بقلم: سالم ايليا
منذُ بدء عمليات تحرير نينوى والشعب العراقي يتابع مجرياتها على كافة القنوات الفضائية، وحيثُ أسعدنا أن تبدأ القناة الوحيدة المحسوبة على الدولة بتغيير نهجها الذي سلكته طوال السنين الماضية والمؤشر عليها بميلها لطائفة واحدة دون الأخريات،
ورفعها بعد بدء عمليات "قادمون يا نينوى" لشعار "سبق وطني ـ ـ لا سبق صحفي"، ودعوتها لكل وسائل الإعلام للمشاركة معها في تغطية موحدة لإنتصارات الجيش العراقي والشرطة الإتحادية وقوات البيشمركة وكل الجحافل المساندة على جبهات القتال ضد داعش.
وقد إستبشرنا خيراً للبدء بصفحة جديدة بين أبناء الشعب العراقي بكافة مكوناته بعد تحرير الموصل.
وللحقيقة ومن خلال مشاهدة البعض من برامج قناة العراقية الفضائية إستطاع المشاهد العراقي أن يتحسس ببعض التغيير الإيجابي الحاصل في برامجها ولغة خطابها الإعلامي، لكن وللأسف الشديد يبدو من أنّ هذا النهج سوف لن يستمر طويلاً بسبب عودة البعض من مقدمي ومقدمات برامجها السياسية الى ذات الأسلوب السابق في محاباة جهة معينة والدفاع عن أخطاء الحكومة وتبريرها، وهذا يعني الإصرار على تكرار نفس الأخطاء.
وحيثُ تحاول العراقية الفضائية الظهور بمظهر القناة الوطنية الناطقة بإسم كل العراقيين دون إستثناء، نجد من جهة أخرى عدم محاولتها الجديّة بتغيير نهجها الإعلامي بإتجاه زرع الثقة بينها وبين المشاهد العراقي من خلال المعطيات الواردة في برامجها وخاصة السياسية منها.
فقد قدمت قناة العراقية نيوز في يوم الجمعة المصادف الثامن والعشرين من تشرين الأول/2016م وضمن برنامج "ستوديو التحرير" لمقدمته فيروز حاتم الضيفين السيدة هناء أدور الناشطة المدنية في مجال حقوق الإنسان والمرأة بشكلٍ خاص، والأستاذ باسم الشيخ رئيس تحرير صحيفة "الدستور" العراقية ومن خلال الجزء الأول من البرنامج، وحيثُ كان موضوع الحلقة "المرأة في ظل سيطرة داعش الإرهابي".
فقد تقاطعت السيدة الفاضلة هناء أدور مع مقدمة البرنامج فيروز حاتم برؤيتها للمشهد العراقي، وذلك حين طرحت وبشكل علمي وموضوعي وموثق لديها كونها ناشطة في حقوق المرأة لها مكانتها الوطنية والدولية والحاصلة على جوائز عالمية لمناصرتها للسلم العالمي وللمرأة، ما أعتبرته خللاً في كيفية التعامل مع المواطنين وخاصة المرأة من قبل الجهات المسؤولة، إذ كان سؤال مقدمة البرنامج عن كيفية التعامل مع المرأة العراقية التي إنخرطت في صفوف داعش، فكان جواب السيدة هناء أدور من أننا يجب أن نبدأ بالبحث عن الأسباب التي دفعت بعض النساء للإنضمام الى داعش، خاصة وإن المرأة العراقية في الكثير من الأحيان تكون مسيّرة وليست مخيّرة بسبب التقاليد العشائرية، وهنا حاولت مقدمة البرنامج الدفاع عن تلك التقاليد المجحفة بحق المرأة بقولها إنها تحت السيطرة في المناطق الوسطى والجنوبية وبمنطق رجعي لا يليق بها كأمرأة تبدو متحضرة!!!، ثمّ أكملت السيدة هناء عرضها لتضرر المرأة بسبب فقدان الأب والزوج والإبن والأخ نتيجة الأجراءات التعسفية للسلطة السابقة، ففقدت المرأة في المناطق الساخنة للكثير من أفراد عائلتها ومعيليها وهي ترى أمام أعينها إنهيار منظومتها الأسرية بسبب العقوبات الجماعية التي مارستها الدولة في فترات معينة، والتي أجبرت بكل تأكيد البعض من أفراد تلك العوائل بنسائهم للإتجاه صوب الفكر الداعشي والإنضواء تحت مظلته مكرهين لا راغبين فيه، وخاصة في المناطق الغربية والشمالية الغربية والمناطق الشمالية، وبدل أن تؤيد وتقر مقدمة البرنامج بما ذهبت اليه الخبيرة في حقوق المرأة والإنسان السيدة هناء أدور ومحاولة طمئنة الشارع بالتغيير الذي وعد به رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، راحت مقدمة البرنامج تبحث عن الأعذار الواهية لتصرف الحكومة الطائفي، وحيثُ بررت ذلك بقولها من أن الإرهاب لم يعطي للسلطة المجال لإثبات حسن نيتها محاولة إبعاد صفة الطائفية عنها!!!، خاصة في فترة حكم رئيس الوزراء السابق نوري كامل المالكي، ومحاولة الصاق تهمة الإرهاب بشكل قاطع بمنطقة جغرافية بكاملها مدعية بأن التظاهرات والإحتجاجات التي حدثت في محافظة الأنبار قبل سيطرة داعش عليها لم تكن إلاّ حواضن لداعش بشعاراتها وأناشيدها، ومتناسية من أن داعش إستغلت معاناة تلك المناطق بسبب تهميشها والجور الذي وقع عليها من الحكومة، فوجدت الأفكار المتطرفة في البعض من مواطنيها الطريق السالك الى عقولهم.
لكن السيدة هناء أدور إستوقفت مُحاوِرَتَها بنقطة نظام رافضة هذا الإتهام والتبرير ومؤكدة على عدم إستجابة الحكومة، خاصة في المرحلة السابقة الى صوت المجتمع الواحد والإنفتاح على الآخر وسماع صوته وإشراكه في إتخاذ القرار وإدارة الدولة بشكلٍ فعلي وليس بتوزيع المناصب الشكلية.
فما كان من مقدمة برنامج "ستوديو التحرير" فيروز حاتم إلا محاولة تغيير مجرى الحوار للخروج من هذا المأزق والدخول في نفق مظلم آخر بإدعائها من أنّ المكوّن الآخر قد قاطع الإنتخابات الأولى وحاول تقويض العملية السياسية، وأرجعتنا الى المربع الأول في المجادلات السياسية قبل أكثر من عشرة سنوات والتي أوصلتنا الى ما نحن عليه الآن، وكأنها تريد القول الذنب ذنبهم؟!!، وأنا هنا أقف مع مقدمة البربامج وأعطي لمبررها بعض الصحة والذي كان سببه أحد أركان ذلك المكوّن الذي وافاه الأجل، وهي غلطة كبيرة لا تغتفر لمن سعى اليها وإقترحها من ذلك المكوّن.
لكن هذا الأمر لا يعطي المبرر إطلاقاً لعدم إشراكهم كشركاء عراقيين هم وبقية المكوّنات الأخرى في إدارة الدولة وفي حق تمتعهم بالعدالة الإجتماعية بكل مفرداتها الرسمية والغير رسمية، أي بمعنى آخر لا يحق لأي كان إقصائهم ومن معهم من المكوّنات الأخرى بحجة غياب تأثيرهم الإنتخابي، في الوقت الذي ينادي به الجميع على ضرورة نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة من العلاقات بين المكوّنات.
أما النقطة الأخرى التي حاولت فيها المحاورة فيروز حاتم بيان عدم حياديتها أيضاً، فهي تشكيكها بعدم إنصاف المجتمع الدولي، وذلك لتكريم البعض من الناجيات الأيزيديات من أسر داعش وإغفال وإهمال غيرهن من النساء الغير أيزيديات من الناشطات العراقيات!!، لكن السيدة هناء أدور إستوقفتها مرة أخرى وصححت معلوماتها بأن من ذكرتهن من بقية الناشطات الغير أيزيديات كرمن أيضاً من المنظمات الدولية على الرغم من عدم تعرضهن لنفس ما تعرضن له النساء الأيزيديات من سبي وإغتصاب جماعي وبيع في سوق النخاسة.، إضافة لعودة مقدمة البرنامج في الجزء الثاني من البرنامج لمحاولة التقليل من أهمية ما تعرضت له النساء الأيزيديات ثمّ تداركها للموقف!!.
كذلك أصرّت السيدة الفاضلة هناء أدور في التركيز على معاناة النساء الموصليات حصراً في ظل سيطرة داعش، وأعطت مثالاً قائماً على معاناتهن عندما نشرت داعش قائمة بالفي ضحية أعدمتهم وكان ثلاثمئة منهم من النساء ومنهن الطبيبات والمهندسات والإعلاميات وغيرهن، إضافة الى الرجم والعض من أماكن محددة كعقوبات آنية وغيرها من المعاناة.
وحيثُ كان يبدو لي وللمشاهدين في بداية الحوار من أن مقدمة البرنامج فيروز حاتم ستكون مهنية وحيادية في إدارتها للبرنامج لكنها لم تفعل!!، لا بل حاولت حصر الحوار بالإتجاه الذي يعكس قناعاتها ومكنوناتها.
وما دمنا في مجال النقد الإيجابي الخالي من الغايات المبيتة للإعلام الحكومي والمتمثل بفضائيته العراقية، نود أن نسترعي إنتباه من يهمهم أمره على ضرورة البحث في تفاصيله الصغيرة، كون ان الشارع العراقي لا يتحمل المزيد من المحاولات لتهميش مكوّن منه، وإن كانت تلك المحاولات غير مقصودة، فالأغاني الموصلية التي تبث بين فقرات البرامج السياسية ومنها الأغنية التراثية "كم يردلي" وبصوت هزار أغنية "يا طيور الطايرة" المحببة لدينا جميعاً المطرب الكبير سعدون جابر لا تصلح لعرضها لتذكير الموصليين بأغانيهم وتراثهم، وذلك لتأديته لها بلهجته الجنوبية التي نعشقها في أغانيه الأخرى وليس في هذه الإغنية مما أفقدها جماليتها، فلا تبخلوا على الموصليين وفي هذه الأيام العصيبة والمفرحة في آنٍ واحدٍ الإستمتاع بسماع أغانيهم من مطربيهم وبلهجتهم، لذا فمن الأفضل أن يختار منسقوا الفضائية مطرب موصلّي لغناء أغانيهم للمحافظة على هويتها من أمثال قارئ المقام ومؤدي الأغاني التراثية الفنان عامر يونس الموصلّي أو المطرب فخري فاضل أو غيرهم ذوي الأصوات الكبيرة، فلا تزال حناجرهم تصدح منشدة:
طالَ إشتياقي ـ ـ متى التلاقي ـ ـ أرض العراقِ عزّت عليَ
مع جل إعتزازنا بالمطرب الكبير سعدون جابر لمشاركته للموصليين في أغانيهم.
فعلى من يهمه أمر إستقرار البلد وأخص بالذكر رئيس وزرائه الدكتور حيدر العبادي وكابينته وإن كانوا جادين بما صرحوا به من تصريحات إيجابية أن يدرسوا إمكانية إعادة تأهيل المنظومة الإعلامية بالإتجاه الوطني وليس الحزبي الطائفي، أو إقصاء مَنْ ليس لديه القدرة على تقبل الآخر في مجتمع متعدد المكونات كالمجتمع العراقي.
وقولي الأخير للإعلامية فيروز حاتم، نرجو أن تنتبهي الى مفرداتك وإسلوبك الإعلامي لتمثيل كل العراقيين، فالزورق لا ينجو في بحرٍ شديد العواصف وبمجذاف واحد فقط يا سيدتي!!!.
998 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع