي لدى احتكاكه بالحضارة الغربية، بوجهيها المشرق والبشع، ونكوصه إلى ماضيه التليد، يستلهمه، ليـتوكأ عليه أو يستر عورته ويحمي غربته، كدفاع تلقائي بدائي عن الذات: الهوية، الثقافة، العقيدة. ثم باشر بإرساء نظرية "العقل المجتمعي"، ذلك "الكيان" الذي يحمل تاريخ المجتمع، وبالتالي قيـَمه ومسلـّماته. وأشار إلى أنه في الوقت الذي يقوم فيه ذلك العقل، على الجانب الإيجابي، بتمثيل ذاكرة المجتمع و تثبيت هويته وثقافته، من جهة، فهو يشكل، في ذات الوقت، على الجانب السلبي، قيدا ثقيلا على حرية الإنسان العربي وقدراته الإبداعية، من جهة أخرى، نظرا لأن "العقل المجتمعي" العربي، في هذه الحالة بالذات، خاضع بوجه خاص، لتاريخ "التخلف" الذي أعقب فترة ازدهار الحضارة العربية الإسلامية. أي أنه حاول أن يثبت أن الإنسان العربي المعاصر هو سليل "الفترة المظلمة"، وليس سليل الحضارة العربية الإسلامية في عصرها الذهبي الآفـل، خلافا لما قد يتصور الكثير من الناس. وهذه نقطة أغفلها العديد من الباحثين، كما يعتقد المؤلف. ومن جهة ثالثة، حتى لو افـْـتـُرضنا جدلا أن هذا العقل له علاقة بتلك الحضارة العريقة، ولكن ْ " لكل زمان ٍ دولة ٌ ورجالُ"، و تتغير "الأحكام بتغير الأزمان"، كما قال فقهاؤنا. فضلا عن أن حضارة العرب التالدة قد مر بمحطتها قطار الحضارة، منذ أكثر من ألف عام، وهو الآن في محطة تبعد مئات الآلاف من الأميال عنها.
وسعيا وراء معالجة بعض هذه الأوصاب، لجأ المؤلف إلى نظرية "العقل الفاعل والعقل المنفعل"، التي تحاول أن تـُوَصِّـفُ وتحدد كيفية الخلاص من قهر "العقل المجتمعي"، في وجهه المتخلف. كما أنها تحلل وتـُنـَظـِّرُ، من جهة ثانية، الصراع المتواصل بين "العقل الفاعل والعقل المنفعل"، على صعيد الفرد والجماعة، الذي يتوقف على نتائجه تقدم المجتمع أو تخلفه: فالتخلف يتناسب طرديا مع رجحان كفة العقل المنفعل، وعكسيا مع رجحان كفة العقل الفاعل. بينما يتـناسب التقدم طرديا مع رجحان كفة العقل الفاعل، وعكسيا مع رجحان كفة العقل المنفعل.
وهكذا فقد بحث الكاتب في الفصول الثلاثة الأخيرة أزمة العقل العربي المعاصر من خلال "ثنائية الإبداع والاتـِّباع"، باعتبارها ترتبط ارتباطا مباشرا، وغير مباشر، بالعقل المجتمعي وبنظرية العقل الفاعل والعقل المنفعل. فبقدر ما يتحرر الإنسان العربي من "العقل المجتمعي" في جانبه السلبي، ومن عقله المنفعل، الخاضع لذلك العقل، عن طريق استخدام عقله الفاعل؛ يكون، بنفس القدر، متمكنا من الخلق والإبداع، باعتبارهما مفتاح تقدم الأمم وانطلاق الحضارة.
وخلال جميع هذه البحوث كانت مسألة تمكين المرأة مسألة أساسية، ماثلة ضمنا، سواء باعتبارها تشكل جزءا مهما من جوهر"العقل المجتمعي"، بوجه عام، أو باعتبارها جزءا من مضمون "العقل العربي الفردي الذكوري المنفعل"، الذي يعتبر المرأة متاعا أو سلعة. ويعتقد المؤلف أن مسألة تحرير المرأة هي جزء أساسي من تحرير عقل الرجل العربي المنفعل بذلك العقل المجتمعي في وجهه المتخلف، والموروث خاصة من العصور المظلمة من تاريخ المجتمع العربي والإسلامي .
ويعكف الباحث الآن على تنسيق وإصدار الجزء الثاني من كتابه "أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي". الذي نشره فعلا في حلقات متسلسلة، ظهرت تباعا في19 فصلا، في مجلة"صوت داهش" الفصلية، التي تصدر في نيويورك، ابتداء من عدد صيف 2002 إلى شتاء 2007 .
وتشكل هذه الموضوعات حلقات في سلسلة العوامل الأساسية التي أدت إلى أزمة التطور الحضاري في الوطن العربي، منذ اصطدام العرب بالحضارة الغربية المعاصرة حتى يومنا هذا. وهي بالتالي تـُنـَظـِّر لأسباب فشل النهضة العربية. والأهم من ذلك، أنها تدعو ضمنا، جميع المفكرين والكتاب والمثقفين الحريصين على مستقبل هذه الأمة، لتكريس جهودهم وشحذ "عقولهم الفاعلة"، للتوصل إلى وضع بعض الحلول التي تسعى إلى إنقاذ هذه الأمة من هذه الغـُمـَّة. ولئن يعرب الكاتب عن تقديره البالغ لأعمال جميع المفكرين الكبار الذين أسهموا في هذا المجال، وذكرهم في سياق بحثه، فإنه يعترف بفضلهم في الإيحاء له بكتابة هذه السطور المتواضعة، كقطرات قليلة في المنابع التي فجروها. ولئن أحرص، بأعلى درجات الوعيٍّ، على إعادة الفضل إلى أهله مع كل التقدير والشكر، غير أنني أعترف بكل اعتزاز، بأن كاتب هذه السطور اختلف عنهم جميعاً (وليس خالفهم جميعا) ، فتوصل، بكل تواضع إلى نظريات يمكن أن أجادل بأنها جديدة على الفكر العربي عموماً وربما على الفكر العالمي. وهذه نقطة مهمة جديرة بالبحث الموّسع، ما يخرج عن موضوعنا. اكرر أنني لن أجزم، بل أعترف باحتمال الخطأ، ومع ذلك يمكنني أن أجادل، بكل تواضع، بشأن إيضاح وتفسير نظرياتي ومدى عقلانيتها وواقعيتها، ثم أتيمن بقول الشافعي" "رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
* * *
وفي سياق بحث وتحليل هذه القضايا الفكرية والتاريخية، التزم المؤلف بمنهج البحث الموضوعي العلمي، المدعوم بالحجج العقلية والشواهد التاريخية، قدر الإمكان. وبقدر ما يتعلق بالمقـتبسات التاريخية أو الفكرية أو النصية،التزم الكاتب ،بصرامة، بتثبيت مصادر البحث، بالمستويات الأكاديمية المعروفة. وتوخيا لزيادة الإيضاح، ثبـَّت الاستطرادات وشرح المسائل ذات العلاقة بأية نقطة، في الحواشي المطولة أحيانا، في آخر كل فصل من الفصول.
وأهدي إليكم الطبعة الأخيرة:
https://drive.google.com/file/d/0B7-yP9NKQgUrZHdPdlZCSUtPYTg/view
3088 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع