من حكايات جدتي ... الخامسة والأربعين

                                           

                      بدري نوئيل يوسف

       

صانع المعروف

تقول جدتي أن في احد الايام خرج جارنا أبو البنات الى البرية يمشي بين البساتين والأدغال، وكان سعيد جدا حيث الطبيعة الجميلة والخلابة التي تحيطها الاشجار العالية، وكان جارنا يسير مستمتعا بمنظر الاغصان وهي تحجب عنه اشعة الشمس من شدة كثافتها، ويستمع الى زقزقة العصافير ، ويستنشق عبير الزهور التي تفوح منها ازكى وأطيب الروائح الطيبة، بينما هو يمشي مستمتعا بكل تلك الطبيعة الرائعة سمع صوت عدو سريع وكان الصوت يقرب منه ، فالتفت جارنا الى الخلف، يرى اسدا ضخما ينطلق بسرعة خيالية نحوه، ومن شدة جوع الاسد كان خصره ضامرا بشكل واضح وجلي، فاخذ جارنا يجري مسرعا حتى رأى بئرا قديمة قفز بداخلها قفزة قوية، فإذا هو في داخل البئر ممسكا الحبل الذي يسحب به دلو الماء، بدأ يتأرجح داخل البئر حتى هدأ الوضع وسكن زئير الأسد، انتبه وهو يسمع صوت قادم من اسفل البئر، عرف أنه فحيح افعى، نظر لأسفل البئر يشاهد افعى ضخم الرأس وطويل جدا يرقد بجوف البئر، وبينما هو يفكر بطريقة يتخلص من الاسد والثعبان اذا بفأرين يصعدان الى اعلى الحبل المتعلق به وبدءا يقرضان الحبل بسرعة عجيبة، فهلع جارنا وخاف خوفا شديدا من انقطاع الحبل وسقوطه في فم الافعى الضخم، فاخذ يهز الحبل بيديه بهدف ان يخاف الفأرين ويذهبا بعيدا، و من شدة الاهتزاز اصبح جارنا يتأرجح يمينا ويسارا في البئر حتى ارتطم جسده بشيء رطب ولزج ضرب بمرفقه فإذا هو عسل نحل، والنحل تبني خلاياها في الجبال وعلى الاشجار وكذلك بالكهوف والآبار، فقام جارنا بالتذوق منه وكرر ذلك، ومن شدة حلاوة العسل نسي جارنا الموقف الذي هو فيه تماما وفجأة استيقظ جارنا من النوم فقد كان حلما مزعجا ! وفي اليوم التالي قرر جارنا ان يذهب الى احد شيوخ تفسير الاحلام، حتى يفسر له حلمه، وبالفعل ذهب جارنا الى شيخ فاهم ذو خبرة بالتفسير الصحيح، وعندما اخبره بالحلم ضحك الشيخ كثيرا سأله: ألم تعرف تفسيره؟ أجاب جارنا: لا والله لم اعرف. قال له الشيخ : انما الاسد الذي يجري ورائك فهو ملك الموت، والبئر الذي به الثعبان هو قبرك، والحبل الذي تتعلق به هو عمرك، والفأرين الاسود والابيض الذين يقرضان الحبل هما الليل والنهار ينقصان من عمرك. قال جارنا: والعسل يا شيخ؟  قال الشيخ : هو الدنيا من حلاوتها انستك ان أمامك موت وحساب .
نعود لحكايتنا اليومية تقول جدتي:كان يا ما كان في قديم الزمان، رجلا يدعى معروف فلاح يعيش على شاطئ أحدى البحيرات في مزرعته الصغيرة، كان عمله الذي أخذه عن والده الاعتناء بالأرض من حرث الأرض وزراعتها وريها.
يعتبر هذا العمل خدمة لعائلته التي اعطته الكثير ولا يبخل عليها بأي شيء.
كان معروف بجلوسه مقابل البحيرة يتسلى بمظهر البحيرة التي تعيش فيها مجموعة مختلفة من طيور الاوز والبط، وكانت أشكالها رائعة جميلة وبالأخص عند سباحتها في البحيرة ، مما تعود أن يراها يوميا حيث كانت هذه هي تسليته الوحيدةمعروف لا يعرف الكسل، فهو بعد الفجر مباشرة يستيقظ نشطا متفائلا، ولما كان عمله بدنيا فقد ازدادت صحته قوة وصلابة، وأصبح يضاعف العمل في مزرعته، فعرف أن زيادة الانتاج دائما تأتي بالعزيمة والايمان.
ذات يوم وهو في مزرعته أثناء قيامه بحرث الأرض وزراعتها، إذا بصوت خافت يأتي من خلفه ، فاستدار ليرى ما سبب هذا الصوت، فإذا هو ثعبان ضخم البنية، فتخوف معروف وأراد الهرب، لكن الثعبان قال له :
قف أيها الفلاح وأسمع حديثي لعلك تشفق عليّ، وإن لم تقتنع ، أتركني ومصيري فصعد الفلاح على ربوة وبسرعة حتى جعل مسافة بينه وبين الثعبان من بعيد، قال الثعبان :
إنني لم أضر أحدا في هذه القرية وقد عشت فيها فترة طويلة، وانظر حيث ستجد أبنائي خلف الشجرة ينتظرون قدومي بفارغ الصبر وانظر الى ذلك الراعي يريد أن يقضي عليّ بفأسه فخبئني حتى يذهب، وسوف لا تندم على عملك، فنزل معروف وخبأه في مكان لا يراه ذلك الراعي الذي ظل يبحث عنه هنا وهناك ولم يجده، بعدما غاب الراعي عن الأنظار ولم يجد فائدة من البحث عن الثعبان، ولما أحس الثعبان بالأمان والاطمئنان، أخذ يلتف على معروف الذي أمنه على نفسه، وجد معروف نفسه في ورطة كبيرة، فالثعبان السام يلتف حول عنقه، وحتى الصراخ لو فكر فيه لن يفيده فالمكان لا يوجد فيه أحد وخاصة أن خيوط الليل بدأت تظهر في السماء، وأهالي القرية بعيدون عن كوخه ومزرعته تعودوا أن يناموا مبكرين، ومن يغيثه من هذا الثعبان الذي يضغط على رقبته ويقضي عليه ؟ وهل ممكن لشخص ما أن يقترب ؟ المنظر رهيب جدا وهل يصدق أحد أن أنسانا ما يسمع كلام الثعبان مثل معروف ويؤمنه ويقربه اليه ؟ وهنا قال معروف للثعبان :
أمهلني حتى أصلي ثم اعود اليك، وافق الثعبان وتركه حتى يصلي، توضأ معروف وصلى ركعتين وطلب من الله سبحانه وتعالى أن يخلصه من هذا الثعبان المخيف الرهيب بضخامته وسمومه القاتلة، وبينما هو يدعو إذا بشجرة نبتت وارتفعت أغصانها وصارت لها فروع، فتدلى غصن، تحبب الثعابين أكله، فاقترب الغصن الى فم الثعبان، فأخذ الثعبان يلتهم الغصن وبعد دقائق حتى انهار الثعبان وفقد قوته، وكانت تلك الشجرة عبارة عن سم، فقتل ذلك الثعبان الذي لم يوف بعهده مع من حماه ، وفجأة اختفت الشجرة المسمومة وعلم معروف أن الله قريب من الانسان، وانه لابد أن يعمل المعروف مع كل الناس، ومع من يطلب منه ذلك.
المصدر التراث الشعبي

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

2128 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع