الدكتور مهند العزاوي*
تؤكد الوقائع والاحداث ان اضعف رئيس امريكي حكم الولايات المتحدة الامريكية هو " باراك حسين أوباما" حيث اطلق شرارة "الحرب الدافئة" الطويلة الامد , وقد اوشكت الولايات المتحدة الامريكية على الانهيار طيلة حكم ثماني سنوات بعد تخطى كافة التحديدات الاستراتيجية التي وضعت في الاستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة الامريكية على مدى عقود ,
حيث افقد "أوباما" أميركا الصدارة الدولية سياسيا واقتصاديا وعسكريا , وتحالف مع الاضداد التقليدين الذين يشكلون عامل قلق واضطراب في مسرح المصالح والتوازنات الدولية التي تعتمدها اميركا , وسبب الشلل النصفي للطبقة الوسطى الامريكية , وكذلك استخدم سياسة الخطوط الحمراء التي عززت الفوضى والاضطراب في الشرق الاوسط , واتاح لظاهرة "عولمة الإرهاب" بالبروز , وسمح بتناسل وانشطار التنظيمات الإرهابية والجيوش الطائفية المتعددة الجنسيات التي تجوب الشرق الأوسط , مما اغرق قلب العالم في الإرهاب المركب واطلق شرارة "الحرب الدافئة" بسمة "الحرب المركبة" ذات الاستنزاف المنظم وتجزئة الأهداف وتقويض النتائج , نعم ان أوباما كان عن قصد او غير قصد رجل الفوضى و ابرز ضحاياها دول وشعوب الشرق الأوسط التي تغرق بالدماء والموت والقتل والتهجير والنزوح مع اتساع ظاهرة "المليشيا سلطة" والدولة الفاشلة , وكذلك انهيار واضح في الأمن الاقتصادي العالمي مع بروز إرهاب القوة المرافق للارهاب العنقودي الذي يقاد عن بعد بخيوط مخابراتية لتحقيق حزمة اهداف استراتيجية لصناعها بغض النظر عن الخسائر التكتيكية , انه ارث أوباما الخطير الذي يقود الى الهاوية اذا ما قورن بالبصمات الرقمية للتداعيات التي خلفها حكم ثماني سنوات للرئيس الأمريكي السابق .
المحددات في الاستراتيجية الامريكية
تشكل الاستراتيجية الامريكية دليل عمل منهجي منتظم للدولة العميقة في الولايات المتحدة الامريكية سواء اصابت في بعضها او اخطات في جوانب أخرى , ولكنها تلائم قدرات السوبر باور والصدارة الامريكية على مدى عقود , ولعل من ابرز التحديدات العسكرية في الاستراتيجية الشاملة وبضمنها الاستراتيجيات التخصصية التي ترسم طبيعة الدور الأمريكي في المسارح العالمية والإقليمية هي :
1.منع الانتشار النووي وحمى التسلح النووي
2.منع انتشار وتداول أسلحة الدمار الشامل بما فيها الصواريخ ذات الرؤوس النووية
3.محاربة الإرهاب
4.الصدارة العسكرية في مسارح الصراع الدولي و تنمية القدرات العسكرية وتحديثها وتخصيص ميزانية كبيرة لتحقيق ذلك
5.استراتيجية أعالي البحار المتعلقة بالتواجد وبسط النفوذ عبر قواعد عسكرية تستطيع خوض حروب محدودة ل 90 يوم دون اسناد مركزي والذي يحقق توازن عسكري في شبكة المصالح المنتشرة عبر العالم
6.ضمان امن المضائق الثلاث التي يعد الشريان الاقتصادي للعالم في تجارة النفط والمواد والمعدات .. الخ
7.القدرة على التدخل السريع وإيقاف النزاعات والحروب التي من شانها ان تؤثر على اللوحة الاستراتيجية الدولية التي تقع فيها المصالح المشتركة وبضمنها الحلفاء التقليدين
8.المساهمة في تحقيق الامن والسلم الدولي بما يلائم سياسة الاحتواء او المجابهة
غياب النظام الدولي
اصبح الشرق الأوسط لوحة حمراء متقدة بالفوضى المسلحة , وقد تحول الإرهاب من الاطار المحلي الى الاطار الإقليمي والعالمي , بعد ان اندثرت الدول والحدود السياسية وتمددت الجيوش اللامتوازية بالوان وبيارق مزيفة في قلب العالم , وخصوصا مسارح التاثير على الامن والسلم الدولي , وكما يبدوا ان صناعة الارهاب في العراق وتمدده الى سوريا وانشطاره الى اليمن والبحرين والكويت وليبيا ومصر ودول أخرى اوربا واميركا لم يكن صدفة بل صناعة سياسية بادوات حربية لتحقيق اهداف استراتيجية لدول كبرى وأخرى إقليمية تضمن من خلالها سياسة الوصول للمياة الدافئة ومضيق باب المندب واضطراب الخليج العربي , وهنا اصبح احد المحددات الامريكية العسكرية والسياسية والاقتصادية في خبر كان , خصوصا ان السياسة الدولية تبنى على النظم السياسية والقانون الدولي والنسق الدولي المرتبط بمجلس الامن الذي فقد دوره ومهامه تماما في ظل تناحر الكبار وغياب النظام الدولي .
عولمة الإرهاب
لم يعد خافيا ان الإرهاب اصبح صناعة مخابراتية تتقنها دول تجيد صنع وتنظيم وتدريب الجيوش اللامتوازية وتلك وقود "الحرب المركبة" وكما اسلفنا انها سمة "الحرب الدافئة" الطويلة الأمد , ولكن من ابرز المخاطر ان يكون إرهاب مغطى دوليا ويوظف لتحقيق اهداف سياسية تتعلق بمشاريع حمقاء تعبث بامن الدول المجتمعات والاجيال وتقود للفناء البشري , وبرزت موخرا ظاهرة الإرهاب المعولم من خلال "داعش" المثيرة للجدل والتساؤلات , كيف نشات ؟ ومن مولها؟ ومن سهل قيامها؟ وكيف سلمت أراضي دولتين تقدر بمساحة فرنسا اوبريطانيا؟ مع ديموغرافية وافدة من دول روسيا والشيشان والقوقاز وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأميركا؟ وباعداد يصعب التفكير بسهولة دخولها في ظل السياقات الصارمة لمنح الفيزا والتنقل عبر المطارات؟ يبقى السؤال هنا من يقف خلف صناعة هذا التنظيم؟ ومن هو المستفيد استراتيجيا من ظهوره؟ وماهي عناصر تصفير الازمة التي رافقت ظهوره ؟ ومن المستهدف؟ ولم يقف السؤال حد ذلك بل لابد مناقشة الجيش المتعدد الجنسيات المضاد من المليشيات والتنظيمات المسلحة التي تجوب الشرق الأوسط بتسليح متوسط واحيانا ثقيل و حيث بلغ مايقارب السبعون مليشيا مؤدلجة طائفيا مدعومة ومسندة امميا ودوليا , بكل الأحوال كل من يحمل السلاح لدواعي ديني مذهبية طائفية فهو إرهاب لايمكن الفصل فيه , اذن في هذه الحالة نحن امام فوضى مسلحة ضحاياها الدول والشعوب والمجتمعات والبنى التحتية التي استثمرت بها أجيال متعددة , ومن الملفت للنظر ان محاربة الإرهاب من ابرز بنود الاستراتيجية العسكرية الامريكية واضحت دول أخرى تعتنق هذه المنهجية اللامتوازية لدواعي سياسية , ومنها سياسة الوصول للمياة الدافئة والنفط وفتح الأسواق التعددة الأغراض .
اكيد من الصعب مناقشة هذه الظواهر في مقال ولعل هذا المقال يندرج ضمن التنبيه السياسي , ولكن اصبح الإرهاب صناعة سياسية ذات محتوى حربي يستخدم التوحش والإرهاب والترويع لخلق الصدمة , التي بدورها تخفي الحقيقة وتبرز الوهم والزيف عبر تضليل منظم تمارسه وسائل الاعلام وعدد من العاملين فيها , لصرف انظار الراي العام عن خطورة ظاهرة عولمة الإرهاب ومن يقف خلفها ومن هوالمستفيد منها وفقا للحقائق والوقائع, وماهي النتائج المحتملة لتداعيات غياب الامن والسلم الدولي واندثار الدول وعسكرة المجتماعات وفناء الأجيال المسالمة
*رئيس مركز صقر للدراسات الاسراتيجية
* مركز صقر نشاط فكري الكتروني يرصد الظواهر والتحولات .
3 شباط 2017
681 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع