لَطيف عَبد سالم العگيلي
لَعَلَّنا لا نبعد عَنْ الواقعِ أو نبالغ إذا قُلْنَا إنَّ أغلبَ دول العالم أَنْ لَمْ نقُل جميعها، عمدت إلى اسْتِثْمارِ التَطَوّر العِلْمِيّ وَالتقدم التِكْنُولُوجي المتسارع بشكلٍ إِيجابيّ، وَتوظيف مستحدثاته فِي مُهِمّةِ تَطوير عملية التَّعْلِيمِ وَالتعلُّم لتلاميذِ الْمَدَارِس وَطلابها بِكَافةِ مراحلها إلى الحدِ الَّذِي أصبح فِيه اعتماد الوسائل المرتكزة عَلَى التِقْنِيَّاتِ مِنْ بديهياتِ الفضاء التَّرْبِويَّ، وَالَّتِي تفرض عَلَى المُعَلِّمِ حتمية إتقانها، إلى جانبِ اِسْتِغلال السبل الأخرى مِنْ خارجِ مساحة الكِتَاب المَدْرَسيّ لأجلِ إسناد عملية التعلُّم.
عَلَى الرغمِ مِنْ أنَّ اليومَ التاسع والعشرين مِنْ شهرِ أيلولٍ الماضي أعلن بحسبِ وِزَارَة التَّرْبِيَة بوصفِه بداية العَام الدِراسيّ الجديد للصفوفِ الابْتِدَائِيَّةِ وَالْمُتَوَسِّطةِ وَالثَّانَوِيَّةِ وَالإعداديِّة فِي بلادِنا، وَالَّذِي كُنَا نتمنى أَنْ يجعله الباري عَز وَجل عَام تفوق وَتحصيل لِأبنائِنا وَبناتنا، إلا أنَّ واقعَ حال الْمَدَارِس بعد مرورَ أكثر مِنْ شهرٍ عَلَى عودةِ التلاميذ وَالطلاب إلى مقَاعدِ الدرَاسَة كان أبعدُ ما يكون عَنْ تصورِ أغلب أعضاء الهيئات التَّعْلِيمية وَالتَدْرِيسية، بالإضافةِ إلَى أولياءِ أمور الطلبة؛ بالنظرِ لظهورِ مؤشرات عَمَليَّة تعبر بشكلٍ واضح عَنْ افتقارِ مَدَارِسنا لبعضِ المقومات الَّتِي تُعَدّ مِنْ العواملِ الرئيسة لإنضاجِ بيْئَة تَّرْبوية سليمة بوسعِها الْمُسَاهَمَة بفاعليةٍ فِي مُهِمّةِ إعداد قادة المُسْتقبَل. ولعلَّ فِي مُقدِّمةِ هذه العواملِ ما أفضى إلى خيبةِ إدارة التَّرْبِيَة فِي تجهيز الكثير مِنْ الْمَدَارِسِ بحصصها المقررة مِنْ الكُتُبِ المَدْرَسيَّة فِي الوقتِ المحدد أو تزويدها بعددٍ محدود لا يغطي الاحتياجات الفعلية.
إنَّ إخفاقَ وِزَارَة التَّرْبِيَة بداية هَذَا العَام فِي مجالِ تأمين الكُتُب المَدْرَسيَّة بمواعيدِها، أدى مِنْ دُونِ أدنى شك إلى إضافةِ مُشْكِلاتٍ جديدة إلى ملفِ تحدياتِها الموروث مِنْ الأعوامِ السابقة، وَالَّتِي لا تَزال الإدارة التَّرْبوية تقف عاجزة حيال تنامي مسبباته، ولاسيَّما ما يتعلق منها بمَوْضُوعِ توزيع الكوادر التَّعْلِيمية بشكلٍ متوازنٍ يخضع لمقتضياتِ المصلحة العامة، فضلاً عَنْ خيبةِ الوِزَارَة فِي معالجةِ مُشْكِلةِ الْمَدَارِس الطِينِية وبنايات الْمَدَارِس المهدمة أو الآيلة للسقوط، وَالَّتِي يُعَدّ الدوام المزدوج وَالثلاثي، وَرُبَّما الرباعيّ مِنْ أبرزِ تداعياتها السلبية.
الْمُلْفِتُ أَنَّ إدارةَ التَّرْبِيَة لَمْ تتعامل مَعَ المَوْضُوعِ بما يستحق مِنْ الاهتمام إلا قبل أيام قليلة، حين خرجت الوِزَارَة مِنْ دائرةِ صمتِها الَّذِي حير عقول الجهابذة قبل أولياء الأمور، وأعلنت بحسبِ بيانٍ صادر عَنْ المكتبِ الإعلاميّ الخاص بوَزيرِ التَّرْبِيَة أَنَّ النقصَ والتأخير الحاصل فِي تجهيزِ الْمَدَارِس بالكُتُبِ المَدْرَسيَّة يعود إلى اسبابٍ عدة خارج ارادتها، مبينةً أَنَّ بعضَ مَنْ ينتقدها اليوم كان جزءاً مِنْ المُشْكِلة بفعلِ تصويتهم عَلَى الموَازَنَة. وَأَدْهَى مِنْ ذلك كشفها عَنْ حِرمانِ ما يزيد عَلَى أربعةِ ملايين وَنصف المليون طالب مِنْ استلامِ الكُتُبِ المَدْرَسيَّة بطبعتِها الجديدة؛ بالنظرِ لتخفيضِ تخصيصات الطبَاعة، وَالَّذِي ترتب عليه إلزام الوِزَارَة بتخفيضِ إحالة طبع الكُتُب المنهجية لهَذَا العامِ بنسبة (50 %)، الأمر الَّذِي أثر سلباً عَلَى تسليمِ الطلاب الكُتُب المَدْرَسيَّة!!.
بعد أَنْ تكفل أولياء أمور الطَلَبة بشراءِ الكُتُب المَدْرَسيَّة مِنْ السوقِ المَحَلّي، فضلاً عَنْ مبادرةِ أئمة بعض المساجد وَالحسينيات فِي الْمُسَاهَمَةِ بطبعِ بعضِها، دخلت وِزَارَة التَّرْبِيَة عَلَى خطِ أَزْمَةِ الكِتَاب المَدْرَسيّ بتبريراتٍ وَانتقاداتٍ لم يسلم مِنْ سهامِها حتى مَجْلِس النُوَّاب، إلا أَنْ تصريحَاتها لَمْ تفضِ إلى إجراءاتٍ حَاسمة، فالحديثُ عَنْ الكِتَابِ المَدْرَسيّ لا يزال رهين نافذة تطل عَلَى فضاءٍ مجهول الآفاق. وَهو الأمر الَّذِي فرض عَلَى حُكُومةِ البَصْرة المَحَلِّيَّة - بعد نحو عشرة أيام مِنْ تطمينات وِزَارَة التَّرْبِيَة - إعلانها التكفل بطباعةِ الكُتُب المنهجية لطلابِ المحافظة عَلَى نفقتِها، مَعَ العرضِ أَنَّ هَذه المحافظة بحسبِ حُكُومتها المَحَلِّيَّة تحتاج لما يقرب مِنْ (600) مَدْرَسَة جديدة لمعالجةِ ظاهرة اكتظاظ الْمَدَارِس!!.
فِي أمانِ الله.
976 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع