بقلم/ حامد خيري الحيدر
ها هي شمعة أخرى تطفئها رياح الأيام، لتتهاوى معها ورقة مهترئة من شجرة العمر أسقطتها آهات ومتاعب الحياة....
في مثل هذا اليوم كان اللقاء بيني وبين الذي أغواني بأنفاس أزهاره، فلم أعد أقوى على الافلات من محبته... لم تكن البداية باسمة مفرحة كلقاء جميع الأحبة عند بداية رحلة هواهم المجهولة، حيث تحتضنها نسائم المودة وعبَق الاحلام الواعدة.. بل مع صرخة مدوية لم يُسكنها سوى هَدهَدة أم حنون صابرة.. ربما كنت قاسياً بصرختي تلك، الرافضة لهذا اللقاء، لكني كنت صريحاً بعدم ائتماني جانبه وشعوري رغم عدم أدراكي بعد بمقدرات الدهر بجحود ونفور وغدر سيصيبني منه يوماً.. مع ذلك جعلت منه توأم للروح وصديق لدود لي في العيش.. فصرت في كل عام من ذكرى ذلك اللقاء أقطف وردتين، واحدة له والأخرى لي، حتى شب وكبُر وبلغ من الجمال أروعه ومن الفتنة أبدعها.. لتتحول رفقتنا الى عشق تعجز الألسن عن الحديث عنه، والكلمات بوصفه.. فقد أصبح عيني التي أرى فيها هذا العالم الفسيح بعد أن غدا شمساً تتوهج بين نجومه.. أخافتني قسوته وتناقضاته المسافرة بين ضحكات ودموع، وتلاعبه وايلامه بقلوب وحَيَوات جميع من وقع بهواه، حتى جعلهم يحلقون بين عوالم الأوهام، يطيرون بين سُحبها، ثم ليرمي بهم من علياء سماء الحقيقة لقدرهم الغامض، مُشتتين مَبهورين من هول وفجاعة المصير...... قد يسألني من تحجر تفكيره وأصبحت ذاكرته مجرد أرقام مُبهمة لا توجد إلا في معاجم التطور.. أيهما أكبر أنت أم من تعشق؟ رغم بلادة السؤال أجبت مع ابتسامة عريضة تستذكر مُحّيا الحبيب.... قد لا تصدقني أن قلت حتى أنا لا أعرف، فهو أكبر من أن يكون جزءاً مني وأصغر من أن أكون جزءاً منه.. ربما هو أكبر.. فعلى فسيح مساحته تشظت أوصالي.. ومن عذب مياهه ترطبت عروقي، ومن طين أرضه تجّلد كياني، ومن برودة هوائه تشبثت بأهداب الحياة.... وربما يكون أصغر.. وهو الحبيس أبداً في قلبي، المعلقة صورته بقلادة تلامس صدري على الدوام، فتشعرني ببقايا دفئ حنينه الكاذب..... يواصل أسئلته المُملة... وهل لا زلت تعشقه، حتى بعد أن طردك من بيته وجعلك هائماً في بلاد الصقيع، حائراً في عتمة المستقبل نادباً أيامك السالفة؟ أجبته بعد زفرة عميقة كأني أخرج معها كل أحزان السنين.. هذا شأنه، ربما ملّ عشقي، ربما كرهني، ربما أتخذ من آخرين رفقة وعشاق له... لكن!!! أعقبتها ببضع قطرات دمع سقطن رغماً عني، ما لبثن أن تحولن الى حَبات بَرَد.... هل أستطيع أن أطرده من كياني المُبعثر؟ هل أقدر أن أخرجه من خريطة أحلامي الخائبة على مدى الزمن؟ هل يساعدني الحظ يوماً لأتمكن من مَحو صورته المُبهمة من خيالي الحائر المنهك؟ ببساطة أقول.. لا...... محال أن يحدث مثل هذا رغم نزيف آلامي.. سيظل يتملك جوارحي هذا القاتل المُتلذذ بعذاب مُحبيه، والقتيل المُضحى بتاريخه، هذا العاشق المهووس بالصبر والصمود، والمعشوق حتى النخاع رغم نكرانه لعاشقيه، ذاك الذي في قاموس الأوجاع، وصفحات النضال المعفرة بالتراب، وأهازيج صناع الحياة يُدعى.. عراق..... وسأظل في ذكرى لقائنا من كل عام أقطف وردتين، واحدة له والأخرى لي.
1714 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع