أ.د. ضياء نافع
نشرت مقالتي بعنوان – ( رأيت بوشكين وادباء آخرين في منامي ) في تموز / يوليو عام 2014 , واستلمت الكثير من التعليقات حولها منذ ذلك الحين والى حد الان , وكل هذه التعليقات كانت تؤيد وتساند الفكرة التي دعوت اليها في ثنايا تلك المقالة , والتي كأنما جاءت على لسان بوشكين نفسه - وهي تأسيس متحف الادب العالمي في حدائق كلية اللغات بجامعة بغداد , وقد تطوع أحد طلبتي القدامى النجباء , والذي يعمل الان في رئاسة جامعة بغداد , انطلاقا من اعجابه الشديد بالمقترح الوارد في تلك المقالة وتأييده المطلق له , ان يقدم المقالة تلك الى السيد رئيس جامعة بغداد , وبعد ان اطلع عليها السيد رئيس جامعة بغداد وابدى اعجابه بها طلب مني - عبر هذا الطالب نفسه - ان اقدم له تفصيلات بشان تنفيذ هذا المقترح ,
وهكذا بعثت الى السيد رئيس جامعة بغداد بآرائي وملاحظاتي وتصوري حول ذلك المقترح تحريريا, وعلمت انه أحال هذا التوضيح الى عمادة كلية اللغات لبيان الرأي بشأنه وهو اجراء اداري دقيق وصحيح و سليم جدا , وقد اصطدم هذا المقترح غير الاعتيادي والجديد بكل معنى الكلمة بتعقيدات ادارية ترتبط بالمخصصات المالية حول تنفيذه وبالاجواء الحالية طبعا السائدة الان , وهذه مسألة طبيعية جدا , اذ ان الرأي اتجه الى ان تقوم كلية الفنون الجميلة بتنفيذه وبايدي فنية عراقية , وهي مسألة ليست بسيطة طبعا رغم جماليتها وصدقيتها وقيمتها الكبيرة , فالتمثال النصفي لبوشكين باعتباره رمزا لروسيا الموجود حاليا في حدائق كلية اللغات ( والذي يمكن اعتباره الحجر الاساسي لهذا المشروع ) تم تنفيذه من قبل الجهات الروسية باعتباره هدية من الرئيس الروسي آنذاك دميتري مدفيديف الى جامعة بغداد جوابا على هدية الرئيس العراقي آنذاك جلال طالباني لتمثال الشاعر الكبير الجواهري باعتباره رمزا للعراق و الذي اقمناه في جامعة فارونش الروسية ( انظر مقالتنا بعنوان قصة تمثال بوشكين في جامعة بغداد ) , واتمنى انا ان يتم تنفيذ متحف الادب العالمي في كلية اللغات وبالتدريج بنفس الاسلوب الصحيح والدقيق الذي اتبعناه عندها , اي ان تفاتح الاقسام العلمية في كلية اللغات رؤوساء تلك الدول التي تقوم بتدريس لغتها للقيام بذلك عن طريق رسالة مكتوبة بلغة ذلك البلد وبتوقيع رئيس جامعة بغداد نفسه , وان يتم تسليمها شخصيا من قبل القسم اللغوي المعني في كلية اللغات الى سفير تلك الدولة في بغداد شخصيا , والطلب منه رسميا ايصال هذه الرسالة الى رئيس بلده باسم جامعة بغداد , وانا على قناعة تامة ان الرئيس – اي رئيس - سيستجيب ايجابيا لهذا النداء الثقافي والحضاري , والذي يسعى الى تجسيد و تعميق العلاقات الثقافية بين البلدين دون ان يتطلب التمويل الكبير جدا لتلك الجهة الاجنبية او بذل جهود استثنائية لتحقيق ذلك, وسيكون تدشين كل تمثال من تلك التماثيل بمثابة مهرجان كبير واحتفال رائع للثقافة والتعاون المشترك و المتبادل بين العراق من جهة وبين ذلك البلد من جهة اخرى , و كما كان الامر عندما تم تدشين التمثال النصفي لبوشكين في كلية اللغات في حينه , ومن نافل القول الاشارة الى اهمية ذلك الى العراق – دولة وحكومة وشعبا - ومكانته الدولية والعالمية في اطار العلاقات بينه وبين دول العالم .
اتصلت احدى المتحمسات لهذا المشروع بالاستاذ مفيد الجزائري - وزير الثقافة الاسبق بالعراق واعلمته بالموضوع , وذلك اثناء لقاء عابر معه في اتحاد الادباء ببغداد ( هكذا اعلمتني تلك المتحمسة في رسالتها اليٌ ), فابدى الاستاذ الجزائري اعجابه بالمقترح ومساندته له وطلب منها ان تخبرني بضرورة كتابة طلب الى السيد وزير الثقافة الحالي الاستاذ راوندوزي حول مساندة الوزير لهذا المشروع الثقافي المتميز و الجميل, وكذلك اشار الاستاذ حسين الجاف في ذلك اللقاء ايضا الى ذلك عندما علم بالموضوع , والذي اسماه ( مشروعا كبيرا ومهما للعراق ) كما علمت منها ايضا , ووعد ان يطرح الفكرة امام الجهات العليا في وزارة الثقافة وعلى السيد الوزير شخصيا , وقد كتب لي بعض الاصدقاء المتحمسين لهذا المشروع ان اتوجه الى السيد وزير الثقافة برسالة مفتوحة في وسائل الاعلام حول ذلك المقترح الرائد , وذلك كي يساهم الرأي العام بالمناقشة العلنية لذلك وتحريك الجو العام - كما يقال - لمساندة هذه الخطوة الثقافية الايجابية وتنفيذها , وها انا ذا اكتب - مرة اخرى – مقالتي هذه في هذا الاتجاه حول هذا المشروع - الحلم , اذ اني كنت وما زلت أحلم و أتمنى ان يتحقق هذا المتحف في بغداد الحبيبة , لان هذا المتحف فريد من نوعه في كل بلدان العالم , ولا يوجد له مثيل في اي مكان , وستزهو بغداد بتحقيقه و ( تباهي به الامم !!! ) اولا , و ثانيا لانه سيكون الجواب الحضاري الرائع والعملاق والمدويٌ لبغداد بكل ما تمثل وتجسٌد من رمز حضاري وثقافي عالمي على هؤلاء الصغار الذين يدمرون علنا وامام العالم اجمع تماثيل ابي تمام والموصلي وغيرهم من رواد الفكر الانساني , ولنتصور كيف سيكون رد فعل العالم المتحضر عندما يعرف ان بغداد تقوم بتدشين تمثال نصفي لشكسبير الانكليزي – مثلا – او هيغو الفرنسي او غوته الالماني او سيرفانتس الاسباني ..الخ , تقييما لهم واعتزازا بهم وبدورهم في مسيرة الادب العالمي , وهي ( اي بغداد ) تعاني من هجمة شرسة من هذه الهجمات التي نراها ونسمع بها في ايامنا الرهيبة هذه, ومن الطبيعي انه يجب ان تشارك وزارة الثقافة في تنفيذ هذا المتحف الذي يقع ضمن اختصاصها بلا شك , فهي الوزارة المسؤولة عن المشاريع الثقافية في البلد , ومتحف الادب العالمي في بغداد طبعا يجب ان يكون من صلب واجباتها المباشرة واختصاصها ومسؤولياتها , رغم انه يقع واقعيا في حدائق كلية اللغات بجامعة بغداد التابعة الى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي طبعا , وهي الكلية الوحيدة في العراق التي تقوم بتدريس الادب العالمي هذا ورجالاته من شكسبير وهيغو وبوشكين وغوته وسرفانتس والاخرين , وعليه , فان وزارة الثقافة و وزارة التعليم العالي واقعيا تقع عليهما مسؤولية احتضان هذا المتحف , لانهما يرعيان الادب العالمي سوية , وبغض النظر عن المسؤولية المباشرة لهذه الوزارة او تلك , فان اقامة متحف الادب العالمي في العراق هي مسؤولية كل المثقفين العراقيين من ادباء وفنانين تشكيليين ونحاتين وموسيقيين ومسرحيين وسينمائيين ..الخ .
ان تحقيق هذا المقترح - هو فخر لنا جميعا بلا أدنى شك , هذا المتحف المفتوح الجميل في حدائق كلية اللغات و تحت ظلال نخيلها الرائعات سيكون معلما من معالم بغداد الثقافية المتميزة بكل معنى الكلمة, و الذي سيدخل حتما في برنامج كل الوفود الاجنبية التي تزور العراق سواء كانت ثقافية او غيرها , والذي سيثير بلا أدنى شك اندهاشها واعجابها وتثمينها الكبير لهذا العمل الابداعي والرمز الحضاري على ارض بلاد الرافدين , والذي – كما نأمل - ( سيفتح شهيتها !! ) ايضا ويدفعها للمساهمة به وتوسيعه وتطويره بالتبرع باضافة تماثيل نصفية اخرى تجسٌد رموزها الادبية والثقافية.
1188 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع