خالد القشطيني
حظيت في السنوات الأخيرة بجيران من كوريا الجنوبية، إحدى دول ما سماه الاقتصاديون والسياسيون في الغرب بدول النمور، وهي الصين واليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وسنغافورة،
الدول التي وثبت وما زالت تواصل وثوبها صناعيًا وتجاريًا وحضاريًا. دعتني هذه الأسرة لحفلة كريسماس. وهذا بالذات شيء يلفت النظر. فما أنتم أيها الشرقيون بالكريسماس الأوروبي؟
ذهبت وحضرت حفلتهم. لم أحمل لهم أي هدية. ولكنني فوجئت وانحرجت عندما قدموا لي هدية
الكريسماس.
أمر عجيب. وفي هذا الحفل. تعرفت على ما سمي أيضًا نساء النمور. وتفرجت كيف تعمل
المرأة النمر.
المرأة النمر الكورية، تنتظر أولادها حين يعودون من المدرسة، قتقضي نصف ساعة تستنطقهم . ما الذي تعلمتموه اليوم؟ تستمع لذلك ثم تصلحهم وتوجههم وتضيف لما تعلموه.
يأتي بعد ذلك موعد الموسيقى. نصف ساعة من العزف والغناء.
وكله موسيقى كلاسيكية غربية. موتزارت وبرامز وبتهوفن وأغان من شوبرت. ينتهي ذلك ويبدأ القيام بالواجبات المدرسية. ثم تلي ذلك فرصة اللعب، حتى يحين موعد العشاء.
يحين موعد النوم فتقضي وقتًا معهم تقرأ لهم شيئا من الأدب الكوري، وهي الآونة الوحيدة للتراث. فالمرأة النمر تكره التراث. همها غرس الحضارة الغربية في دماغ أولادها.
في هذا الاحتفال، استمعت لعدد من أطفالهم، يغنون ويعزفون الموسيقى ويقرأون نصوصًا من الأدب الغربي الذي تعلموه في المدرسة. كانت هناك طفلة في الرابعة من عمرها عزفت لنا شيئا على البيانو. وكلما ارتبكت أسرعت لها والدتها النمرة وأشارت لها على النوتة وقادتها. لم يكن عزفها موفقًا ولكنها أتقنت سلوك كبار العازفات، انحنت بخشوع حال ظهورها أمامنا وعند خروجها، وكأنها - وهي في الرابعة من عمرها - من جهابذة العازفات العالميات المحترفات.
شعرت طوال الحفلة بقوة عزيمة الأسرة الكورية على اللحاق بالغرب. حتى في هذا الاحتفال بالكريسماس. ما يفعله الغربيون - يقولون - علينا أن نقوم بمثله.
كلا بل بما يبزه ويفوقه. تذكرت وأنا ألاحظ كل ذلك ما تلقيته في مدرستي العراقية.
انهضوا واستفيقوا أيها العرب! علينا اللحاق بالغرب. وسعينا وجرينا. وإذا بما جرينا إليه هو الماضي وليس المستقبل. وكما قال الشاعر: فإذا أمام القوم وهو وراء.
لا يكاد يمر يوم دون أن أرى المرأة النمر، زوجة جارنا هيورو، تخف جريًا هنا وهناك مثل الزمبرك، لتنجز هذا الواجب أو ذاك. طوال هذا الحفل لم أر بين السيدات الكوريات المحتفلات واحدة سمينة أو مترهلة. كلهن رشيقات من دون جهد. وكان هذا مما تفوقت به المرأة النمر حتى على النساء الغربيات. لم أسمع عن مشكلة سمنة في دول النمور كما سمعت عن الدول الغربية. لا مكان للسمنة في المرأة النمر. النمور لا تسمن، فهي مشغولة بالجري والوثوب قدمًا للأمام.
864 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع