طارق رؤوف محمود
النفاق : في اللغة العربية هو إظهار الإنسان غير ما يبطن، وأصل الكلمة من النفق الذي تحفره بعض الحيوانات كالأرانب وتجعل له فتحتين أو أكثر فإذا هاجمها عدوها ليفترسها خرجت من الجهة الأخرى، وسمي المنافق بهِ لأنه يجعل لنفسهِ وجهين يظهر أحدهما حسب الموقف الذي يواجهه.
والنفاق في الاسلام : نفاق اعتقادي وهو النفاق الأكبر الذي يظهر صاحبه الإسلام ويبطن الكفر. وهذا النوع مخرج من الإسلام وصاحبه مخلد في الدرك الأسفل من النار لقول القرآن:
«إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا
والنفاق العملي: وهو النفاق الأصغر، وهو عمل شيء من أعمال المنافقين مع بقاء الإيمان في القلب، وهذا لا يخرج صاحبهُ من الإسلام، وهو يكون فيه إيمان ونفاق وإذا كثر صار بسببه منافقاً خالصاً. لقول النبي محمد:
«أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»
فمن اجتمعت فيه هذهِ الخصال فقد أصبح منافقا، ومن كانت فيهِ واحدة منها صار فيه خصلة من النفاق.
ما بين النفاق والمجاملة خط رهيف رقيق فاصل يسهل تجاوزه في كثير من الأحيان، إما بقصد أو بدون قصد، والمجاملة لا بأس بها فهي ملح الحياة ولا ضرر منها على ألا تزيد عن معدلها الطبيعي والمحسوس والذي يشعر به صاحب المجاملة أولا وقبل غيره، فهو يدرك أنه إن زاد مقدار المجاملة أو رفع سقفها: حينها يدرك أنه وقع في شرك النفاق.
، فبعض المجاملات بها نوع من المحبة والبراءة إن كانت نابعة وخالصة من القلب وتصدر من الإنسان عفوية بدون ترتيبات مسبقة لأنها لو أتت عكس ذلك لدخلت في شرك الكذب والغش والاحتيال والتصنع وكلها تصرفات أسوأ من بعضها، لكن المنافق والنفاق تجد صاحبه محضرا لذلك قبل البدء بممارسة نفاقه بنوع من المجاملات لا تقف عند الحد الفاصل ومن ثم يزيد مقدار المجاملة ويرفع منسوبها حتى تفقد معناها وتدخل في خانة النفاق.
أن كيل البعض المديح ذا اللون الأصفر والمجاملات التي تشم منها رائحة النفاق لشخص ما. وخاصة مجاملات رؤسائهم التي تضر ضررا جسيما في المصلحة العامة، علينا ان نتساءل اين المشكلة أهي في الشخص الذي يتلذذ ويعشق المجاملات التي تصل إلى النفاق؟ أو أنه يعلم ذلك جيدا ولا يستسيغها ولكنه لا يستطيع تغييرها فيقبلها على مضض، أو المشكلة في المنافق نفسه الذي إما أن يكون جاهلا أو متزلفا ولم يجد من ينصحه أو يردعه عن ذلك الفعل القبيح. رغم ان ديننا نهى عن ذلك:
الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (67) سورة التوبة.
المنافق شخص فاسق فقد كرامته اجتماعيا بل هناك من يمتهن النفاق لأغراض ماديه وأخلاقية او سياسية او طائفية كما نشهد اليوم على الساحة نماذج منهم ، والنفاق الاجتماعي في زماننا تفشى في الكثير من مجتمعاتنا على مستوى المسؤولين وعلى البعض من شرائح المجتمع، والمنافقون يتلونون في العلاقات وفي المواقف والمبادئ والاحاديث ، ويعملون على خلق حالة من الفوضى والاشاعات لتخويف الناس والتأثير على عقولهم ،للتغطية على الفساد والسرقة وللتملص من مسئوليتهم امام القانون والدولة ، والمنافقون يتصفون بالغدر والخيانة ولا تهمهم المصلحة العامة يخربون كل شيء ليحصلوا على غرضهم ،أن المشكلة تكمن في البعض من المجتمع الذي يمرر ولا يستنكر هذا العمل المشين بدعوى أنها عادة موروثة أو أسلوب متعود عليه ،؟ على العكس من اجل مصلة وثقافة المجتمع ندعو الدولة ان تكون حازمة بمعالجة الامر بموجب القانون لان ذلك جزأ من الفساد.
وفي المجتمعات غير العربية والمتمسكة بالقانون لا وجود لهذا الخلق الشائن، وأنها إن وجدت فهي تمارس في اقل الحدود وصاحبها معرض للمساءلة امام القانون.
والمغزى هنا من موضوعنا هذا هو الحرص على تنشئة الجيل وحثه على تجنب المجاملات التي توصلهم للنفاق أو التعود عليه، لأن حاضر الأمم ومستقبلها يختلف عن سابقها، لأن عصرنا هذا والقادم لن ينفع أحدا إلا فكره وعمله وساعده، فإن استطعت أن تنجح بفعل ذلك فأنت الرابح وإن فشلت واعتمدت على أسلوب المجاملة وممارسة النفاق فلن تغنيك هذه الطريقة ولن تنفعك بشيء وستجد نفسك تائها في ظل تلاطم أمواج وبحار ومحيطات العصر الحديث الذي لا ينفع فيه إلا الاعتماد على النفس.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
586 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع