سوسن سيف/ باريس
بركة التمنيات قصة من مجموعة قصص ضمها كتابي احزان لهذا الشتاء انها من اجمل قصصي مع فديو يوتيوب لبركة التمنيات في روما
روما العظيمة الفخمة والشامخة العريقة لم أكن أدري كيف وصلت اليها نعم قادتني قدماي الى هنا ‘ وسرت في شوراعها معلنة استسلامي امام تلك الرغبات التي تستعر في دواخلنا ونحن على عتبة الشباب في أن نرى كل شيء ونفهم كل شيء ‘ ذلك الفضول الطفولي الذي تعلق بمخيلتنا متحديا الكثير من الاشياء ومنها حقيقة الحياة ‘وهل كنا نفهم تلك الحقيقة في تلك السن الصغيرة ؟ القيت بحقيبتي الثقيلة على الارض ووقفت امام بركة التمنيات ؟ البركة الفيروزية في الساحة الجميلة المحاطة بالورود الزاهية والتماثيل الرخامية الضخمة ؟ بين الصخور التي كستها تلك الخضرة الطحلبية والتي تجعل المكان اكثر حميمية أتأمل السواح المتجمهرين حولها والكل يلقي بقطع النقد الصغيرة ويحلم بالوصول الى امله المستحيل.. كنت انا مثلهم احلم ولدي امل كبير اكبر مني بكثير‘ اخرجت قطع النقد والقيت بها ‘ غير اني كنت ابكي لان ذلك الحلم لن يتحقق أبدا‘اعرف هذا ‘والبركة تعرف ايضا ‘ومع هذا كنت أنتظر وأنتظر دائما ان أصل اليه وأقابله وأحدثه وأخبره كم أنا أحببته دون أن يدري كأن الكاتب زفايج كان يرافقني حين كتب رسالة من أمرأة مجهولة : إنظر ألي يا زفايج ستيفان أنا تلك المرأة المجهولة ‘ أنظر إلي لا تشح بوجهك عني أنا هي ..
كان وجهي ينعكس على صفحة الماء الشفافة كم كانت شفافة لأني كنت أرى النقود بوضوح كبير ورأيت كيف تدحرجت نقودي وأنضمت الى تلك القطع القديمة تحت وأنا واقفة اتأمل وجه الماء ولا استطيع إيقاف الدموع التي كانت تنساب من عيني غير مهتمة بالاخرين هناك .. أنا أحببت ه أنتم لا تعرفون كم أحببته ’ لا بحجم هذه البركة بل بحجم كل بحار الارض ‘وليس بيدي ان أفعل شيئا هل أستطاع فرتر أن يفعل شيئا أمام عظمه عشقه لحبيبته شارلوت ؟ وقفت وقفت وأرتسمت كل ملامحه امامي‘ كان جبروت مشاعري كبيرا كبيرا جدا لا احد يستطيع ان يغير الحقيقة ‘للحقيقة أحيانا مرارة لا نستطيع ان نتجاوزها فنظل في مكاننا نجترها للنهاية .. كنت صغيرة على هذه العذابات التي لم اكن أقدر ان أشرحها لأحد ‘كانت دائما ترافقني في تجوالي‘ في صباحاتي ومساءاتي‘ في الليل حيث لا احد يراني لأبكي بهدوء غريب خافت‘ كنت أعد الايام التي أراه فيها واللحظات التي أجده أمامي والاحلام التي كثيرا ما خدعتني وقادتني الى جزر خيالية .. أنا أحلم غير أني أتعثر وأستيقظ .
لأجد نفسي خارج الحلم تماما .. أحببته دون أن يعلم ‘ لكنه كان يعرفني ويعرف اسمي ويراني لا أكثر ‘ وكنت أعلم انني كنت جميلة وألفت أنظار الرجال .. نظرت الى البركة الساحرة وأنا أسمع أصوات الذين يحيطون بي‘ صخبهم ‘صياحهم ‘حركاتهم الغير متزنة ‘ شعرت بحجم الفرق بما احمله من مشاعر عظيمة تجاه هولاء التافهين الذين جاؤوا من مختلف انحاء العالم ليلقوا بنقودهم ويضحكوا ويتسلوا ويمارسوا التقبيل علانية
تمنيت لا انكر هذا .. تمنيت ان ابقى احبه حتى يكتشف وجودي ويحبني في ذلك العمر الذي لا يتجاوز اصابع يدي العشرة مرتين ‘ كان لدي الوقت للتأمل والانتظار كان هناك الوقت الكافي لذاك العمر‘ ماكانت تهمني السنين ولا الزمن الذي لا يتوقف ابدا ! كيف كنت اتجاهل تلك الحقيقة المرة والتي كانت تزداد مرارة كلما مضت الايام ؟ ذلك العمر الذي لا نخافه لا نقلق منه ‘ كل شيء بمتناول اليد حتى الحب ‘ الحب للآخر الذي نحلم بامتلاكه‘ كنا نثق بقدراتنا الشبابية ‘و نستطيع‘ لا مستحيل تحت الشمس لقد مضيت بآمالي أكثر مما يجب ولم يحصل اي شيء او يبادلني ذلك الحب الخفي . نظرت الى البركة هي أيضا ستساعدني ربما
الصيف‘ والجميع بملابس ملونة خفيفة‘نظرت الى فستاني ‘ آه كم تمنيت ان يراني به نسير معا يمسك يدى‘ وبهذا الفستان كم ذهبت الى مكان دراسته كي التقيه كي يراني واأراه بهذا الفستان الذي صنعته بنفسي بلون البنفسج ‘وضعت به الكثير من روحي ‘ لبسته درت حول نفسي في المرآة سرحت شعري الطويل تركته منسدلا رفعته الى الاعلى‘ ايهما الاجمل مع الفستان ؟ ولم يحصل شيء ولم نلتق ولو مرة واحدة في موعد جميل...
اليوم وبجانب البركة كنت أرتدي نفس الفستان غير أن حزنا ملك أعماقي لماذا نظرت الى هذا الجمع من الناس؟ كان الحب يدور بينهم كانت الأيادي متماسكة و العيون متناجية .. آه لو كان بجانبي نتأمل عمق البركة يغوص في أعماقنا .. كلانا لايجد ما يقوله للآخر غير ما تنطق به العيون ونحن ننظر لبعضنا تذكرت عينيه السوداوين والوجه الأسمر الذي يحمل كل سحر الشرق كنت أريد دائما ان يعرف فقط بمكنون قلبي وليفعل ما يريد‘ ولكن لم تصل رسالتي الخرساء اليه . صورتني صديقتي صورا جميلة أنا والبركة وثوبي البنفسجي وشعري ‘ وحتى خيالاتي رأيتها في الصورواضحة ‘ كانت تلك الأبتهالات العميقة التي لا يسمعها احد .
ثلاثون عاما تمر والصور هذه أقلبها بيدي وامام أسرتي كلها كل شيء قد تغير: أنا‘ والرجل الذي ارتبطت به‘ ونمط حياتي ‘والاولاد الذين رزقت بهم ‘ وتخيلاتي ‘والحب ذاك الحب البعيد القتيل وهو ما زال حيا.. !
حين رفعت سماعة الهاتف جاء صوت ابنتي الجميل وهي تصف لي بركة التمنيات
أمي تصوري اننا نقف قربها ‘كأنني أراك في نفس المكان منذ أن رأيتها في صورك التذكارية, تمنيت ان أزور بركة التمنيات هنا في روما وها نحن الان نقف قربها تصوري يا أمي لم نكن نحمل قطع نقد صغيرة احترنا في كيفية الحصول عليها هنا أعطاني أحدهم اثنتين ورميتها ثم تمنيت‘ ضحكت لأني نسيت ان أتمنى قبل ان أرميها أتذكرك جدا يا امي هنا وقفت وقرب الصخرة ذاتها ومن هنا رميت النقود ولكن ماذا تمنيت يا امي ؟ لم أسألك يوما هذا السؤال ماذا تمنيت ؟
لم أجبها ولم أستطع ان اقول شيئا غير انني أجهشت بالبكاء .
سوسن سيف باريس
1793 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع