صالح الطائي
هل بات الإيمان مستهجنا ومتهما؟ سؤال خطير سأحاول الإجابة عن بعض جوانبه من خلال هذا الموضوع!
الإيمان والكفر نقيضان متنافران لا يجتمعان ولا تهدأ العلاقة المتوترة بينهما، فهما يمثلان قطبي العداء الحقيقي منذ بدء الخليقة وإلى زوالها.
وفي صراعهما الصلب كانت الغلبة أحيانا للإيمان، وأحايين كثر للكفر حتى أن الإيمان لم يهنأ بانتصاره طويلا إذ سرعان ما كانت قواعده تنهار أمام ضربات الكفر، ليتحول المؤمنون أنفسهم إلى طرائد تنهشها ضباع الكفر، وهذا أمر طبيعي جدا فيما يخص حالة العداء والمنافسة التي كانت قائمة بينهما، لكن غير الطبيعي أن الكفر كان يقاتل بالسيف، ولا يملك سلاحا غيره، والإيمان كان يقاتل غالبا باللسان وبالكلمة الطيبة، ويأنف أن يحمل سيفا إلا عند الاضطرار، وهذا هو ديدنهما على مر التاريخ.
لكن ثمة ما طرأ على هذه العلاقة مفيدا من عطايا التقدم والحضارة، وهو أن الكفر أضاف (الكلمة) كسلاح جديد إلى أسلحة نزاعه مع الإيمان، ولاسيما وأنه وجد هناك من يسمعها، ويأخذ بها، ويؤمن بفحواها، ويقوم بالترويج لها ونشرها بوسائل العلم الحديث لتصل إلى العاقل والمجنون والبسيط والساذج دونما تمييز بينهم، بعد أن وجد هناك توقا لسماع النتائج العلمية باعتبار أنها محصلات نهائية لا تقبل النقض مع أن العلماء أنفسهم يؤمنون انه لا يوجد مطلق في العلم، وأن كل نظرية مهما كان مصدرها ودرجة صحتها عرضة للنقد والانتقاد والتسقيط والتخطئة!
وهكذا اعتقد الكفر أنه حينما تلتقي نخبة ذات أهداف قصدية مع قاعدة ساذجة ممكن أن تُمرر الكثير من المشاريع المعطلة الكبيرة والمهمة والخطيرة، والتي ترفض في الظروف العادية، ولاسيما مشاريعه ذات الأبعاد السياسية باسم العلم، ولنأخذ على سبيل المثال جمعية علم النفس الأمريكية
(American Psychological Association (APA وهي أكبر جمعية علمية ومهنية للنفسانيين على مستوى العالم، إذ تضم بين صفوفها نحو مائة وسبعة وثلاثين ألف عضو من مختلف الاختصاصات العلمية والنفسية، وهي جمعية أسسها (غرانفيل ستانلي هال) سنة ١٨٩٢، وتتخذ من واشنطن دي سي مقرا لها.
هذه الجمعية وفق المواصفات العامة، تبدو جهة علمية محايدة، تبغي تسخير مخرجات العلوم لإسعاد الإنسان في العالم، والمفروض بها أن تتجنب الدخول في نزاعات ومهاترات ضد الإيمان؛ الذي هو الآخر يسعى إلى إسعاد الإنسان في العالم، لكنها لم تحترم مهنيتها وحيادها حينما علمنت رؤية قابلة للتفكيك والتسقيط حالها حال أي رؤية أخرى، لتُسقط من خلالها أقوى ركائز الإيمان، وهي الإيمان بالإله القادر المقتدر الذي لا حدود لسلطته ولا منازع له، وبالتالي أنفقت خمس سنوات في البحث عن تأثير الإيمان الصادق على الحالة النفسية للمؤمن لتخرج بمحصلة تقول (إن الإيمان القوي في إله أو سلطه عليا قدسيه، يعوق قدرة المرء على اتخاذ قرارات واعية حول المسائل بحس السليم، وبالتالي يمكن تصنيف هذا الإيمان على أنه مرض عقلي). بمعنى أنها بجرة قلم حولت مليارات البشر الذين يعبدون آلهة وأربابا مختلفون إلى مجرد مرضى عقليين يحتاجون إلى من يعيد ترتيب حياتهم وطلباتهم ورؤاهم وسلوكياتهم.
وهذا مخالف لأبسط متعارفات العلوم والعقائد التي أثبتت بالدليل القاطع أن الإيمان يبعث في النفس ثقة وإصرارا، ويشعر المرء بالنقاء النفسي الداخلي، ويشحذ هممه، ويجعله متعاونا مع الغير، موقنا أن كل عمل إيجابي يقدمه إلى الإنسان والمجتمع سيجد قبالته أجرا أخرويا، يجعله في منتهى السعادة والفرح.
إن الغريب في النتائج التي توصلت إليها أبحاث الجمعية أن شدة المرض العقلي الذي يؤمن به الإنسان المؤمن تختلف حسب نظرته إلى الله تعالى، فالذين ينظرون إلى الله بطريقة (عقابية) يصابون باعتلال الصحة العقلية، أما أولئك الذين ينظرون إلى الله على انه خير، فهم حتى لو لم يكونوا يعانون من المشاكل النفسية، إلا أنهم يشتركون مع الفئة الأولى بكونهم يعانون من انفصال عن الواقع! أي أن المؤمنين لا يرتبطون بالواقع مهما كانت درجة إيمانهم!.
إن الجمعية والقوى المسخرة لها، والتي لا يختلف اثنان على أدوارهم التخريبية التي تسببت في كل ذلك الدمار والخراب الذي أصاب الإنسانية من خلال تلك الحروب الكونية العبثية التي أججوا نارها، يوم قادوا البشرية إلى حافة الفناء، تحاول التملص من جرائمها التاريخية، ونسبتها إلى المؤمنين الذين طالما اعترضوا على تلك العبثية وانتقدوها وعملوا ضدها، واتهموا الذين أشرفوا عليها بأنهم مضطربون عقليا، لسبب بسيط وهو أنها بدأت تشعر بالعار من ذلك الهوس المخزي، وهي في سبيل الدفاع عن منهجها أخذت تبحث عمن تعصب برأسه إخفاقاتها التاريخية، فلم تجد أضعف من الدين والمؤمنين به، بعد أن أنهكته خلال السنين الماضية بأنواع التهم الباطلة، وحمَّلته أكثر من طاقته، ولذا، خرجت بنتيجة تقول: سبب المعتقد الديني، وفكره الله الغاضبة، الفوضى والدمار والموت والحروب على مدى قرون. وقد حان الوقت لتصنيف هذه المعتقدات البالية على أنها (اضطراب عقلي) وقد فات الجمعية والمدافعين عنها والداعمين لها أنهم وقعوا في خطأ تاريخي فاضح حينما تحدثوا من دون قصد عن مخرجات ونتيجة اتهام المؤمنين بالاضطراب العقلي بأنها أول خطوه من العديد من الخطوات اللاحقة بالاتجاه الإيجابي. فهذا القول فضح لعبتهم وأوضح أنهم يسعون إلى محق الإيمان من الصدور لكي يمرروا قوانينهم التي تعترض عليها الأديان دون معرقلات، فالدين والإيمان هما حجر العثرة الكأداء في طريقهم نحو تحويل العالم إلى كيان ملحد لا يخاف عقابا ولا يجد رادعا، فيفعل ما يشاء متى يشاء، وبالتالي لا يهمه من يحكمه وما نوع القوانين التي تنظم حياته.
وأن تكون تلك التهمة المنكرة أول خطوة من مشروع التذعين القسري، فلابد وأن تكون الخطوات بعدها أشد إنكارا وغرابة وقسوة وشذوذا بحق من يتهمونهم بأنهم غير قادرين عقليا على اتخاذ القرارات الصحيحة!.
والظاهر أن طرح هذه الرؤى في هذا الوقت الحساس من عمر البشرية بالذات، جاء ليعلن أن مشروع التغيير الكوني الذي تتبناه الدول العظمى والقوة الخفية، دخل مرحلة التطبيق بعد أن تجاوز مرحلة التمهيد من خلال كل تلك الفوضى التي أحدثها منذ الأيام الأولى لبناء تنظيم القاعدة، مرورا بالربيع العربي الأجرب، وصولا إلى الحروب العبثية كما في العراق وسوريا واليمن والبحرين، وهي الحروب التي أنتجت كما كبيرا من ردود الفعل؛ التي أنتجت بدورها أعدادا كبيرة من ضعفاء الإيمان ومن لا إيمان لهم بعد أن تخلوا عن إيمانهم!
839 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع