د. مؤيد عبدالستار
منذ اسابيع انطلقت المظاهرات في الانبار ثم تبعتها مظاهرات في مناطق اخرى مثل الموصل وصلاح الدين وديالى .
اعلنت الاصوات التي ارتفعت في المظاهرات مطلب اطلاق سراح المعتقلين من حماية السيد رافع العيساوي وزير المالية ، واطلاق سراح السجينات البريئات اللواتي اعتقلن بدلا من ازواجهن او أحد افراد اسرهن الذين اقترفوا جرما او كانوا مطلوبين للقضاء جراء تهمة ما ... الخ
بعد اشتداد صوت المتظاهرين وقطعهم الطريق الدولي بين الاردن والعراق ، شعرت الحكومة بخطورة الوضع فحاولت استدراك الامر واسرعت بتشكيل لجنة من الحكماء والعقلاء لتـتـولى البت في مطالب المتظاهرين .
قامت اللجنة باطلاق سراح مجموعة من السجينات والسجناء ، اضافة الى اجراءات اخرى مثل رفع الحجز عن عقارات المشمولين بقانون المساءلة والعدالة والامر باستقبال طلبات العسكريين الراغبين بالعودة الى وظائفهم او ترويج معاملاتهم التقاعدية.
مع اعتراضنا على منح رئاسة اللجنة الى السيد الشهرستاني ، اذ كان من الافضل ان يرأسها قاض ضليع لان مثل هذه الصلاحيات من صلب عمل القضاء ، الا ان ما انجـزته لجنة الحكماء يعد لصالح المتظاهرين و في زمن قياسي ، فقد تم اطلاق سراح السجينات ، والعديد من السجناء ( الابرياء) وربما المتهمين الذين لم تثبت ادانتهم ، اضافة الى قرارات اعادة العسكريين من البعثيين وغيرهم ، والافراج عن العقارات المحجوزة بسبب هروب اصحابها او اتهامهم بالانتماء لحزب البعث المحظور او لاشتراكهم باعمال المقاومة المسلحة ... الخ .
الجميع يعلم ان المتضررين وضحايا النظام الصدامي ، على مدى اكثر من ثلاثين عاما ، يعدون بالالاف وربما بالملايين دون مبالغة ، ولكن مع ذلك يعض الكثير منهم على جراحه في سبيل اصلاح ذات البين بين البعثيين والحكومة عسى أن تزول حمى الاعمال الارهابية التي تضرب في الاوساط الشعبية الفقيرة ، وهي اساسا غير مستفيدة من التغيير الحاصل بعد سقوط النظام الصدامي مثلما استفادت مجاميع معروفة كانت معارضة للتـغـيـير وحصلت على مناصب لا تحلم بها في الحكومة الجديدة والبرلمان ورئاسة الجمهورية ، ولكن مع ذلك لم يحترم الكثير منهم وجوده في وظائف مخصصة لخدمة الشعب ، فراحوا يمارسون التخريب والقتل من خلال الحصانة في تلك المواقع العليا ، فانكشفت ممارساتهم الاجرامية بعد ان لاذ بعضهم بالفرار من وجه العدالة .
ان المظاهرات التي انطلقت لم تعرض مطالبها بشكل محدد كي تستطيع الجهات المسؤولة التصرف حيالها وتنفيذ ما يستحق منها دون مخالفة الدستور والقضاء ، كما ظلت المظاهرات دون لجنة مسؤولة تستطيع الحكومة التباحث معها حول تحقيق مطالبها، لذلك نجد احيانا شيوخ العشائر يمثلون المتظاهرين ويطالبون بما يشاؤون ، واحيانا يصعد المنصة رجال الدين ويعلنون مطالبهم ، واخرى يتبنى النواب والسيد رئيس مجلس النواب اسامة النجيفي مطالب المتظاهرين ويطلب تحقيقها ويوصي القوات الامنية عدم اتخاذ الاجراءات حيال المتظاهرين فيـتـقـمص دور رئيس السلطة التنفيذية اضافة لوظيفته كرئيس للسلطة التشريعية.
وبما ان المظاهرات ليس لها قيادة ، سوى جماهير محتشدة على الطريق الدولي العام الذي يربط العراق بالاردن وسوريا و لا يريدون مقابلة اي مسؤول ، فقد ضربوا السيد صالح المطلك بالحجارة والرصاص ، ورفضوا مقابلة السيد سلام الزوبعي وغيره ممن يحاولون التوصل الى صيغة تفاهم معهم لحلحلة الامور وعدم جـر البلاد الى حرب اهلية لا يعرف لها قرار .
لذلك نرى إن الهدف الخفي لبعض السياسيين ليس اطلاق سراح السجناء او اعادة الضباط السابقين الى الخدمة او احالتهم على التقاعد ، انما الامر هو اسقاط العملية السياسية برمتها والعودة بالعراق الى المربع الاول يوم كانت الطغمة الصدامية تحكم العراق بالحديد والنار . يريدون الاستعاضة عنها بطغمة مشابهة لها نفس الطعم واللون مع اختلاف الاسماء فقط .
من بين الادلة على ذلك ما تفضل به السيد اياد علاوي الذي صرح لوكالة الانباء الالمانية قائلا :
( إن حـل مشكلات العراق لا يمكن اختزاله في إسقاط حكومة وتشكيل أخرى...)
نستنتج من هذا التصريح ان المطلوب هو اكثر من تغيير الحكومة .... ! ؟
المطلوب هو القضاء على العملية السياسية ، وعلى بذور الديمقراطية التي ظهرت في العراق بعد رحيل النظام الصدامي ، لان الديمقراطية حتى بابسط اشكالها لا تسمح بتسلق الطغاة لسدة الحكم ، لذلك لا أمل للطغم الدكتاتورية والفئات المستبدة التي تريد العودة بالعراق الى عهد صدام سوى اسقاط العملية السياسية كي يحصلوا على فرصة العودة الى الحكم .
اما ما يـتـشـدق به بعض السياسيين من ضرورة منع السيد المالكي من الترشيح الى دورة ثالثة او وجوب استقالته ، او استبداله باخر من التحالف الوطني ... الخ فما هو الا لعب على حبال السياسة ومحاولة ذر الرماد في عيون العراقيين من أجل عودة البعث بحلته الجديدة التي ربما ستكون اقسى من نسخته الصدامية البائدة .
نحن لا نريد للمالكي ان يستمر حاكما للعراق لدورات متعددة ، ولا نريد لحزبه أن يهـيـمـن على مفاصل الحكومة ، فالشعب العراقي وقواه السياسية الوطنية قـادر على ادارة دفـة الحكم والدولة بجدارة اذا ما اتيحت له الوسائل الديمقراطية ليمارس دوره في قيادة البلاد ، لذلك يتحتم على حكومة المالكي فـسـح المجال أمام الاحزاب والقوى الوطنية والتيار الديمقراطي والاحزاب العلمانية والشخصيات المستـقـلة للحصول على فرصة المشاركة في الهيئات الحكومية ومؤسسات الدولة العراقية ، وان لا تبقى الوزارات والهيئات المستـقـلة حكرا على عدد محدود من اتباع الاحزاب المعروفة وفق تقاسم الكعكة على اسس طائفية ومذهبية من أجل أن يتاح للقوى الوطنية التحرك بحرية أوسع خلال العملية الانتخابية القادمة كي تحقق موقعا مرموقا يسمح لها المشاركة في ادارة دفة الحكومة والبلاد وقيادتها نحو بـر السـلامة والامان .
• رابط تصريح السيد اياد علاوي :
http://wifaq.com/more.asp?NewsID=3966&catID=24&lang=arb
1329 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع