رؤى في فن الحروب المعاصرة ..الدكتور مهند العزاوي*
تختلف الحروب وتتغير انماطها حسب الديناميكية السياسية كون الحرب القوة الخشنة التي تستخدمها السياسة , واضحت شريان الاقتصاد في عالمنا اليوم , ولم تعد الحروب تقليدية كما درسناها في معاهدنا العسكرية , خصوصا ان الدول بدات بالانحسار والتاكل مقابل بروز القوة الامتوازية ( متناظرة) واضحت تناسل وتنشطر حتى أصبحت قوة موازية ان لم تكن متفوقة على القوة النظامية في دول مختلفة , وليس التنظير في فن الحرب حكرا على أسماء او معاهد او دول بعينها بل هو علم يوازي بقية العلوم الأخرى يتمكن أصحاب الخبرة من الولوج اليه , وكنا قد قدمنا مخرجات علمية في فن الحروب المعاصرة ابرزها – استراتيجية البركان (The volcano strategy) 2008 التي استخدمت في الحروب منذ عهد الخصخصة الحربية 1991 والتي تشابه كثيرا الصدمة والرعب (Shock and Awe) والحرب الديموغرافية (Demographic war) 2009 التي يشهدها الشرق الأوسط منذ عام 1975 حتى تعاظمت اليوم ونسفت دول ومجتمعات عربية , وكذلك نظرنا الحرب الشبحية (Ghostly war)2010 والحرب الدافئة (Warm War) 2014 بسمتها المتغيرة الحرب المركبة (Composite war) التي سبق وان كتبنا عنها بشكل مفصل كونها سمة الحرب المعاصرة حاليا مالم يكن هناك تبدل في القرار السياسي الدولي الذي يحول بوصلة الفوضى الى اتجاه الامن والسلم وبدوره يتجه لمحاربة ظاهرة الإرهاب والمليشيا سلطة التي تشكل المغذي الرئيس للارهاب المؤدلج الذي يستهدف الامن والسلم المجتمعي وسلامة الأجيال وتنميتهم والعودة لنظام عالمي جديد يحترم القيم الإنسانية .
الحرب الدافئة
مصطلح الحرب الدافئة نظرته كمصطلح من الواقع السياسي والحربي الحالي وقد تخطى قيم الحرب الباردة ومعاييرها المخابراتية ومخارجها المعتدلة بعض الشيئ الى الحرب الدافئة وسمتها الحرب المركبة والحرب الدافئة هي (( الواقع الحربي المركب الذي يمتاز بسخونة مرتفعة تفوق الحرب الباردة بهمجية وتوحش وتتخطى الصدمة والرعب في الحرب النظامية , وميزتها انها حرب بدون اعلان الحرب النظامية بشكل رسمي وتستخدم فيها المفاعيل الحربية الدولية الحاكمة قدرات القوة النظامية الساندة والأدوات المسلحة الغير متناظرة وان اختلفت مسمياتها وتعددت رايتها المزيفة لتبرر سياسة الوصول والتواجد الحربي من جهة والسياسي والاقتصادي من جهة اخرى , ويستخدم فيها السلاح والعتاد والمتفجرات بكافة انواعها , كذلك اجهزة الاتصالات , المستشارين , المتطوعين المتقاعدين من الشركات الامنية الخاصة كمدربين , الدروع الواقية , الروبوت الحديثة المتعدد الاغراض , الكلاب البوليسية , الحواسيب وشاشات العرض وكاميرات المراقبة , السيارات المصفحة , مراكز الدراسات , الصناعة الاعلامية بكافة عناصرها , صناعة الافكار المتطرفة والهدامة )) انه بالحقيقة سوق تجاري للحرب والأمن من جهة وأدوات تحقق متطلبات الحرب الدافئة التي لا تنطبق عليها القواعد الامرة في القانون الدولي للحرب , وحقيقة قد شرفني فخرا تقييم القادة الكبار من الرعيل الأول للمؤسسة العسكرية العراقية وهم يشيدون بما ذهبنا اليه نظرا لخبرتهم وعلمهم الكبير في هذا المجال الحيوي العسكري .
الحرب المركبة
لم تعد القيم الحربية التي تدرس في المعاهد والأكاديميات العسكرية المختصة ذات فائدة في بيئة حربية غير متوازية , خصوصا بعد اتساع ظاهرة الجيوش المبعثرة الغير حرفية , وبروز جيل الجيوش المرتزقة والبيارق المزيفة من المليشيات والتنظيمات الارهابية المتوحشة , وكذلك اندثار خطوط التماس الحربي , واندثار الحدود السياسية لبعض الدول العربية , وتلاشي الردع العسكري المنظم وفق فلسفة توازن التوافق والاضداد , وكانت حقبة التسعينات قد افرزت اعتناق مبدأ الجيش الذكي الذي يعتمد على القوة النارية الجوية والأرضية والبحرية المتطورة ومكننة الحرب وتجزئة القدرة النووية الى اسلحة محدودة , ناهيك عن الهيمنة الفضائية ضمن سياق الحرب الالكترومعلوماتية التي تستطيع ان تمسح ساحة المعركة ومسرح العمليات بدقة لتحقق سيادة حربية مطلقة ولكن بأثمان باهضة , مما ترك جيوش سائبة تعمل في مجال الامن وخصخصة الحروب , وبعد انهيار مفتاح العالم وصمام امان الشرق الاوسط (العراق) انتشرت الفوضى المسلحة وتناسلت المليشيات والتنظيمات الارهابية لتدشن مسرح الحرب المركبة من اوسع ابوابه خصوصا اذا علمنا ان هناك مايقارب 99 تنظيم ارهابي مسلح طائفي يدار عن بعد يشغل مسرح الحرب المركبة في رقع حمراء مختلفة غالبيتها في العالم العربي , ومن الملفت للنظر ان الجيوش الذكية لم تتمكن من تحقيق نصر حربي فعلي حاسم على الارض , بل ذهب كارتل الحرب الدولي لإشراك قطعات مجزئة لاسناد قوى لامتناظرة لتؤسس لمرحلة خطيرة جدا يصعب السيطرة عليها سمتها "الحرب الشبحية المركبة" وكتلتها الحيوية المليشيات المختلفة والتشكيلات الغير نظامية التي ادخلت العراق وسوريا والمنطقة في اتون حرب طائفية اقليمية ونزاعات لها اول وليس لها اخر , وكما يبدوا انه افراغ منظم للارهاب الى قلب الشرق الاوسط عبر نزوح طائفي مسلح مضطرد من اسيا واوربا الى مسرح الحرب المركبة في سوريا والعراق وليبيا واليمن ومصر (عولمة الارهاب), وبذلك فقد العالم ابرز مقومات بقائه الامن والسلم الدولي الذي اصبح مفقودا في كافة الدول بالعالم في ظل استخدام الحرب المركبة الدموية العابرة لخطوط التماس الحربي وقواعد الاشتباك المتفق عليها ضمن الجيوش العالمية
يشهد العالم في بقع مختلفة وخصوصا العالم العربي ملامح واضحة للحرب المركبة بعناصرها ومفاعيلها الاساسية ومضافا اليها مفاعيل نظامية كالقوة الجوية والصواريخ والمتفجرات المتطورة والأسلحة الكيماوية اضافة الى الجهد ألاستخباري النوعي وحرب السايبر- المعلومات وجميعها مسخرة لإنعاش هذه الحروب والنزاعات , ومنذ مطلع العقد الحالي جرى التحول بشكل واضح من الحرب النظامية في مجابهة الحرب الغير متوازية ( الغير نظامية ) الى الحرب المركبة التي اسلفت ذكرها , وبلا شك هذه الحرب اعتمدت انتخاب مسرحا للحرب وتجسد في مسرحي العراق وسوريا وتمدد الى ليبيا ومصر واليمن , وجرى تهيئة بيئة حربية لا متماثلة ومناخ متشدد متوحش ليصنع بيئة الحرب الدافئة الحالية , وكما نعلم ان اختلاف الحرب الدافئة عن الحرب الباردة يكمن في عدم استخدام العناصر السالفة الذكر في الحرب المركبة لأنها حرب دبلوماسية مخابراتية كانت تعتمد على الانقلابات والخطف والاغتيال وحمى التسلح والعزل والحصار الاقتصادي , وكذلك الحرب الساخنة هي الاخرى حرب الجيوش والدول والحدود السياسية وتلك اثبتت فشلها في العقد السابق , اذن انها الحرب الدافئة وبسمتها المركبة تنتقل بشكل يصعب ملاحقته علميا في ظل اتساعها وانتشار سياقاتها الوحشية العابرة لسياقات الحرب المتعارف عليها دوليا وفقا للمعاهدات والبروتكولات الدولية , وهنا لم تعد السياقات الحربية والاطر التعبوية والمعايير السوقية التي رسخها تاريخ الحرب مجديا مع التطور الملفت للنظر لبيئة الحروب المعاصرة مما يتطلب أنماط وسياقات ونظام معركة مختلف يتمكن من خوض الحرب وتحقيق الأهداف .
حقوق الملكية الفكرية للدكتور مهند العزاوي
*خبير استراتيجي
990 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع