اعداد : بدري نوئيل يوسف
من حكايات جدتي ... الثالثة والأربعين
ست الحسن وعلاء الدين
حدثتنا جدتي نقلا عن جارنا ابو شاكر الذي تزوج مرتان، انه يبيت في منزل اخيه ولا يفضل الرجوع للمنزل بعد ما اشتد الخلاف بين الزوجتان وانه ينطبق المثل القائل عليه (ام حسين جنًتي بوحًدًه صرٍتي بآثنين). سئلنا جدتي عن قصة المثل قالت: في احد الايام صادف احد الرجال الفقراء المتعففين وهو في طريق عودته الى المنزل، طفل ملفوف بقطعة قماش موضوع على حافة الطريق، والطفل يصرخ ويبكي، تحنن قلبه وحمله وأخذه الى زوجته، كانت هذه الزوجة المسيطرة في البيت وزوجها يخاف منها وبيدها الحل والربط، وعندما اعلمها بأنه عثر على طفل لقيط في الشارع، جن جنونها وصرخت وطلبت منه أن يعيد الطفل الى مكانه وإلا ستترك المنزل وتهجره، توكل الرجل على الله وحمل الطفل وخرج من منزله لكي يعيده الى مكانه، وفي الطريق مر الرجل من امام حمام نسوان، فكر قليلا وتوقف ينظر الى بناية الحمام، جاءته فكرة، طرق باب الحمام عدة مرات حتى خرجت صاحبة الحمام ، قال لها: خذي هذا الطفل وأعطيه الى امه لان وقت رضاعته، وأنا سوف انتظر عند الباب، اخذت صاحبة الحمام الطفل منه، وسألته ما اسم ام الطفل؟ قال لها: اسمها أم حسين، دخلت صاحبة الحمام للداخل، وسألت النساء من هي أم حسين؟ أجابت احدى النساء وهي في العقد السادس: أنا أم حسين ، قالت لها صاحبة الحمام: خذي ابنك رضيعيه وأبوه ينتظره خارج أمام باب الحمام، أجابت أم حسين بعصبية وانفعال، زوجي مات من عشر سنوات، وعمري ستون سنة، ولا اعرف هذا الطفل، ولا عندي طفل، خرجت صاحبة الحمام وأم حسين يبحثون على الرجل، لم يجدا الرجل لأنه هرب . اخذت ام حسين الطفل وهي محتارة أين ستأخذه؟ وماذا تقول للذين يعرفونها، وأخيرا قررت الذهاب الى احد المساجد وتركه عند الباب وتهرب، ربما يجده احد المصلين ويأخذه . في ساعة متأخرة من الليل خرجت أم حسين متوجهة نحو المسجد القريب لمنزلها، وصلت بناية المسجد، وعند وضعها الطفل فوق عتبة الباب، بدأ الطفل يبكي ويصرخ، سمعها خادم المسجد الذي كان قريب من الباب، بدأ يصرخ وامسك ام حسين وقال لها ألا تخجلين يا امرأة كل يوم تتركين طفل عند باب المسجد، نادى على ابنه وقال له :( امشي بسرعة جيب الطفل اللكيناه البارحه)، دخل مسرعا وجلب الطفل الثاني وأعطاه لام حسين، وهددوها وطردوها من باب المسجد، رجعت ام حسين محتارة مهمومة وهي تردد:ام حسين جنتي بواحد صرتي بثنين.
نعود لحكايتنا اليومية، كان يا مكان في قديم الزمان،كان فلاح مع زوجته يعيشان سعيدان بدون أولاد أي (لا صبيان ولا بنات)، وفي يوم من الأيام سمعت زوجة الفلاّح منادي ينادي: ( تفاح الجبل للحبل، تفاح الجبل للحبل). طار عقلها من الفرحة وحنّت للأولاد، خرجت مسرعة من منزلها، ونادت على المنادي واشترت من البائع تفاحة جميلة خد أحمر وخد أصفر، ودفعت ثمنها من ما جمعته في حياتها من المال، وضعت التفاحة في الشباك حتى يعود زوجها من البستان، لتأكل التفاحة معه مساءً قبل أن ينام.
جاء الزوج تعباً وجائعاً فوضع عدّة الفلاحة في الإسطبل ودخل إلى البيت، رأى التفاحة فأعجبته واشتهاها وظن أن زوجته احتفظت له بها، فأكلها بلقمتين ووجد طعمها لذيذًا لم يذق مثله في حياته وجلس يحمد الله، في المساء بحثت المرأة عن التفاحة فلم تجدها، فسألت زوجها عنها فأخبرها أنه أكلها وشكرها عليها، فصاحت وناحت وقالت له: إنها تفاحة الجبل للحبل، وقد أكلتها لوحدك يا ويلي ماذا سيحدث معك، فضحك على عقلها وقال: عقلك صغير حتى تصدقي هذه الأمور.
مضت الأيام والشهور وقد نسيا موضوع التفاحة، لكن الرجل بدأ يشعر أن رجله تكبر، وأخذت تؤلمه فذهب إلى الطبيب، فتعجب من أمره وقال له: الغريب أن رجلك حامل وفيها ولد وهذا لم يحدث من قبل. خاف الرجل وفزع من هذا الأمر، واستحى أن يقول لزوجته الحقيقة، فلمّ أغراضه بحجّة أنه مسافر سفرة بعيدة، وذهب وسكن في الغابة وحده حتى جاءه المخاض تحت شجرة كبيرة، وكان على الشجرة طاووس وقاق (طائر أسود الرأس والجناحين) ، فساعداه حتى خرجت من رجله بنت حلوة مثل القمر، لفّها في بعض الملابس ووضعها على غصن شجرة، وعاد إلى بيته، وكأن شيئًا لم يحدث.
تقاتل الطاووس والقاق على الطفلة حتى تغلّبت القاق عليه، وأخذت الطفلة إلى عشها فأطعمتها، ورعتها، وسمتها ست الحسن حتى كبرت الصبية، وصارت سبحان الذي خلقها، وكانت تلعب مع الغزلان في البرية وتأكل من ثمار الغابة. في يوم من الأيام خرج الامير علاء الدين للصيد والقنص، فرأى الصبية سارحة مع الغزلان، فقال لرفاقه كل الصيد لكم إلا هذا الصيد لي، ولاحق الصبية حتى صادها بالشبكة، فتعجب من حسنها وجمالها كأنها البدر التمام، فأخذها إلى البيت وألبسها أحسن لباس وفرش لها أحسن غرفة في القصر، وأوصى أمه وبنت خاله التي تسكن معهم في القصر الاعتناء بها، لكنهما كانا بغياب علاء الدين يعاملاها معاملة الخادمة ويقسوان عليها.
أما علاء الدين فقد عشق الصبية ولم يعد يصبر عليها، فقال لأمه أنه يريد أن يتزوجها، فحاولت أمه منعه من الزواج منها، ولكنه أصرّ علي الزواج منها وعمل فرحاً كبيرًا وتزوجها، فوجدها مليحة وبنت ناس وصاحبة نخوة وناموس، وصارت ترعى البيت وتنظفه وتكنسه، وتطبخ الطعام وعاشا حياة سعيدة وفي أحسن حال.
بعد فترة من الزمن أراد علاء الدين أن يسافر في رحلة تجارة بعيدة، فأوصى أمه وبنت خاله أن يعتنيا بزوجته في غيابه، لكنهما بعد أن سافر علاء جعلتا الصبية تخلع ملابسها، وألبستاها ثياباً عتيقة وسخة، وضربتاها حتى ورم جسمها، وأعطياها كسرة خبز يابسة وطرداها من البيت، وهدّداها إن عادت سيقتلانها.
بعد رحيل الصبية ألبست الأم ثياب ست الحسن لبنت اخيها، وزينتها حتى صارت مثل زوجة علاء الدين، وعملت قبراً على أنه قبر بنت خاله، ولما عاد أخبرته أن بنت خالك ماتت، فحزن عليها حزنًا شديدًا، ورأى بنت خاله التي تنكرت على أنها زوجته حالتها متغيّرة، فسأل أمه عن هذا الأمر فقالت له: حالها تغيّر من الحزن على بنت خالك ومن غيابك عنها.
أما الصبية ست الحسن فقد مشت في البرية، حتى وصلت إلى شجرة كبيرة جلست تحتها تستريح من التعب والمشي، نعست ست الحسن ونامت ، مرّت القاق ورأتها على هذه الحال تذكرها فأخذتها إلى البيت، واعتنت بها وعرفت قصتها فطيّبت خاطرها وقالت لها: اصبري سيأتيك الفرج إن شاء الله، وتأخذين بثأرك من أعدائك.
في الصباح شيد القاق قصراً أحسن من قصر علاء الدين، وفيه حديقة وبستان فيها من كل الفواكه والثمار وما لذّ وطاب، وعيّنت لها حراساً وحاشية وخدّاماً فعاشت في القصر كالأميرات .
في يوم من الأيام مرّت بنت خال علاء الدين المتنكرة زوجته المزيفة من قرب سور القصر، فشاهدت العنب في البستان، فعادت إلى علاء الدين، وطلبت منه أن يجلب لها عنقوداً من العنب لأنها تتوحم، أرسل الخادم إلى القصر، وطرق الباب فأطلّت عليه صاحبة القصر ست الحسن من الشرفة وسألته ماذا يريد ؟ فقال لها: يا ستي أريد عنقود عنب لزوجة الامير علاء الدين لأنها تتوحم، فردت عليه: ( أمي اشتهت التفاحة وأبي أكلها وحبل فيّ، والطاووس والقاق تقاتلوا عليّ، حملت بنت خال الامير و وحامها عليّ، روح يا مقص قص لسانه حتى لا يفسد عليّ). فقصّ المقص لسانه، وعاد الخادم ( يلغلغ) في الكلام فلم يفهم عليه سيّده شيئاً، وتعجّب علاء الدين مما حصل للخادم، فأرسل الثاني فعاد يلغلغ مثل الأول، فغضب علاء الدين وصمّم أن يعرف حقيقة الأمر، فذهب إلى القصر ودقّ الباب، فعرفته ست الحسن، أرسلت له الخادم ليسأله ما يريد، فقال للخادم: لقد أرسلت خادمي ليطلبا عنقوداً من العنب، فعادا ولسانهما مقطوع، فقصّ عليه الخادم القصة وكيف طلبا، وماذا ردّت عليهما ست الحسن، وكيف أن المقص قطع لسانهما، ولما سمع علاء الدين القصة شكّ بالأمر وأن سراً خطيراً وراءه، فطلب مقابلة صاحبة القصر، فأمرت الخادم أن يدخله فرآها مثل الأميرات جالسة على عرش من الذهب سبحان الذي خلقها، فعرفها وعرفته وسألها عن قصتها، فحكت له ما جرى معها منذ أن تركها وسافر وحتى الآن وما فعلت بها أمه وبنت خاله ، غضب من أمه وبنت خاله لأنهما خدعتاه ، وصمم أن ينتقم منهما، فطلبت منه ست الحسن أن يحضرهما إلى القصر، فذهب الخادم ودعاهما إلى القصر، ولما دخلا إلى الحديقة هفّت نفسهما على الفواكه الشهية، فأكلا منها بنهم، وأمرت سيدة القصر الخادم أن يطلق الكلاب الجائعة عليهما، فهجمت عليهما ونهشت لحمهما ولم يبق منهما إلاّ العظام، وأمر علاء الدين الخدم أن يجمعوا العظام ويدفنوها، وبينما كانت ست الحسن تمشي في الحديقة داست على عظمة منها، فصدر عن العظمة صوتاً ( زيق ) فقالت: ست الحسن زيق زقّك، حزن دقّك، أنتِ متّي وأنا استوفيت.
وعاشا في لذّة ونعيم وطيب وكنا عندكم وجئنا.
المصدر :التراث الشعبي .
1612 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع