علاء الدين الأعرجي
محام/ مفكر عراقي مقيم في نيويورك
مما يروى من قِصص الخلفاء، أن الخليفة هارون الرشيد اعتاد التنزه في شوارع مدينة بغداد المدوَّرة، متنكراً بِـبـِزةِ تاجرٍ وجيه. فصادف رجلا ً مُسنّاً يزرع فسيلةَ نخلٍ. توقف مُسَلماً،
وخاطبه قأئلاً "أطال الله عمر الشيخ المحترم، ولكن لِـمَ تزرع هذه الفسيلة الصغيرة وأنتَ في هذه السن، وتعلم أن النخلة الصغيرة لا تُـثمر إلا بعد سنوات طويلة"، فأجابه الشيخ بلباقة :" زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون". استحسن الرشيد الجواب قائلا ً " بَخٍ بَخْ ، (أي أحسنتَ أحسنتْ ) اعطه ألف درهم"، مشيراً إلى حاجب كان يرافقه". وَهَمَّ الرشيد بالرحيل. فاستوقفه الشيخ قائلاً : "أيها السيد الكريم، أدام الله عليك نعمته، كُنتَ تحسبُ أن هذا الفسيلة الصغيرة سوف لن تُثمر إلا بعد سنين طوال، وها هي قد أثمرت بفضلكم حالا ً، ثمراً عظيماً "، فأُعجب الرشيد بذكائه قائلا" بخٍ بخْ"، وأمرَ له بألف أخرى.
ولئن أستعير قول ذلك الشيخ الطاعن مثلي في السن: "زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون"؛ فأنا أسعى من خلال هذه الكتابات المتواضعة، أن أزرع في أرضنا الطيـّـبَة، التي اجتاحتها، وما تزال، العواصف والأعاصير فصيّرتها يباباً وعِرَة؛
نعم، أزرع فسيلة واحدة مثمرة، بين أكوام من أدغال الشوك والعوْسج التي تحاول ان تخنق النادر من بعض الزهور النظِرة والشجيرات المثمرة.
هذه الأرض اليبابُ، كانت يوماً خضراءَ سمحاءَ، تَـغَذيتُ من ثديِها رضيعاً، وارتويتُ من "دِجْلَـتِـها" طفلاً، ونشأتُ بين بساتينها وأعنابها صبيـّاً، وتربيت على حُبّها يافعاً، ثُمَّ ارتحلت عنها "طلباً للعِلم، ولو في الصين"، شاباً.
لتلك الأرض الطيبة التي ظلت تَرْفُلُ بِـعَـبَـق الأبناءِ والأحِباءِ والأصدقاء، أُعيدَ نِزراً يسيراً من جُوْدها وكرمها، فضلها ولطفها، فأصرُّ على أن أزرع هذه الفسيلة الغضة، وأتعهدها بالماء والغذاء حتى الرمق الأخير، عسى أن يتعهدها بعدي من يتفهم مغزاها ويُدرك مرماها، فيـُعنى برسالتها، فتثمر "رطباً جنيـّا"، وأنا ما برحتُ أرددُ قولَ ذلك الشيخ "زرعوا فأكلنا ونزرعُ فيأكلون".
أنظر تفصيل ذلك في الرابط المجاني:
https://drive.google.com/file/d/0B7-yP9NKQgUrZHdPdlZCSUtPYTg/view?usp=sharing
عنوان الكاتب: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
3001 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع